بوميات مراسل من غزة: بعد الماء.. لم يبق لنا غير الهواء
مر هذا الصباح وكأنه كابوس على عائلتي وعلى مخيم الشاطئ بأكمله إن لم يكن على كافة مناطق قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، فالمياه التي تُعد «نبض الحياة» لم تصل إلى سكان المخيم منذ خمسة أيام وفي بعض مناطقه لم تصلها منذ 19 يوما على التوالي لتنذر بمزيد من الكوارث التي تحل بنا. هذا الكابوس فاقم معاناتنا هنا في منزل عائلتي، وفي منزل جاري وكافة منازل المخيم والأحياء المجاورة، فانقطاع المياه باستمرار قد يسبب كارثة بيئية وصحية. مرت ثلاثة أيام لم تتمكن والدتي من غسل المنزل، هي تدبر أمورها في غسل الأواني بعد الإفطار من بعض المياه التي كانت تخزنها في بعض البراميل الكبيرة، وهكذا تعيش نساء المخيم وبعضهن لا يجدن الماء فيضطر أزواجهن لشرائه من محطات التحلية الموجودة بكثرة في غزة خلال السنوات الأخيرة لتزويد السكان بها بعد أن فقدوا المياه الطبيعية الصالحة للشرب. فوجئت ظهر الخميس حين اتصلت بأكثر من محطة مياه للتحلية، لكي يزودوا منزل عائلتي بالمياه، بأنه لم يعد هناك في تلك المحطات أي مياه يزودون بها الناس. معاناتنا لم تكن أسبابها الطبيعة بل هو سبب واحد اسمه الاحتلال، فأكثر من 30 بئرا رئيسا للمياه دمرها الاحتلال الإسرائيلي في حربه التي لم تعد تستثني شيئا، ولا ضير إن قلت إن الاحتلال بعد أن حاصرنا برا وجوا وبحرا يحاول قطع الهواء عنا، فرائحة الغاز تعم مدينة غزة يوميا بعد صلاة الفجر لنجد أن الطائرات الصغيرة تلقيها عمدا على الأحياء السكنية، فيهرع السكان إلى إغلاق نوافذهم وتجهيز المناشف المبللة بالماء تحسبا لمزيد من قنابل الغاز. ويعمل الاحتلال جاهدا لقتلنا ليس فقط بصواريخ طائرات وقذائف دباباته ورصاصات أسلحة جنوده، بل يقتل كل شيء يمكن أن يبقينا على الحياة، حتى الطعام الذي يمنع إدخاله عبر المعابر وحتى الماء الذي يستهدف آباره، يريدنا أن نموت قتلا بالصواريخ وبالقذائف وبالجوع والعطش وحتى المرض الذي تسببه صواريخه المسممة وقذائفه التي ينبعث منها الدخان. تعيش غزة حياة مليئة بالمرارة من كل الاتجاهات، فالمعابر مغلقة والحصار في أشده والمجازر لم تعد تستثني أي منطقة أو حي، قنابل متفجرة تُلقى من السماء وأخرى سامة تقتل الأطفال في بطون أمهاتهم، أناسٌ عطشى وآخرون جوعى، وآخرون يحيون فقط بالأمل.
تمسك نتنياهو بـ«فيلادلفيا»... هل يفاقم التوترات مع مصر؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5090291-%D8%AA%D9%85%D8%B3%D9%83-%D9%86%D8%AA%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%87%D9%88-%D8%A8%D9%80%D9%81%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D8%9F
تمسك نتنياهو بـ«فيلادلفيا»... هل يفاقم التوترات مع مصر؟
جانب من الحدود بين قطاع غزة ومصر التي تعرف بـ«محور فيلادلفيا» (أرشيفية - د.ب.أ)
تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تمسكه بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، يثير تساؤلات بشأن تداعيات ذلك على مسار التوترات مع القاهرة التي بدأت منذ سيطرة إسرائيل على المحور في مايو (أيار) الماضي، وسط رفض مصري وتلويح باتخاذ ما يحفظ أمنها القومي.
تصريحات نتنياهو الجديدة تأتي وسط مفاوضات بشأن الهدنة في قطاع غزة قال إنها «تشهد تقدماً»، ومحاكمته بتهم فساد، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» «محاولة للضغط من أجل مكاسب في محادثات صفقة الرهائن»، عادّين أنها رسالة للداخل الذي يحاكمه لكسب مزيد من التعاطف، بينما تشير المهلة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إلى ضرورة إبرام صفقة قبل 20 يناير (كانون الثاني) المقبل موعد تنصيبه.
و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية السلام» الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979. ومنذ اندلاع حرب غزة بات نقطة أزمة بين القاهرة وتل أبيب، خاصة بعد احتلاله من جانب الجيش الإسرائيلي في مايو الماضي مع الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
نتنياهو تحدث في كلمة عشية إدلائه الثلاثاء بشهادة لأول مرة في محاكمته المتعلقة بتهم فساد، قائلاً إن «هناك تقدماً (بمفاوضات غزة) لكنها لم تنضج بعد»، محملاً «حماس» مسؤولية تأخر إبرام الصفقة.
وشدد على أنه «مصمم على مواجهة الضغوط وعلى تحقيق أهداف الحرب والانتصار الحاسم»، مؤكداً ضرورة مواصلة السيطرة على محور فيلادلفيا لكون هذا الأمر مهماً لضمان عدم حصول عمليات «تهريب أسلحة»، وهو اتهام عادة ما نفته مصر مراراً، وقالت: «هي تصريحات الغرض منها التغطية على فشله في القطاع».
