«النصرة» تطرد «الحر» من الحدود التركية في إدلب.. ومخاوف من إعلانها إمارة إسلامية

فرع تنظيم القاعدة في سوريا يسعى لتقليد دولة «البغدادي»

مقاتل سوري يتخذ موقعا ساترا بإحدى مناطق القتال في حلب (رويترز)
مقاتل سوري يتخذ موقعا ساترا بإحدى مناطق القتال في حلب (رويترز)
TT

«النصرة» تطرد «الحر» من الحدود التركية في إدلب.. ومخاوف من إعلانها إمارة إسلامية

مقاتل سوري يتخذ موقعا ساترا بإحدى مناطق القتال في حلب (رويترز)
مقاتل سوري يتخذ موقعا ساترا بإحدى مناطق القتال في حلب (رويترز)

تخوف معارضون سوريون من أن تحذو «جبهة النصرة»، حذو تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ«داعش» وإعلان مناطق واسعة من الشمال السوري «إمارة إسلامية» بعد قيامها أمس بطرد ما تبقى من فصائل «الجيش السوري الحر» من المناطق الحدودية مع تركيا في محافظة إدلب.
حذرت مصادر المعارضة السورية أمس من القضاء على فصائل المعارضة المعتدلة في شمال سوريا، بعد أن طردت «جبهة النصرة» وكتائب حليفة لها، مقاتلي «جبهة تحرير سوريا» التي يقودها جمال معروف من مناطق واسعة في ريف إدلب.
وتزامنت هذه المعارك التي انطلقت الأسبوع الماضي، مع محاولة «النصرة»، توسيع مناطق سيطرتها في شمال سوريا وإعلان إمارتها في شمال سوريا، على غرار تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» سابقا، المعروف بـ«داعش»، قبل إعلان «الدولة الإسلامية»، ما تسبب للمرة الأولى في مواجهات مسلحة مع كتائب مقاتلة ضمن المعارضة المسلحة كانت تقاتل قوات النظام إلى جانبها.
وأكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن كتائب المعارضة المعتدلة في ريف إدلب «باتت محصورة في جبل الزاوية فقط، بعد طرد قوات (جبهة تحرير سوريا) من معقلها في حارم، ومن المناطق الحدودية مع تركيا»، محذرا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، من أن تكون المعركة التي شنتها «النصرة» «هي معركة القضاء على المعتدلين والجيش السوري الحر وزيادة نفوذ الإسلاميين».
وحمّل عبد الرحمن المعارضة السورية مسؤولية إنهاء المتشددين للمقاتلين المعارضين المعتدلين، متسائلا: «أين المجلس العسكري وقيادة الأركان التي سكتت على خطف ممثلها في درعا أحمد فهد النعمي، على يد (جبهة النصرة)؟»، عادًّا تلك الحادثة «قوّت نفوذ الإسلاميين، وشجّعتهم على التمادي وتصفية فصائل الجيش السوري الحر التي نشهد فصولها الآن في ريف إدلب». وقال: «هذا السكوت عن خطف النعمي يشبه السكوت عن قتل ثلاثة مدنيين في الرقة على أيدي (داعش)، واستهداف القيادي فادي القشّ في الدانا على يد (داعش)، وكانت الحادثة انطلاقة الحرب على المعارضين».
وتشن «جبهة النصرة» وفصائل حليفة بينها «أحرار الشام» و«فيلق الشام»، حملة على قوات الجيش السوري الحر في إدلب، في معركة أطلقت عليها «ردع المفسدين»، في إشارة إلى المفسدين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، من غير تحديد الفئات المعرضة للاستهداف. وتعد «حركة حزم» و«جبهة تحرير سوريا» التي يتزعمها جمال معروف، وهو عضو في هيئة أركان الجيش السوري الحر، آخر الفصائل غير المتشددة في شمال سوريا.
وقال عبد الرحمن إن نفوذ معروف، بعد أسبوع على القتال، «بات محصورا في جبل الزاوية فقط»، بعد طرده من مناطق انتشاره في معقله بريف إدلب (شمال سوريا).
وأشار المرصد السوري إلى «اغتيالات متبادلة» سبقت الاشتباكات، وطالت قادة كتائب مقاتلة ومسؤولين في جبهة النصرة، و«تم التكتم عليها» حرصا على إبقاء الصف موحدا في مواجهة القوات النظامية. وأقرت «جبهة ثوار سوريا» و«جبهة النصرة» على صفحاتهما على مواقع التواصل الاجتماعي بهذه المواجهات، مع تبادل الاتهامات.
وكانت «جبهة النصرة» أعلنت قبل أيام أنها أطلقت معركة «ردع المفسدين»، وقالت في بيان إنها ستسعى إلى «إراحة البلاد والعباد من هؤلاء المفسدين (من أي فصيل كانوا)، ورفع أذاهم عن المسلمين».
