مئوية الحرب العالمية الأولى تحوّل باريس إلى «عاصمة العالم»

حضور دولي كثيف وعربي ضعيف وطموحات لتحويل «منتدى السلام» إلى حدث سنوي

الرئيس ماكرون مع المستشارة ميركل أمس يوقّعان كتاب الزوار في العربة التاريخية التي تم فيها توقيع اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر 1918 (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون مع المستشارة ميركل أمس يوقّعان كتاب الزوار في العربة التاريخية التي تم فيها توقيع اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر 1918 (إ.ب.أ)
TT

مئوية الحرب العالمية الأولى تحوّل باريس إلى «عاصمة العالم»

الرئيس ماكرون مع المستشارة ميركل أمس يوقّعان كتاب الزوار في العربة التاريخية التي تم فيها توقيع اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر 1918 (إ.ب.أ)
الرئيس ماكرون مع المستشارة ميركل أمس يوقّعان كتاب الزوار في العربة التاريخية التي تم فيها توقيع اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر 1918 (إ.ب.أ)

قبل مائة عام وفي الساعة الخامسة من صباح الحادي عشر من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وقعت الهدنة التي وضعت حداً لفظاعات الحرب العالمية الأولى في عربة قطار تابعة لرئاسة الأركان الفرنسية، في غابة كومبياني (شمال باريس)، في المحلة المعروفة باسم «ريتوند». وسُميت هذه الحرب «عالمية» بسبب اتساع المناطق التي شهدت المعارك والموزعة على العديد من الجبهات والقارات، وبسبب العدد الكبير من الدول التي شاركت فيها. فما بين 1914 تاريخ انطلاق هذه الحرب، و1918 تاريخ انتهائها، شاركت فيها جيوش من نحو عشرين بلداً، وعُبئ من أجلها ما لا يقل عن 66 مليون رجل موزعين بين تحالف إمبراطوريات وسط أوروبا (الألمانية والنمساوية والمجرية والتركية والبلغارية، إضافة إلى دول أخرى)، والتحالف الثلاثي (فرنسا وبريطانيا وروسيا) الذي انضمت إليه الولايات المتحدة في العام 1917 وقبلها إيطاليا والبرتغال وصربيا... أما عدد الضحايا من العسكريين والمدنيين فكان الأكبر في التاريخ، إذ بلغ 38 مليون شخص موزعين بين قتلى وجرحى ومفقودين. كما أنها كانت المرة الأولى التي ظهر فيها السلاح الكيماوي واستُخدمت الطائرات الحربية والدبابات بحيث إنها كانت أولى «الحروب الحديثة».
كان من نتائج تلك الحرب التي انتهت ذاك الصباح البارد بتوقيع الهدنة بين وفدين عسكريين فرنسي وألماني، انهيار ثلاث إمبراطوريات، وإعادة رسم الحدود في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وتفتيت الخلافة العثمانية/ وظهور «عصبة الأمم»، وانفلاش الحضور الأميركي عبر العالم، وقيام أول نظام شيوعي في روسيا، وولادة دول وضمور أخرى، وزرع البذور التي مهّدت الطريق للحرب العالمية الثانية.
من هنا، أرادت باريس أن تكون الاحتفالية بالذكرى المئوية الأولى لتوقيع الهدنة حدثاً عالمياً ضخماً يَظهر من خلال الحضور الدولي الكثيف الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية طيلة ثلاثة أيام (الأحد والاثنين والثلاثاء)، والمتمثل في وجود 98 وفداً من أنحاء العالم كافة و72 رئيس دولة وحكومة (الولايات المتحدة، وروسيا، والدول الأوروبية، وعدد واسع من الرؤساء الأفارقة وبعض البلدان العربية)، إضافة إلى كبار المسؤولين من المنظمات الدولية والإقليمية. كذلك حرص المنظمون على توفير حضور واسع للمجتمع المدني ممثَّلاً في الجمعيات والشخصيات السياسية والعلمية والثقافية. ولم تكتفِ باريس باحتفالية تجمع القادة وكبار المسؤولين تحت قوس النصر، اليوم (الأحد)، في أعلى جادّة الشانزليزيه في باريس، بل أضافت إليها «منتدى السلام» الذي سيدوم ثلاثة أيام، ويتمحور حول خمسة موضوعات رئيسية عنوانها الجامع «السلام وكيفية المحافظة عليه». ويترجَم ذلك في إطار ورش عمل يشارك فيها كبار القادة، ويُنتظر منها أن تقدم رؤية وحلولاً من أجل إدارة عالم استخلص العبر من مآسي الماضي متعدد الأقطاب.
خلال الأيام الثلاثة، ستتحول باريس إلى «عاصمة العالم»، ولكن أيضاً إلى قلعة حصينة، بسبب الإجراءات التي أقرّتها وزارة الداخلية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية. وعبّر وزير الداخلية الجديد كريستوف كاستانير، عن «ثقته» بأن الأمور ستجري على ما يرام، لكنه في المقابل دعا إلى «الحذر الشديد» بسبب «التهديد الإرهابي» أكان التقليدي (أي المقصود به الإسلاموي) أو المتمثل في مجموعات يمينية متطرفة أُلقي القبض على ستة أفراد من بينها يوم الثلاثاء الماضي، وكانت تخطط لارتكاب اعتداء ضد الرئيس ماكرون يوم الأربعاء بطعنه خلال وجوده في مدينة شارلفيل ميزيير، في إطار «طريق الذاكرة» الذي شمل العديد من المدن والموقف في شرق وشمال فرنسا، حيث دارت كبريات المعارك الطاحنة. ولضمان الأمن، فإن مديرية الشرطة في العاصمة عبّأت ما لا يقل عن 10 آلاف رجل شرطة وأمن لحماية المراكز الحساسة مثل: قصر الإليزيه، ومحيط قوس النصر، وجادّة الشانزليزيه، ومقرات المنتدى في مجمع «لا فيليت» الواقع في الأحياء الشمالية من باريس، والطرقات الموصّلة من المطارات إلى وسط العاصمة. وفي باريس ستُغلق اليوم محطات المترو والطرقات القريبة من القصر الرئاسي وتلك المفضية إلى قوس النصر ومجمع «لا فيليت». ونُشرت على طول جادّة الشانزليزيه التي سيسلكها موكب الرؤساء انطلاقاً من القصر الرئاسي الحواجز المعدنية، وسيُمنع السير فيها، في ما وُضع أفراد من الأمن على سطوح المنازل المطلة على الجادة المذكورة، وهو تدبير تلجأ إليه السلطات الأمنية في المناسبات الكبرى. وما يدفع السلطات الأمنية إلى توخي أقصى درجات الحذر وجود قادة كبار الدول في وقت واحد ومكان واحد وفي مقدمتهم الرئيسان الأميركي والروسي والمستشارة الألمانية والأمين العام للأمم المتحدة وغالبية رؤساء الدول والحكومات الأوروبية وكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي والرئيس التركي.