ولم يوضح تلك الضغوط، في حين بدأت، الثلاثاء، أولى جلسات استماع محاكمة نتنياهو في شهادته بقضايا فساد تلاحقه، في جلسات قد تستغرق عدة أسابيع، وذلك بعد مرور أكثر من 4 سنوات على بدء الادعاء مرافعاته، و7 سنوات على بدء التحقيقات بها، ورفض طلبات تأجيله؛ ليكون أول رئيس وزراء في السلطة يدلي بشهادته في محاكمة فساد عامة خاصة به.
وفي اعتقاد الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن تصريحات نتنياهو استعراضية مع محاكمته، ويريد منها إرسال رسائل لخصومه بالداخل الإسرائيلي، وأنه على «استعداد أن يفاقم التوتر مع مصر ويعرقل اتفاق الهدنة إذا استمرت إجراءات محاكمته بعدّه يريد أن يروج نفسه منتصراً وليس ملاحقاً قضائياً».
يتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، في أن نتنياهو يريد أن يبقى دائماً منتصراً لا ملاحقاً قضائياً، موضحاً أنه خرج بخطابه ليعدد ما يراه إنجازات، وحديثه عن المحور رسالة غير مباشرة لمصر من باب المناكفة ومحاولة الحصول على مكاسب أكبر في المفاوضات الجارية، في ظل وضعه الصعب حالياً الذي يجعله يقول ويفعل أي شيء يجعله مستمراً سياسياً وعسكرياً.
وسبق أن صرح نتنياهو في سبتمبر (أيلول) بتمسكه بالبقاء في محور «فيلادلفيا»، واتهم القاهرة بغضها الطرف عن تهريب الأسلحة، ورد عليه مصدر مصري رفيع المستوى عبر قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، قائلاً إن تلك التصريحات «رسالة استباقية لواشنطن برفضه أي مقترحات لوقف إطلاق النار بغزة وإجهاض لجهود التهدئة والإفراج عن الأسرى»، متهماً إياه بـ«ترويج أكاذيب لتبرير فشله في السيطرة على تهريب السلاح من إسرائيل للقطاع»، وتلته مواقف عربية وإسلامية رسمية مؤيدة لمصر رافضة لحديث رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وفي رسالة حازمة، بحسب إعلام إسرائيلي وقتها، تفقد رئيس أركان الجيش المصري، الفريق أحمد خليفة، عقب تصريحات نتنياهو «إجراءات التأمين على الحدود مع قطاع غزة»، وأكد أن «رجال الجيش قادرون على الدفاع عن حدود الوطن جيلاً بعد جيل»، داعياً مقاتلي إحدى نقاط خط الحدود الدولية القريبة من فيلادلفيا إلى «ضرورة تفهمهم لمهامهم المكلفين بها التي تعتمد على اليقظة العالية والقدرة على التعامل مع جميع المواقف الطارئة»، وفق بيان للمتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبد الحافظ، آنذاك.
ولم تتراجع مصر عن مطالبها بشأن المحور، وجدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال لقاء بالقاهرة في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي مع نائبة السكرتير العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، «رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح وبمحور فيلادلفيا»، وفق بيان صحافي لوزارة الخارجية المصرية آنذاك.
وبحسب اللواء سمير فرج، فإن الأمر محسوم بأن البقاء الإسرائيلي في المحور مخالف لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مضيفاً أن «القاهرة دولة كبيرة وتدرك ألاعيب نتنياهو جيداً ولها مطلب معلن وواضح بشأن فيلادلفيا ومعبر رفح، وعلينا أن ننتظر وسنرى تطورات تلك التصريحات الأيام المقبلة».
ويستبعد الرقب أن يقود حديث نتنياهو إلى توتر أكبر مع مصر مقارنة بالوضع القائم منذ سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح والمحور منذ مايو الماضي، خاصة أن هناك مهلة زمنية محددة من ترمب لن يتخطاها رئيس الوزراء الإسرائيلي.
والأسبوع الماضي، قال ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الشرق الأوسط سيواجه «مشكلة خطيرة» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل تنصيبه في 20 يناير المقبل، وأكد مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الاثنين، أنه «لن يكون من الجيد عدم إطلاق سراح» الرهائن المحتجزين في غزة قبل المهلة التي قررها، آملاً في التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد، وفق «رويترز».
ويعتقد الرقب، أن تلك المهلة ستكون خطاً لن يتجاوزه نتنياهو ضمن ضغوط أميركية أيضاً من إدارة جو بايدن التي تريد ذلك الاتفاق قبل نهاية ولايته، عادّاً أن التصريحات قد تكون ضغطاً لا أكثر على الداخل الإسرائيلي دون أن تمس مسار الهدنة الذي اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه «متقدم».
ولا يستبعد اللواء فرج، إبرام صفقة هدنة وشيكة خاصة بعد تحذير ترمب، لكن عادة وفي ظل ألاعيب نتنياهو فإن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، داعياً إلى التمهل في حسم الموقف خاصة في ظل التصريحات الجديدة من رئيس الوزراء، التي تستهدف توسيع مكاسبه بأي اتفاق.