مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو

بين مخاوف المقاطعين وطموحات المشاركين

مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو
TT

مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو

مصير ليبيا يُبحث على طاولة بالرمو

تُبذَل يومي الاثنين (بعد غد) والثلاثاء المقبلين، محاولة جديدة لحل الأزمة الليبية من خلال مؤتمر يعقد في مدينة بالرمو، عاصمة إقليم صقلية الإيطالي، الذي هو إقليم سيئ السمعة بالنسبة لأجيال عاصرت الاحتلال الإيطالي لليبيا في النصف الأول من القرن الماضي.
وعلى الرغم من كثرة الأمراض التي يعاني منها الجسد الليبي، منذ 2011 حتى اليوم، ما بين فوضى واحتراب أهلي وانتشار للميليشيات المدجّجة بالأسلحة الثقيلة، تبدو إيطاليا متحمّسة لانعقاد المؤتمر وإنجاحه، وذلك، بعدما شعرت لبعض الوقت أن الفرنسيين يريدون الهيمنة على الملف الليبي.

يُعَد مؤتمر بالرمو حول ليبيا الأول من نوعه، بعد محاولة الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون، جمع الأفرقاء الليبيين في باريس الصيف الماضي. وبين مخاوف المقاطعين، وطموحات المشاركين في المؤتمر المزمع عقده في عاصمة جزيرة صقلية الإيطالية، تمكن القادة الإيطاليون، على ما يبدو، من إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بقدرتهم على إدارة الملف الليبي أكثر من أي طرف أوروبي آخر.
ووفقاً للقاءات بين مسؤولين نفطيين من ليبيا وإيطاليا، جرت في مطلع هذا الشهر في لندن، بعيداً عن الأضواء، ازدادت أهمية ليبيا أخيراً. أما السبب فهو ما كُشف عنه من وثائق تتعلّق بمخزونها النفطي، وتحديداً، إمكانية القفز بالإنتاج من 1.6 مليون برميل يومياً إلى 3 ملايين برميل يومياً، في المستقبل المنظور، وهو ما يساعد في التغلب على النقص في سوق النفط العالمية، بعد إعادة ترمب فرض العقوبات على الصادرات الإيرانية.
في هذه الأثناء، واجهت إيطاليا ودول أوروبية أخرى مشكلات قانونية تخص التعاقدات مع حكومة المجلس الرئاسي الليبي بقيادة فايز السراج، لأنها لم تحصل على مصادقة البرلمان، سواء فيما يتصل بتعاقدات النفط أو التعاقدات العسكرية والأمنية بشأن التصدي لوقف الهجرة غير الشرعية. ومعلوم أن زيادة إنتاج ليبيا من النفط يتطلب نوعاً من الاستقرار الأمني، وبُنية تشريعية وتنفيذية قادرة على حماية أي تعاقدات ترتبط بها الدولة مع الأطراف الخارجية.