وتستغل «جبهة النصرة» التجاوزات التي يقوم بها بعض عناصر الكتائب المعارضة المقاتلة من نهب وسرقة وخطف وطلب فدى، لتقديم نفسها بوصفها نموذجا مختلفا، ما يعزز شعبيتها بين الناس.
وردت «جبهة ثوار سوريا» على بيان «النصرة» باتهامها بمحاولة إعاقة تقدم مقاتلي المعارضة على الجبهات مع النظام. وقالت إن زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني يسعى إلى «تشكيل إمارته على الحدود السورية التركية شمال إدلب». وجاء في بيان «جبهة ثوار سوريا» أن «النصرة» عمدت من أجل ذلك إلى مهاجمة «مناطق محررة تابعة لجبهة ثوار سوريا».
وفيما يرى معارضون أن إطلاق معركة «ردع الفاسدين» تخفي أهداف السيطرة والتمدد في المنطقة، وإعلان الإمارة الإسلامية، شكك القيادي المعارض حمزة حبوش بهذه الفكرة، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «فيلق الشام» (الذي يقاتل إلى جانب «النصرة» في المعركة) «لا يسعى إلى التمدد والسيطرة، كونه موجودا من الأساس في المنطقة، وليس بحاجة لخوض معارك من أجل النفوذ»، مشيرا إلى أن المقاتلين الإسلاميين في ريف إدلب «لا يستهدفون جمال معروف أو قواته بشكل محدد، بل يستهدفون المفسدين من كل الفصائل، بصرف النظر عن الفصائل». وقال إن المعارك الأخيرة «أبعدت قوات معروف من مدينة حارم بشكل كامل، كذلك من المناطق الحدودية ومن معظم ريف جسر الشغور».
لكن الناشطين المعارضين لـ«النصرة» في ريف إدلب، يشككون بنوايا التنظيم.
ويقول الناشط أبو ياسمين المعارض للنصرة، إن خطط النصرة «تتمحور حول السلطة لا حول الإسلام. نحن السوريين لا نحتاج إلى أحد ليلقننا الإسلام». ويستند المعارضون إلى دعوة زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني في 11 يوليو (تموز)، مناصريه إلى «إعلان إمارة إسلامية على أرض الشام». وتوجه إليهم بالقول: «حان الوقت أيها الأحبة لتقطفوا ثمار جهادكم الذي مضى منه ثلاث سنوات على أرض الشام، وأكثر من أربعين سنة من جهاد لتنظيم القاعدة في بلاد الأرض شتى». وأوضح الجولاني أن هذه «الإمارة» ستكون لها حدود «تمتد بطريقة واسعة، منها مع النظام ومنها مع الغلاة (في إشارة إلى عناصر «الدولة الإسلامية»)، ومنها مع المفسدين، ومنها مع الـ(بي ك ك) (الأكراد)».
ودفعت المواجهات الأخيرة في ريف إدلب بعض الفصائل إلى التبرؤ من «النصرة»، مثل «حركة حزم» المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة التي أعلنت «تعليق أي تعاون وتنسيق مع (النصرة)».
وأعنت الحركة، في بيان: «رفضنا الكامل لما بدر من جبهة النصرة بانسحابها من جبهة حلب والقيام بمهاجمة عناصر الجيش الحر في المناطق المحررة، تحت ذريعة ضرب المفسدين في الأرض، في خلط واضح منها لأولويات الثورة، وتوجيه منحرف لبنادق المقاتلين بعيدا عن النظام، ومحاولة لحرف الثورة عن ثوابتها لا يمكن أن تنطلي على المواطن السوري بأي حال».
وامتد التوتر إلى ريف درعا جنوبا حيث حصلت مواجهات محدودة بين «النصرة» من جهة وكتيبتي «المثنى» و«شهدا الكحيل» من جهة أخرى.. وأفاد المرصد السوري أول من أمس بإقدام جبهة النصرة على «مداهمة مقرين للواء جند الحرمين الذي ينشط على الحدود السورية مع الجولان المحتل في درعا والقنيطرة»، وقتل عدد من عناصر اللواء واعتقال قائده اللواء شريف الصفوري، وقائد كتيبة فيه.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن تنظيم الدولة الإسلامية بدأ يعزز نفوذه «تماما كما تفعل النصرة حاليا. أولا يسيطرون على مناطق، ثم يعلنون الخلافة. كأن الأمر يتكرر». وأشار إلى انسحاب «جبهة النصرة» من محاكم وهيئات شرعية عدة كانت تشارك فيها إلى جانب كتائب أخرى مقاتلة، وتسعى إلى التفرد بالسيطرة.
من جهته، قال ضابط في الجيش السوري الحر لوكالة «الصحافة الفرنسية» رافضا كشف هويته: «(النصرة) بدأت تظهر وجهها الحقيقي. أهدافها ليست الحرية والديمقراطية، بل تريد السيطرة والمذهبية. ثورتنا لم تقم من أجل هذا».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».