«لوفر ـ أبوظبي» استقبل أكثر من مليون زائر في عامه الأول

أقام 4 معارض دولية ودعم جيلاً جديداً من الإماراتيين

«لوفر - أبوظبي» نقطة جذب عالمية للزوار والسائح (تصوير: وليد شاه)
«لوفر - أبوظبي» نقطة جذب عالمية للزوار والسائح (تصوير: وليد شاه)
TT

«لوفر ـ أبوظبي» استقبل أكثر من مليون زائر في عامه الأول

«لوفر - أبوظبي» نقطة جذب عالمية للزوار والسائح (تصوير: وليد شاه)
«لوفر - أبوظبي» نقطة جذب عالمية للزوار والسائح (تصوير: وليد شاه)

أعلن متحف «اللوفر - أبوظبي»، اليوم، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لافتتاحه، أنه رحّب، خلال عامه الأول، بأكثر من مليون زائر، الأمر الذي أدرجه على لائحة المؤسسات الثقافية الرائدة على مستوى العالم.
بهذه المناسبة، قال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي: «منذ عام مضى، قدّمنا (اللوفر - أبوظبي) هدية من الإمارة إلى العالم، وها نحن اليوم نفخر بمشاركة هذا الصرح مع أكثر من مليون زائر. فقد أصبح متحف (اللوفر - أبوظبي) من الجهات المفضّلة للمقيمين في الإمارة ولزوارها على حد سواء. إلى جانب ذلك، فإن تعاوننا المتين مع شركائنا الفرنسيين والإقليميين يدعم مهمة المتحف في سرد قصص عالمية تجمعنا وتوحّدنا في أرجاء صالات عرضه، فلهم منا جزيل الشكر. أما النجاح الأكبر الذي حققناه، والذي استغرق 10 سنوات من العمل الدؤوب، فهو تأسيس الجيل المقبل من الإماراتيين المتخصصين في مجال المتاحف، الذين تدربوا وفق أعلى المعايير في عالم الثقافة وأصبحوا قادة في مجالاتهم».
تجدر الإشارة إلى أن رؤية متحف «اللوفر - أبوظبي» تقوم على الاحتفاء بالروابط بين الثقافات التي تتجاوز الحدود الجغرافية وسياق الحضارات، ليتمكنوا من تأمّل جوهر الإنسانية بعيون التاريخ. لذا فإن هذا التنوّع في الجمهور الذي يستقطبه «اللوفر - أبوظبي»، يعكس الجانب متعدد الثقافات للمتحف، ويبيّن في الوقت عينه كيف تجذب القصص العالمية التي يرويها من خلال قطعه مختلف الفئات العمرية والثقافية، من الشغوفين بالفن إلى الزوار الصغار والعائلات، بانياً بذلك حواراً بين الثقافات والأجيال.
ويمثل مواطنو دولة الإمارات والمقيمون فيها 40 في المائة من إجمالي عدد زوار المتحف للعام الماضي، الذين سرعان ما احتضنوا المتحف، وجعلوه وجهتهم المفضلة، لتمضية الوقت مع العائلة والأصدقاء. فالإماراتيون هم من بين أكثر جنسيتين من المقيمين في الدولة الذين زاروا المتحف، وهم من بين أكثر جنسيتين تزوران المتحف لأكثر من مرة. إلى جانب ذلك، يضم برنامج عضوية «أصدقاء الفن» 5000 عضو.
وأصبح «اللوفر - أبوظبي» كذلك نقطة جذب عالمية للزوار والسائحين الذين مثلوا 60 في المائة من زواره؛ إذ بات المتحف وجهة ومعلماً مميزاً يعزز السياحة في الإمارة، حيث يقصده الزوار من مختلف أنحاء العالم، فيما كان العدد الأكبر من الزوار من الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، وأتت أكبر الأسواق على الترتيب التالي: فرنسا وألمانيا والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والهند ودول الخليج العربي. وقد تصدرت الهند لائحة الزوار، من حيث عدد المقيمين في الدولة والسائحين.