- تسلم دعوات المؤتمر
مسؤولون وسياسيون ونشطاء ورموز قبلية من ليبيا ودول أخرى معنية، تلقوا أخيراً الدعوات لحضور مؤتمر بالرمو. وانقسم هؤلاء بين ثلاث فئات: الفئة الأولى وافق أفرادها على الحضور، وأفراد الثانية أعلنوا رفضهم المشاركة في المؤتمر من الأساس، أما أفراد الفئة الثالثة فوضعوا الدعوة جانباً، وباشروا إجراء الاتصالات والمشاورات قبل تحديد مواقفهم.
لقد وجهت إيطاليا دعوات لحضور مؤتمر بالرمو إلى «حكّام» طرابلس، وعلى رأسهم السراج وعدد من قيادات العاصمة، بمن فيهم أعضاء في «مجلس الدولة» الذي يعد امتداداً للبرلمان السابق الذي أسقط الليبيون معظم أعضائه من الإسلاميين في عام 2014. كذلك دُعيَت القيادات العسكرية والنيابية في شرق ليبيا، وزعماء في الجنوب أيضاً، وهو منطقة تعد ميداناً للتنافس التاريخي بين الإيطاليين والفرنسيين، وتوجد فيها مكوّنات ثقافية لها امتدادات قبلية في دول الجوار، مثل تشاد والنيجر وغيرهما.
أما على الصعيد الإقليمي، فمن المتوقع أن يكون هناك حضور لعدد من دول الجوار الليبي، منها مصر، وبلدان عربية شارك بعضها في مؤازرة زعماء التيارات الإسلامية ممن قادوا الانتفاضة المسلحة ضد حكم معمر القذافي عام 2011، بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي «ناتو».
وثمة اعتقاد على المستوى الدولي بأن ترمب يقف مع المحاولات الإيطالية لإنجاح الحل في ليبيا. إلا أن عدداً لا بأس به من الأطراف الأوروبية، في مقدمها فرنسا وألمانيا، غير متحمسين - كما يبدو - للدور الذي تريد إيطاليا أن تلعبه، منفردة، في هذا البلد الذي يحوي أكبر مخزون من النفط بين بلدان القارة الأفريقية.
أما بالنسبة للروس المعروفين ببحثهم الدؤوب عن أسواق لبيع السلاح، وعن مراسٍ دافئة على البحر المتوسط لحاملاتهم العسكرية، فما زالوا «يرتبّون» أمر المشاركة في مؤتمر بالرمو. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن لدى الروس علاقة قوية مع «الجيش الوطني» الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وأن حفتر زار موسكو أخيراً. ويقول مسؤول عسكري ليبي، إن الجنرال الذي حقق انتصارات لافتة على الجماعات المسلحة في مدينتي بنغازي ودرنة في الآونة الأخيرة، يشعر أن هناك «مؤامرة» يحيكها ضده الإيطاليون وقادة في «المجلس الرئاسي» وزعماء لجماعات إسلامية في الغرب الليبي.

- مشاورات... وذكريات
منذ الإعلان عن المؤتمر، انعقدت طوال الأيام الماضية مناقشات ساخنة في غرف للمشاورات بين أطراف ليبية في داخل البلاد، وفي فنادق وفيلات وشقق داخل مدن في دول بمنطقة الشرق الأوسط. ومن بيته على نيل العاصمة المصرية القاهرة، يقول أحمد قذّاف الدم، المسؤول السياسي في «جبهة النضال الوطني»، إن «الأطراف الليبية الفاعلة» جرى تغييبها عن هذا المؤتمر.
ويضيف الرجل، الذي كان يوماً من أكثر الشخصيات المقرّبة من العقيد القذافي، قائلاً إن «الغرب قوى استعمارية، ولا يريد أن يرى قوى وطنية ترفض محاولات هيمنته على ليبيا... القوى الوطنية الليبية هي التي تملك النفوذ على الأرض وتملك ثقة الناس، وغيابها يعني أن المؤتمر انتهى منذ بدايته، من حيث المكان والعنوان».
أيضاً في منتديات العاصمة المصرية، واصل الدكتور محمد زبيدة، القيادي في مؤتمر القبائل الليبية، مشاوراته بشأن حضور مؤتمر بالرمو أو التغيب عنه، بعدما تلقى دعوة للمشاركة فيه. وهو يقول معلقاً إن المؤتمر «ربما سيتضمن نتائج سلبية على مصر، ومحاولاتها التي تقوم بها منذ أكثر من سنة لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية». ثم يستطرد موضحاً: «توجد رسالة موجّهة من أحد قيادات المجلس الرئاسي إلى مؤتمر بالرمو، يطلب فيها أن يكون من ضمن مُخرَجات المؤتمر، سحب مهمة توحيد المؤسسة العسكرية من مصر لصالح الأمم المتحدة، بحيث تشرف الأمم المتحدة بنفسها على ذلك».
وفي مدينة الإسكندرية المصرية، حيث تكثر زيارات القادة الليبيين إلى هذه المدينة، كما كانت عليه الحال في التاريخ القديم، انعقدت مناقشات واسعة بين نواب ونشطاء وإعلاميين، بشأن إيجابيات المشاركة في مؤتمر بالرمو وسلبياتها. ويقول عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي (من أقلية التبو) الليبي، أثناء وجوده في المدينة إنه لن يشارك في بالرمو... لأن «هذا المؤتمر ولد ميتاً». والحقيقة، أن بعض المشاركين في المناقشات من هذا النوع استحضروا التاريخ الاستعماري الإيطالي لليبيا، وتطرّق عدة نواب ونشطاء وعسكريين أيضاً، إلى ما سموه «النوايا غير الطيبة لروما». وحسب عبد المجيد، فإن إقليم صقلية، الذي سيستضيف المؤتمر «يرتبط بذكريات مريرة لدى الليبيين... إذ تعرض كثيرون من الليبيين في زمن الاحتلال الإيطالي لليبيا، إلى النفي إلى صقلية، ولم يعرف مصيرهم أبداً. هذا أمر رمزي خطير جداً. هذه رمزية تهدف لإذلال الليبيين».

