العراق يحصل على إعفاء من العقوبات الأميركية مقابل التزامات

العراق يحصل على إعفاء من العقوبات الأميركية مقابل التزامات
TT

العراق يحصل على إعفاء من العقوبات الأميركية مقابل التزامات

العراق يحصل على إعفاء من العقوبات الأميركية مقابل التزامات

حصل العراق على إعفاء من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران لحماية قطاع الكهرباء لديه، وسط الأزمة بين الخصمين واشنطن وطهران.
ومع بدء تطبيق عقوبات أميركية يوم الاثنين تستهدف قطاعي النفط والمال الإيرانيين، برزت مخاوف من أن يقع العراق الذي يعتمد بشكل كبير على جاره الشرقي في مجال الكهرباء والسلع الاستهلاكية ضحية للأزمة. لكن بغداد استطاعت أن تحصل على إعفاء. وقال بريان هوك مبعوث وزارة الخارجية الأميركية لإيران أول من أمس: «لقد منحنا العراق إعفاء للسماح له بالاستمرار في دفع ثمن استيراد الكهرباء من إيران».
من جهته أفاد مصدر عراقي مطلع لوكالة الصحافة الفرنسية بأن العراق حصل على هذا الإعفاء مقابل التزامات. وأوضح: «أعطتنا الولايات المتحدة فرصة 45 يوما حتى نجد حلا تدريجيا للتوقف عن استخدام النفط والغاز» مضيفا: «لكننا أبلغناهم بأننا نحتاج إلى 4 سنوات حتى نعتمد على أنفسنا، أو نجد بديلا».
وحصل العراق على هذا الاستثناء بعد مفاوضات بين مسؤولين عراقيين وأميركيين ممثلين للبيت الأبيض ووزارة الخزانة الأميركية، بحسب المصدر.
وبالفعل أجرى ممثلو الحكومة العراقية محادثات بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين لأشهر من أجل ضمان عدم انهيار اقتصادهم الهش بسبب تصاعد التوترات.
وقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي هذا الأسبوع إن بغداد تجري محادثات مع كلا الجانبين لحماية مصالحها. وقال للصحافيين يوم الثلاثاء: «العراق ليس جزءا من منظومة العقوبات. هو أولاً يحمي مصالحه، ويراعي كل مصالح الآخرين». وترتبط بغداد بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة وتنسق معها حول الأمن والسياسة والحكم. لكن اقتصادها متشابك بشكل كبير مع اقتصاد إيران. ولا تنتج المصانع العراقية سوى القليل جدا من المنتجات إثر الحصار الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة في مطلع التسعينات والغزو الذي قادته ضد العراق في عام 2003.
وبدلا من ذلك، تغزو حاليا المنتجات الإيرانية الأسواق ابتداء من المعلبات الغذائية مثل الألبان إلى السجاد والسيارات. وبلغت قيمة هذه الواردات غير الهيدروكربونية نحو 6 مليارات دولار في عام 2017، ما يجعل إيران ثاني أكبر مصدر للسلع المستوردة في العراق، لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى 39 مليون شخص في العراق هو اعتمادهم على إيران للحصول على الكهرباء.
ويعد نقص الطاقة الذي غالبا ما يترك المنازل بلا كهرباء لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، عاملا رئيسيا وراء أسابيع من الاحتجاجات الكبيرة في العراق خلال الصيف. وللتغلب على هذا النقص تستورد بغداد الغاز الطبيعي من طهران لمصانعها، كما تشتري بشكل مباشر 1300 ميغاوات من الكهرباء الإيرانية. وهذا الاعتماد غير مريح بالنسبة للولايات المتحدة التي سعت إلى تقليص نفوذ طهران وإعادة فرض العقوبات على المؤسسات المالية الإيرانية وخطوط الشحن وقطاع الطاقة والمنتجات النفطية هذا الأسبوع.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه سيتم السماح لثمانية بلدان باستيراد النفط الخام الإيراني. وقالت نسيبة يونس المستشارة البارزة في المعهد الأوروبي للسلام: «يبدو أن إعفاء العراق الخاص جاء بشرط خاص به يحدد كيف سيتوقف عن استخدام الكهرباء الإيرانية». وأوضحت يونس لوكالة الصحافة الفرنسية: «من أجل الحصول على هذا الاستثناء، قدم العراقيون نوعا من خريطة طريق».
ومن بين الطرق التي يمكن أن يحل بها أزمته، استثمار الغاز الذي يحرق خلال استخراج النفط، والذي يمثل وفقا للبنك الدولي خسارة سنوية تبلغ نحو 2.5 مليار دولار، وهو ما يكفي لسد الفجوة في توليد الطاقة من الغاز في العراق. وقد تساعد الشركات الأميركية في ملء الفراغ الذي تركته إيران.
وفي يناير (كانون الثاني) وقّع العراق مذكرة تفاهم مع شركة الطاقة الأميركية أوريون بشأن استغلال الغاز في حقل نفطي جنوبي.
ووقّع العراق مذكرة مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) لإصلاح قطاع الكهرباء، بعد توقيع اتفاقية مماثلة مع شركة سيمنز الألمانية. وقال المصدر لوكالة الصحافة الفرنسية، إن شركة جنرال إلكتريك هي واحدة من عدة شركات أميركية تم اقتراحها على بغداد في سياق المفاوضات مع الولايات المتحدة.
لكنه كان على العراق أن يطمئن طهران، في نفس الوقت، من خلال منحها متنفسًا للالتفاف على العقوبات الأميركية. وقالت يونس: «التركيز بالنسبة للإيرانيين يتعلق بنشاط غير رسمي لكسر العقوبات في العراق بما في ذلك الوصول إلى العملة الصعبة من خلال التبادلات العراقية وعبر عمليات تهريب». وتوقعت أن تقوم بغداد «بغض النظر». وفي الوقت ذاته كان العراق يمنح المسؤولين الإيرانيين مزيدا من الوقت لعقد لقاءات مباشرة، بما في ذلك السفير الإيراني في بغداد أيراج مسجدي. والتقى السفير بوزير المالية الجديد فؤاد حسين ووزير الكهرباء لؤي الخطيب أول من أمس، وتعهدوا التعاون الوثيق في قطاع الطاقة في المستقبل. وبالنسبة لمسجدي كانت الاجتماعات على ما يبدو تذكيراً بدور إيران في العراق، وقال: «نحن بحاجة للعراق كما هو بحاجة لنا».