كذلك حرصت باريس على دعوة عدد كبير من القادة الأفارقة الذين كانت بلادهم تحت الاستعمار الفرنسي أو البريطاني وجُنِّد مواطنوهم وأُرسلوا إلى الجبهات الأمامية وسقط منهم عشرات الآلاف قتلى. وتمثل الحضور العربي في ملك المغرب، والرئيسين التونسي والموريتاني، ورئيسَي الوزراء الجزائري والفلسطيني، بينما غاب اسم رئيس الوزراء اللبناني عن اللائحة الرسمية التي وزّعها قصر الإليزيه أمس. وحضر أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي. في المقابل، فإن الرئيس الصيني ورئيس الوزراء الهندي سيغيبان عن احتفالات الأحد في محيط قوس النصر. وفضلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي كان لجيوش بلادها دور كبير في الانتصار النهائي على ألمانيا ودول المحور الاحتفال بالمئوية في بريطانيا نفسها. إلا أنها كانت إلى جانب الرئيس ماكرون بعد ظهر الجمعة لزيارة موقع معركة «لا سوم» التي شاركت فيها القوات البريطانية وخسرت فيها عدة آلاف من عناصرها.
ولن تكتفي فرنسا بالمراسم التقليدية بل تريد أيضاً مواكبتها بدعوات تبرز معالم الضيافة الفرنسية. ومساء أمس، تحولت القاعة الرئيسية في متحف «أورسيه» المطل على نهر السين إلى قاعة طعام استضافت رؤساء الدول والحكومات والبعثات. وظهر اليوم، تنتقل الشخصيات إلى قصر الإليزيه من أجل غداء رسمي، فيما زوجات وأزواج القادة مدعوون إلى غداء في قصر فرساي التاريخي الشهير الذي سيغلق أمام الجمهور وبعدها ستقدم لهم الفرقة السيمفونية للعاصمة النمساوية حفلاً موسيقياً، بينما وزراء الخارجية سيُدعون، من جانبهم، إلى قصر الوزارة.
أرادت باريس أن يكون الاحتفال تحت قوس النصر «قمة» المئوية، إلا أنها في الوقت عينه تمسكت بأن يكتمل بـ«منتدى السلام» الذي ترى فيه «مناسبة للبحث في كيفية إعادة تنظيم شؤون العالم، وتأكيد مسؤوليتنا الجماعية (في المحافظة على السلام). نحن الذي عرفنا أكثر من أسلافنا إلى أين انساقت الإنسانية في الماضي من مآسٍ وما يمكن أن يدفع بها إلى خسارتها في المستقبل». وحسب باريس، فإن «منتدى السلام» الذي هو بمعنىً ما «ردٌّ على تصاعد التوترات والحروب في العام»، هدفه الأول «الدفع باتجاه تعاون أفضل من أجل مواجهة التحديات الكبرى في عالم اليوم والوصول إلى عولمة أكثر عدلاً، وإلى نظام متعدد الأطراف أكثر فعالية في إدارة شؤون العالم». وبجملة واحدة، فإن منظمي المنتدى الأول الذي سيتحول إلى سنوي يريدون أن يكون لبنة على درب العمل من أجل السلام العالمي عبر توفير حوكمة عالمية رشيدة وتفعيل دور المنظمات الدولية والمجتمعات المدنية ومشاركة جميع اللاعبين الذين يتمتعون بقدرة على التأثير. ولا تقتصر اهتمامات المنتدى على الأزمات السياسية الكامنة أو المشتعلة بل تتناول أيضاً الإدارة الجماعية لما يشكل ثروات الإنسانية، كالبيئة، أو إصلاح قواعد التبادل والتجارة، والوصول إلى عالم أكثر عدلاً، ووضع قواعد مقبولة للعالم الافتراضي والرقمي. من هنا، فإن الهيئة الناظمة للمنتدى عمدت إلى توجيه دعوات إلى الجمعيات والشركات ومراكز البحث وممثلي الديانات والنقابات والإعلام. والأهم من ذلك، فإنها طلبت من الجميع التقدم بمقترحات مشاريع من شأنها المساهمة في تحقيق أهداف المنتدى. وفي نهاية المطاف، فإن أيام المنتدى الثلاثة ستشهد تقديم 119 مشروعاً تم اختيارها من بين 900 مشروع، وسيتم عرضها ومناقشتها من أجل إيجاد الرابط بين من يطرحها وبين الجهات التي تمتلك القرار.
في الأيام الثلاثة للمنتدى، ستدور المناقشات حول خمسة محاور رئيسية: الأمن والسلم، والبيئة، والتنمية، والتكنولوجيات الجديدة والرقمية، والاقتصاد الشامل. وبصدد المحور الأول، يرى المنظمون أن هناك حاجة إلى ردة فعل ملحّة إزاء الأزمة التي يعيشها النظام الدولي، ومن علاماتها: تراجع التعاون الدولي، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، وصعود الاتجاهات الشعبوية، وتراجع الفضاءات الديمقراطية، واستفحال غياب المساواة، وانتهاك حقوق الإنسان، وارتفاع الميزانيات الدفاعية، وتراجع المنظمات متعددة الأطراف، وغياب القواعد الناظمة للتكنولوجيات الجديدة، وفوق ذلك كله تراجع التعبئة العالمية لمحاربة التصحر والحفاظ على البيئة... لذا، فإن «منتدى باريس وُجد من أجل رص صفوف الدول والمجتمعات التي ما زالت تؤمن بالعمل الجماعي، والتعددية القطبية، وإيجاد القواعد العادلة لإدارة ثروات البشرية والخير العام، لأن في ذلك حظنا الوحيد لمواجهة التحديدات والحفاظ على السلم العالمي».
أشهر الغائبين عن المنتدى سيكون الرئيس ترمب، ربما لأن السياسة التي يتبعها منذ أن وصل إلى البيت الأبيض تتعارض تماماً مع هذه الطروحات والأهداف النبيلة. لكن المعضلة تكمن في أنها لا تحمل جديداً لأنها مبادئ المنظمات الدولية كافة وعلى رأسها الأمم المتحدة. والسؤال هو: هل سيكون للقادة والمسؤولين الذين سيجتمعون في باريس القدرة والرغبة على ترجمتها إلى أفعال أم أن أدبيات المنتدى ستبقى أدبيات صالحة فقط للوقت الذي سيستغرقه المنتدى وبعدها تعود الأمور إلى ما كانت عليه؟