- موقف مصر
تدعم مصر منذ سنوات المشير حفتر، ومعها في ذلك، بدرجات متفاوتة، دول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة، وبلدان أوروبية على رأسها فرنسا، بالإضافة إلى التعاون الروسي في مجال المعلومات الاستخباراتية والأمنية. ويسيطر حفتر راهناً على المنطقة الشرقية من ليبيا المحاذية للحدود مع مصر. وكانت قد نشطت في هذه المنطقة، طوال أكثر من خمس سنوات، جماعات متطرفة مصرية وغير مصرية كانت تستهدف نظام الحكم في القاهرة، واتهمتها السلطات المصرية بتنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها المئات من رجال الجيش والشرطة والمدنيين.
ولهذا، كما يقول الدكتور زبيدة - الذي شارك في السابق في اجتماعات لليبيين في القاهرة - «تقف مصر ضد محاولات الزج بجماعات الإسلام السياسي والميليشيات ضمن المنظومة العسكرية». ويضيف: «الموقف المصري يتعارض مع مصالح الميليشيات المتحكمة في طرابلس، والمتحكمة بالتالي في المجلس الرئاسي. أما المجلس الرئاسي فلا يستطيع فعل أي شيء من شأنه إغضاب الميليشيات والجماعات المسلحة الموجودة في العاصمة. ولذا يحاولون إبعاد مصر عن هذا الدور، وإيكال هذا الأمر إلى الأمم المتحدة، وبالتالي، إدماج كل قادة الميليشيات بما فيها جماعات الإسلام السياسي، ضمن المؤسسة العسكرية».
ومن جانبه، يرى قذّاف الدم أن الإيطاليين «اختاروا بعض الأسماء المحسوبة عليهم». ويتابع: «تريد (إيطاليا) أن تفرض بعض العملاء الليبيين في الواقع الجديد، كبديل لحكومة السراج التي انتهى عمرها الافتراضي، وبالتالي، فهم يريدون إدارة الفوضى في ليبيا وليس إنهاءها». ثم أردف قائلاً إن الدول الغربية، وعلى رأسها إيطاليا، «تريد، ممن ستجلبهم لحكم ليبيا، أن يوقّعوا لها عقوداً جديدة... الدول الغربية لا تنظر إلى ليبيا إلا كحقل نفط أو حقل غاز. ومثل هذه البروباغاندا بشأن مؤتمر بالرمو، للأسف، لن تصنع حواراً جاداً ولا نظاماً شرعياً».

- أنصار النظام السابق
ورداً على سؤال عما إذا كان أي من أنصار النظام السابق ممن يعوّل عليهم، سيشارك في مؤتمر بالريمو، قال قذّاف الدم «الاختيارات لم تكن من الليبيين، أو من الأحزاب، أو من التنظيمات الموجودة على الساحة السياسية، سواءً من المعارضة أو من القوى الحية الليبية. هم (منظمو المؤتمر) اختاروا أسماء هكذا، كغطاء ونوع من تغليف الحقائق، وتمرير لمسرحية بأن كل الليبيين موجودون. للأسف سيؤدي الليبيون الحاضرون في المؤتمر دور الكومبارس. ولن ينجح (المؤتمر)... أنا لست متفائلاً بما يحدث».
ثم أردف أن «الغرب ليس جاداً في حل المشكلة الليبية، بل ما يريده هو إدارة الصراع، والحصول على امتيازات لبعض الدول، تمهيداً لوضع ليبيا تحت الوصاية، وهذا أمر سيردّ عليه الشعب الليبي».
وكرّرنا السؤال... هل هناك أطراف من النظام السابق ستشارك في مؤتمر بالرمو؟ فأجاب قذّاف الدم بشكل قاطع: «طبعاً... طبعاً... رغم عدم قناعتهم بمثل هذه المؤتمرات، فإنهم لا يريدون أن يعطوا حجة للعالم بأنهم ضد السلام أو الحوار... لكنهم، كقيادات متمرسة في العمل السياسي، يرون أن هذه الخطوات عبارة عن ذر للرماد في العيون أمام الليبيين، وتغيير بعض الوجوه التي لم يعد لها أهمية في الوجود في المشهد، بعدما تورطت بالسرقة والنهب أمام الليبيين».