رؤساء لبنان العسكريون… وصفة تقليدية لحل الأزمات

TT

رؤساء لبنان العسكريون… وصفة تقليدية لحل الأزمات

قائد الجيش اللبناني جوزيف عون (أ.ف.ب)
قائد الجيش اللبناني جوزيف عون (أ.ف.ب)

بوصول الرئيس جوزيف عون، تكتمل «خماسية» الرؤساء العسكر في لبنان، من أصل 14 رئيساً تعاقبوا على سدة الرئاسة منذ استقلال لبنان عام 1943، أربعة منهم انتُخبوا توالياً منذ انتخاب الرئيس إميل لحود عام 1998.

والقاسم المشترك في عهود الجنرالات الأربعة الذين أصبحوا رؤساء أنهم أتوا نتيجة توافقات وعجز السياسيين عن اجتراح الحلول للأزمات التي تضرب البلاد . ومع الفراغ الجديد الذي خلَّفه انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، من دون انتخاب خَلَفٍ له في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بدأ اسم قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون بالظهور مرشحاً جدياً للرئاسة، في حالة مشابهة للحالات السابقة التي أنتجت رؤساء جاءوا من قيادة الجيش الى قصر الرئاسة. خصوصاً تحت ضغط الأزمات الحالية المركبة، من مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية، حيث يشهد لبنان موجة من الانهيارات المتوازية على مختلف الصعد.

اللواء فؤاد شهاب (الموقع الرسمي للجيش اللبناني)

فؤاد شهاب: عهد مؤسسات... واستخبارات

بدأت «حكاية» العسكر والرئاسة مع الجنرال فؤاد شهاب، الذي انتُخب في عام 1958 من دون تعديل للدستور؛ لأن الدستور اللبناني لم يكن يفرض استقالة الموظف في الفئة الأولى قبل سنتين من انتخابه.