واستضاف المتحف أكثر من 1000 رحلة مدرسية، كما قدّم 5000 جولة إرشادية وورشة عمل ومحترف و115 فعالية خاصة، تنوّعت ما بين عروض بيت العود والحوارات وعروض الأفلام والحفلات الموسيقية التي ضمت أكثر من 400 فنان من 22 بلداً، بما في ذلك الحفل العالمي لنجمة البوب البريطانية دوا ليبا الذي أقامته احتفالاً بالذكرى السنوية الأولى.
يُشار أيضاً إلى أن «مانجا لاب»، وهي مساحة خاصة بالثقافة اليابانية المعاصرة، قد جذبت المراهقين والشباب بشكل كبير، وأنها تستمر حتى 5 يناير (كانون الثاني) 2019.
لا بد من الإشارة إلى أن 47 في المائة من موظفي المتحف هم من الإماراتيين، كما أن فريقاً من أمناء المتحف الإماراتيين الموهوبين يعمل على تشكيل مجموعة المتحف، كما يعمل إماراتيون آخرون في قسمي التعليم والوساطة في المتحف.
أما مدير متحف «اللوفر» في أبوظبي، مانويل راباتيه، فقال: «منذ البداية، حمل هذا المشروع رؤية إمارة أبوظبي التي لا تعرف المستحيل، وقد سعينا إلى تقديم تجارب للزوار تحتفي بإبداع الإنسان، وذلك من خلال معارضنا وبرامجنا الثقافية. فنحن محظوظون بكل تلك الكنوز التي نجمعها تحت قبة المتحف الشهيرة في جزيرة السعديات، ونحن في الوقت نفسه سعداء جداً بهذا العدد الكبير من الزوار الذين اكتشفوا هذا الحوار العالمي الذي يسلّط المتحف الضوء عليه. فمن جهة، أتاح لنا تعاوننا مع كثير من الجهات الشريكة، وأفضل خبراء المتاحف في العالم، إمكانية عرض قطع فنيّة مذهلة.
لقد أقام المتحف، منذ افتتاحه في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وبالتعاون مع المتاحف الفرنسية الشريكة، وفي إطار موسمه «تبادُل فتَفاعُل»، أربعة معارض عالمية، هي: «من لوفر إلى آخر: إنشاء متحف للجميع»، و«العالم برؤية كروية»، و«من وحي اليابان: رواد الفن الحديث»، و«طرق التجارة في الجزيرة العربية: روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، إلى جانب «كولاب»، وهو معرض جمع أربعة فنانين مقيمين في الإمارات العربية المتحدة تعاونوا مع أربعة مصانع فرنسية، فضلاً عن معارض متحف الأطفال المناسبة لجميع أفراد العائلة «رحلة الأشكال والألوان»، والمعرض الجديد «الحيوانات: بين الواقع والخيال».
في فصل الخريف هذا العام، كشف «اللوفر - أبوظبي» عن استحواذه على 11 قطعة عالمية المستوى وضمِّها إلى قاعات عرضه، إلى جانب قروض جديدة من 13 مؤسسة فرنسية شريكة ومن متاحف إقليمية وعالمية.
من جهته، علّق جان لوك مرتينيز، رئيس متحف «اللوفر» ومديره، قائلاً: «قبل عام، فتح متحف (اللوفر - أبوظبي)، الذي وصفه البعض بأجمل متحف في العالم، أبوابه أمام الزوار. وها نحن اليوم نحتفل بالنجاح الباهر الذي حققه، إذ يجذب الزوار ويحتضنهم بين أروقته. إن التعاون الاستثنائي بين المتاحف الفرنسية الشريكة وزملائنا في دولة الإمارات العربية المتحدة هو جوهر هذا النجاح، وذلك بفضل القروض المميّزة التي بلغ عددها 300 قرض، والتي تم دمجها ضمن مجموعة القطع الإماراتية الغنية بالفعل».



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».