- «لجنة حكماء طرابلس»
على صعيد آخر، في طرابلس، لعبت لجنة تسمى «لجنة حكماء طرابلس» دوراً غير مباشر، على الأقل، في إقناع أطراف متصارعة على نبذ الخلافات استعداداً لمؤتمر بالرمو. ويقول أحد من وجهت لهم الدعوة للحضور: «ما قامت له لجنة الحكماء في العاصمة كان مؤشراً على محاولة لسحب البساط من تحت أقدام كل الأصوات التي تنتقد المجلس الرئاسي، أو تنتقد وجود ميليشيات في طرابلس... إن مشاركة هؤلاء الخصوم في بالرمو سيعطي انطباعاً للعالم بأن التوافق قد تم، وأن المؤسسة العسكرية (بقيادة حفتر) ليس لها من سبيل إلا الانصياع لإرادة المجتمع الدولي، وتولي السلطة المدنية للقيادة العسكرية».
ويعتقد أنصار نظام القذافي، من جهتهم، أن جماعة «الإخوان» و«الجماعة الليبية المقاتلة» (بعض قادة هذه الجماعات مدعوة لمؤتمر بالرمو) أقلية في الشارع الليبي. ويرون أن «الغرب يريد أن يفرض المجموعات التي أتى بها في 2011 تحت صواريخ (الناتو)، رغم أن الصواريخ لا تصنع شرعية لأحد». ويذهب أحد قادة النظام السابق إلى حد القول: «القبائل الليبية والجيش الليبي الحقيقي لن يسمحوا بعودة الاستعمار إلى ليبيا».