عُرف عهد شهاب بأنه «عهد المؤسسات»، وعُرف عنه استنجاده الدائم بالدستور لاجتراح الحلول للأزمات، عبر كلمته الشهيرة: «ماذا يقول الكتاب؟». غير أن ما عاب عهده هو الطابع الأمني للحكم، حيث جرى تعزيز دور استخبارات الجيش التي كانت تُعرف آنذاك بـ«المكتب الثاني»، والتي انخرطت في الحياة السياسية بالكامل، كما تدخلت في الإدارات والجمعيات الأهلية.

قائد الجيش العماد إميل لحود كان المرشح المفضل للرئيس السوري حافظ الأسد (أ.ف.ب)

إميل لحود... استنساخ فاشل للتجربة الشهابية

مع نهاية ولاية الرئيس إلياس الهراوي، بات واضحاً أن قائد الجيش العماد إميل لحود هو المرشح المفضل للرئيس السوري حافظ الأسد الذي كان يتفرد آنذاك بتعيين من يشاء في المناصب العليا في البلاد. انتُخب لحود رئيساً للبلاد في عام 1998 بعد تعديل الدستور لهذه الغاية.

عاكست لحود ظروف الإقليم، فالنظام السوري لم يعد مطلق اليد في لبنان في أواخر ولايته، وذهاب الأسد مرة جديدة لدعم تعديل الدستور لتمديد ولاية لحود ثلاث سنوات إضافية، أثمر عزلة دولية للأخير، خصوصاً أنه حصل قبيل اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري والاهتزاز الكبير الذي شهده لبنان.

انتُخب ميشال سليمان رئيساً بوصفه شخصية شكّلت إجماعاً (متداولة)

عهد ميشال سليمان: ثلاثية ذهبية تحولت «خشبية»

أتى الرئيس ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية بوصفه حلاً وسطياً بين أفرقاء النزاع بعد نهاية ولاية لحود، وحصول فراغ رئاسي استمر نحو ستة أشهر. سليمان كان رئيساً توافقياً أنتجته التوافقات التي عُقدت في الدوحة في أعقاب عملية عسكرية نفَّذها «حزب الله» ضد خصومه السياسيين في بيروت والجبل في مايو (أيار) 2008.

سليمان واجه تغييراً دولياً، مع اندلاع انتفاضات «الربيع العربي» ووصولها إلى سوريا، وانخراط «حزب الله» المباشر فيها. «شهر العسل» بينه وبين الحزب لم يستمر طويلاً، والحديث عن ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي اعتمدت في البيانات الوزارية في عهده تحولت إلى خصومة شديدة مع سليمان وصلت إلى حد وصف أنصاره هذه الثلاثية بـ«الثلاثية الخشبية»؛ تهكماً على وصف الحزب لها بـ«الثلاثية الذهبية».

ميشال عون... عهد الأزمات

انتهت ولاية ميشال سليمان بدورها إلى فراغ رئاسي جديد. كان فريق «14 آذار» يمتلك الأكثرية البرلمانية اللازمة لانتخاب الرئيس (نحو 70 نائباً) لكنَّ الفريق المقابل عطّل جلسات البرلمان ومنع الاقتراع طوال سنتين وخمسة أشهر، رضخ بعدها هذا الفريق إلى تسوية تقضي بانتخاب عون رئيساً، على أن يكون النائب سعد الحريري رئيساً للحكومة. هذه التجربة فشلت بدورها، وأُصيب لبنان بانتكاسة في منتصف الولاية، مع تغير دولي وإقليمي جديد، ترافق هذه المرة مع انهيار مالي واقتصادي هو الأكبر في تاريخ لبنان. عون لم يستطع أن يحكم. و«حزب الله» الذي أقفل البرلمان لتأمين انتخاب حليفه «لم يساعده في النجاح، بل تركه أسيراً لسهام خصومه يفشلون عهده».