منافسات ساخنة في انتخابات الهيئة العليا لحزب الوفد المصري

وسط مساع لتصدر صفوف المعارضة... واستعدادات للمحليات

TT

منافسات ساخنة في انتخابات الهيئة العليا لحزب الوفد المصري

شهد حزب الوفد، أكبر الأحزاب الليبرالية بمصر، منافسات ساخنة أمس، في انتخابات هيئته العليا، تحت إشراف المستشار بهاء الدين أبو شقة رئيس الحزب، وذلك بمقر الحزب الرئيسي في ضاحية الدقي بمحافظة الجيزة... وبلغ عدد المرشحين في الانتخابات 116 مرشحاً تنافسوا على 50 مقعداً. ويسعى الحزب لتصدر المشهد السياسي، والبحث عن مركز متقدم في صفوف المعارضة، وذلك عبر الاستعداد لانتخابات المحليات المقبلة في ربوع البلاد، فضلاً عن دور نوابه في مجلس النواب (البرلمان). وقالت مصادر وفدية، إن «الانتخابات مهمة جداً للحزب ليكون شريكا أساسيا في الحياة السياسية خلال الفترة القادمة». واحتشد أعضاء الحزب أمام اللجان الفرعية للتصويت، وشهدت العملية الانتخابية إقبالاً كثيفاً من جانب أعضاء الحزب للإدلاء بأصواتهم. بينما كثفت قوات الشرطة من وجودها بمحيط الحزب وذلك لتأمين الانتخابات تحسباً لحدوث أي حالات شغب أو عنف.
ويبلغ عدد أعضاء الهيئة الوفدية «الجمعية العمومية» خمسة آلاف وسبعمائة وخمسة وسبعين عضواً، لهم حق التصويت في الانتخابات التي يتطلع إليها الجميع. و«الوفد» أحد أعرق الأحزاب المصرية، تأسس في عام 1918، وظل حزب الأغلبية حتى قيام ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، التي ألغت النظام الملكي، وأعلنت الجمهورية، وحلت جميع الأحزاب السياسية... و«الوفد» شكله الزعيم المصري الراحل سعد زغلول، وعبد العزيز فهمي، وعلي شعراوي، وأحمد لطفي السيد، ومكرم عبيد وآخرون، وذلك للمطالبة باستقلال مصر الواقعة تحت الاحتلال البريطاني آنذاك.
وعاد «الوفد» لنشاطه السياسي عام 1978 في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، الذي سمح بالتعددية الحزبية، تحت اسم «حزب الوفد الجديد». ومن أبرز رموز الحزب، بخلاف سعد زغلول في العهد الملكي، عبد الخالق ثروت رئيس وزراء مصر الأسبق، ومصطفى النحاس زعيم الحزب ورئيس وزراء مصر لفترات طويلة، وفؤاد سراج الدين الذي تولى كثيراً من الوزارات من بينها المالية والداخلية، ثم اختير رئيساً للحزب بعد عودته للحياة السياسية.
ويرى مراقبون أن «الحزب أمامه تحديات كبيرة في المرحلة القادمة، حيث إن انتخابات المحليات التي ستجرى في العام المقبل، وانتخابات مجلس النواب (البرلمان) التي سوف تجرى العام بعد المقبل، وسوف يكون للهيئة العليا التي سيتم انتخابها دور كبير في اختيار المرشحين سواء لانتخابات المحليات أو انتخابات مجلس النواب».
وكانت آخر انتخابات شهدتها مصر للمحليات في أبريل (نيسان) عام 2008، ومنذ ذلك الحين لا يوجد مجالس محلية... وقد وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسرعة إنجاز الانتخابات؛ لأنها ستؤدي إلى نتائج إيجابية.
وقال السيسي خلال مشاركته في المؤتمر الوطني الخامس للشباب بالقاهرة في مايو (أيار) الماضي: «إذا أردنا أن نحارب الفساد بشكل حقيقي ونمكّن الشباب، فلا بد من إنجاز (المحليات) (أي انتخابات المحليات) بشكل سريع».
من جهته، قال أبو شقة أمس، إن «الوفديين يؤكدون يوما بعد يوم أن الحزب ضمير الأمة المصرية وحزب المواطنة... و(أمس) شهد حشداً كبيراً من جانب الوفديين، ما يؤكد أن لديهم عزيمة وإصرارا لتقوية أواصر حزبهم، على الساحة السياسية». مؤكداً في كلمة له أمس خلال الانتخابات، التي استمر التصويت فيها حتى الثامنة والنصف أمس، أنه «ليس محسوباً على أحد، ولا أحد محسوب عليه، ومصلحة الوفد فوق المصلحة الشخصية».
معلناً أن «الفترة المقبلة سوف تشهد تبني حملة تتضمن وجود الحزب مع المواطنين، وإجادة حلول للمشكلات التي يعانون منها، وإعداد كوادر جاهزة لخوض الانتخابات المحلية والبرلمانية الرئاسية المقبلة». موضحاً أن ما يشهده حزب الوفد من تطوير ورغبة ملحة من أبنائه في تقوية أواصره على الساحة السياسية، يصدر مشهداً للمزايدين وأعداء الوطن، بأن مصر تشهد ديمقراطية حقيقة غير مسبوقة. وفاز أبو شقة، برئاسة بيت الأمة (أي حزب «الوفد») في مارس (آذار) الماضي، عقب نهاية ولاية رئيس الحزب السابق الدكتور السيد البدوي، الذي قضى دورتين منذ عام 2010. كل دورة مدتها 4 سنوات.
وقال مراقبون إن «أبو شقة نجح في لمّ الشمل داخل الحزب، وأنهى الخلافات التي دبت في الحزب منذ سنوات، ما شكّل خطوة نحو استعادة دوره التاريخي في صدارة الحياة السياسية المصرية».
من جانبه، أكد المستشار أبو شقة: «أهمية فتح صفحة جديدة لإعادة بناء حزب قوي يشهد له الجميع، وأن نسبة الانضمام للحزب زادت في الفترة الأخيرة بنسبة غير مسبوقة، ما يؤكد رغبة الجميع في أن يكون حزب الوفد طريقاً نحو بناء ديمقراطية حقيقية».
يُذكر أن «الوفد» شهد كثيرا من الأزمات خلال عامي 2017 و2018 بين جبهة إصلاح «الوفد» والسيد البدوي رئيس الحزب السابق، فضلاً عن أزمة ترشح البدوي للانتخابات الرئاسية الماضية، التي انتهت برفض هيئة الحزب العليا لترشحه.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».