- شكوك بشأن «الإسلاميين»
وعودة إلى القاهرة، حيث يبدو في أروقة الدولة المصرية أن مصر ستشارك في المؤتمر، رغم كل المخاوف من الانحياز إلى خصومها من التيارات الإسلامية التي تعادي النظام المصري. وحتى ساعات قليلة مضت، كانت المشاورات داخل البيت المصري تدور حول مستوى المشاركة. وترى مصر أن وجودها، بأي مستوى، في مؤتمر بالرمو، بشكل عام، فيه قدر من الرغبة في الانخراط الإيجابي. وأن أي وفد مصري سيحضر إلى بالرمو «ستكون مشاركته إيجابية».
وللعلم، لم تتوقف الاتصالات بين الجانبين المصري والإيطالي حول الإعداد للمؤتمر والمخرجات المتوقعة منه. ولدى مصر محدّدات بعينها تخص القضية الليبية، من بينها «الحفاظ على وحدة التراب الليبي» و«السيادة الليبية على أراضيها» و«الحفاظ على مؤسسات الدولة للاضطلاع بدورها»، و«توحيد المؤسسة العسكرية الليبية». لكن القاهرة تؤكد على ضرورة أن تأتي «التسوية عبر حوار ليبي - ليبي، وليس من الخارج».
الدكتور زبيدة، القيادي في مؤتمر القبائل الليبية، يرى أن جماعات الإسلام السياسي تقف مع إيطاليا وراء مؤتمر بالرمو. ويقول إن قادة من «الإخوان» و«الجماعة الليبية المقاتلة»، بدعم من دول إقليمية أيضاً، عقدوا اجتماعاً في العاصمة الليبية، للوقوف ضد تحركات «الجيش الوطني» الذي يقوده حفتر، ويحظى بتأييد مصري، في الجنوب الليبي. ويضيف أن زعماء في «المجلس الرئاسي» يتعاونون في هذا المجال من أجل «قطع الطريق على الجيش الوطني الليبي في الجنوب، وذلك بأن يقوم المجلس الرئاسي بإرسال قوة للجنوب لبسط الأمن هناك قبل أن يتحرّك الجيش الوطني إليها».
وفي هذا الاتجاه يقول عيسى عبد المجيد، الذي يتركز وجود قبيلته (التبو) في الجنوب الليبي، أن لدى إيطاليا برامج، بالاتفاق مع بعض الأطراف، من أجل إعادة الإسلاميين إلى السلطة، كما كانت عليه الحال في 2012 و2013. ويضيف عبد المجيد: «لدى إيطاليا النية للتوغل في الجنوب الليبي، لكن من المستحيل أن ندع إيطاليا تتدخل في هذه المناطق... وإذا حاولت فعل ذلك، فستخسر ما لديها من مصالح في الوقت الراهن إلى الأبد. وكرئيس للكونغرس التباوي أقول إننا سنقف لها بالمرصاد».
وعن سبب انفراد إيطاليا بمحاولة وضع حل للأزمة الليبية، بعدما كان الملف الليبي كاملاً في يد البعثة الأممية إلى ليبيا، يقول عبد المجيد - الذي سبق له زيارة فرنسا وتشاد والنيجر - شارحاً: «هذا صراع إيطالي مع فرنسا. أنت تعرف أن الأميركيين هم مَن يسيطرون على الوضع، وهم مَن يعطون التعليمات للبعثة الأممية. إنهم يقولون إن الهدف من المؤتمر توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا، وتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لكنني أرى أنه مجرد محاولة لتثبيت السراج في منصبه. ولهذا إيطاليا كانت دائماً ضد إجراء الانتخابات في ليبيا».
أخيراً، من الأحزاب السياسية يقول عز الدين عقيل، رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري الليبي»، إنه لن يشارك في المؤتمر «لأسباب عدة»، منها أنه «مجرد محطة جديدة من محطات مط الأزمة الليبية التي يديرها الغرب ولا يحلها. ولأنه شأن إيطالي، لا علاقة لليبيين به إلا ككومبارس». وينهي كلامه بالقول إنه «من دون تدخل مجلس الأمن لإجبار الميليشيات على توقيع اتفاق سلام يفضي إلى تفكيكها ونزع أسلحتها، فإن كل هذا الذي يجري بباريس وبالرمو وغيرها سيظل مجرد حرث في البحر».

- مخاوف من تعديل «اتفاق الصخيرات»
ظهرت مخاوف من مؤتمر بالرمو بين قادة ليبيين كانوا قد ظهروا على المسرح السياسي بناءً على «اتفاق الصخيرات» الذي جرى توقيعه في المغرب عام 2015. وتوجد رغبة دولية في تحريك المياه في الداخل الليبي، من أجل توحيد السلطة التنفيذية.
ومن بين المقترحات المتداولة، التي تحظى باهتمام لدى البعثة الأممية في ليبيا بقيادة الدكتور غسان سلامة، تشكيل مجلس رئاسي جديد برئيس ونائبين، بدلاً من الوضع الحالي الذي ينص على رئيس وثمانية نواب. ومن شأن توصية بهذا الشأن تصدر عن مؤتمر بالرمو أن تقلب الأوضاع في ليبيا رأساً على عقب، إذ سيبدأ البحث عن الطريقة التي ستُدار بها المؤسسة العسكرية، ودور المشير خليفة حفتر في مثل هذه الترتيبات.
وما يزيد من صعوبة الأمر أن معظم القيادات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي، ومدينة مصراتة ذات التسليح القوي، ضد أي وجود لحفتر في مستقبل ليبيا. وكان رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج قد زار مدينة مصراتة، بالأمس، كما أنه يحظى بدعم من قيادات محسوبة على تيار الإسلام السياسي. وحالياً، يسعى السراج جهده للبقاء على رأس هرم السلطة في ليبيا من خلال تحالفات شتى، يعمل على عقدها منذ أسابيع.
ومن جهة أخرى، يرى بعض ممن سيشاركون في مؤتمر بالرمو أن تلعب دول مثل روسيا وفرنسا ومصر دوراً للحفاظ على قيادة حفتر للجيش، والدفع في طريق استكمال توحيد المؤسسة العسكرية الليبية برعاية مصرية، وليس أي طرف آخر.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.