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق سفينة مستشفى تغرق في ساعة وقطعها تنجو بعد قرن (أ.ف.ب)

قطع نادرة من شقيقة «تايتانيك» تخرج من «قبرها» البحري بعد 109 أعوام

تمكّن غوّاصون من استرجاع قطع أثرية من سفينة «بريتانيك»، الشقيقة لسفينة «تايتانيك» المشؤومة، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من قرن على غرقها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا موقع «يونيفيل» في قرية مركبا بالقرب من الحدود مع إسرائيل جنوب لبنان (رويترز)

مَن سوف يدافع عن النظام العالمي الليبرالي؟

من سوف يدافع عن النظام العالمي الليبرالي؟... تساءل المحلل الأميركي جيمس هولمز عما إذا كان القانون الدولي ما زال سارياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية من النادر أن تتكرر في تاريخ كأس العالم قصة مشابهة لما حدث بنهائي 1954 (ذا أثلتيك)

​كيف فازت ألمانيا الغربية بكأس العالم 1954؟

من النادر أن تتكرر في تاريخ كأس العالم قصة مشابهة لما حدث بنهائي 1954

The Athletic (برلين)
يوميات الشرق «رسالة حب من الماضي»... زجاجة تحمل حنين 66 عاماً تجرفها الأمواج إلى شاطئ بولندي

«رسالة حب من الماضي»... زجاجة تحمل حنين 66 عاماً تجرفها الأمواج إلى شاطئ بولندي

عثر صبيان في العاشرة من عمرهما على كنز عاطفي نادر: رسالة حب مكتوبة بخط اليد، محفوظة داخل زجاجة، يعود تاريخها إلى عام 1959.

«الشرق الأوسط» (غدانسك )

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».