هل يتعيّن إيقاف العملية العسكرية في الحديدة؟

TT

هل يتعيّن إيقاف العملية العسكرية في الحديدة؟

لطالما دقّت المنظمات الإغاثية وبعض المسؤولين الغربيين ناقوس الخطر من «كارثة إنسانية تحدق بالحديدة»، إذا ما تم اقتحامها عسكرياً. وتُنسب هذه المخاوف إلى أرقام وإحصاءات وتقديرات بأن عدد سكان المحافظة يبلغ نحو مليون وربع المليون نسمة، وأن ميناءها الذي تعتبره المنظمات رئيسياً (لكنه لا يضاهي ميناء عدن من حيث الحجم) قد يكون عرضة للخطر، لكن هناك من يرى أن حرمان المحافظة وأهاليها من استعادة مدينتهم هو الأمر الذي يجدر تجنبه.
وتحدث خبراء ومسؤولون مع «الشرق الأوسط» حول الحديدة، معتبرين أن العملية العسكرية في أساسها عملية إنسانية في الدرجة الأولى. وعللوا ذلك بأن تقارير المنظمات الدولية تشير إلى تدهور كبير في الحالة الإنسانية للحديدة: جوع وفقر وانتشار أمراض وقائمة طويلة من المآسي. وهنا يجدر التوقف عند هذه النقطة: «كيف ينتشر كل ذلك والميناء يستقبل آلاف الأطنان من الغذاء والدواء والسلع التي تمر أمام أهالي الحديدة ولا يرونها، أليس هذا أمراً كارثياً؟».
أجاب عن هذا السؤال حمزة الكمال، وهو وكيل وزارة الشباب والرياضة اليمني بالقول إن «الحديدة من أكبر الأزمات الإنسانية التي مرت على اليمن. وهذا نابع من سياسة الميليشيات الدافعة لتركيع الناس وتجويعهم بغرض السيطرة عليهم. هذه السياسة الحوثية التي لا تختلف عن (داعش) في شيء، هي التي تم اتباعها؛ سياسة الترهيب والترويع والتجويع».
ويعتقد الوكيل أن «العملية العسكرية إنسانية في الدرجة الأولى تهدف إلى إنقاذ المواطنين وإخراجهم من فم الوحش الحوثي الذي يلتهم دماءهم ويمتصها ليعيش هو، ويستفيد من الميناء الذي يشكل الرافد المادي الرئيسي للميليشيات، والذي يتسبب في إطالة الأزمة، وعلى الجانب الآخر سياسية لأنها ستقصر أمد هذه الأزمة في بلادي».
من جهته، يرى الناشط السياسي والحقوقي اليمني البراء شيبان أنه «لا توجد أي دولة تبقي موانئها ومنافذها الرسمية تحت سيطرة ميليشيات». ويقول: «الأزمة الإنسانية سببها طول أمد الحرب، وعدم قدرة الدولة على إدارة مواردها السيادية بما فيها ميناء الحديدة»، مضيفاً: «يبدو أن المنظمات الدولية نسيت أن مهمتها هي مساعدة الدولة لتقديم خدمات للمواطن... ولا يمكن لعاقل أن يتخيل أن سلطة ميليشيا مثل ميليشيا الحوثي هي أفضل للمواطن من أجهزة الدولة».
الدكتور محمد السعدي الباحث السياسي اليمني يشرح أن «الحديدة مدينة كبيرة مثل عدن صنعاء أو المكلا أو تعز، هي فعلاً مدينة مهمة لكن حجمها (كمدينة) ليس كبيراً مقارنة بالمدن الكبرى، حتى الأرقام الكبرى التي تنشر هي لإجمالي المحافظة، وهي ذات مساحة جغرافية فعلاً كبيرة بمديرياتها، لكن من المهم إيضاح ذلك».
يضيف السعدي أن «الحوثيين متمركزون في المنشآت الحكومية. العملية العسكرية تأخذ وقتها بسبب تجنيب ما تبقى من المدنيين الذين لم ينزحوا من آثار المعارك. ولو جرت المقارنة بين تحرير الحديدة مع المدن التي شهدت حروباً، مثل حلب أو الموصل، نرى أن تلك المدن تدمرت بشكل كامل، لأن المعارك لم تأخذ بعين الاعتبار مسألة المدنيين... لهذا نقول إن الجيش الوطني اليمني والتحالف أخذا بعين الاعتبار سلامة المواطنين داخل المدينة وكذلك سلامة منازلهم والمنشآت العامة من الدمار، عبر السيطرة على مواقع رئيسية وطرق رئيسية في المدن دون التدخل في الأحياء التي ليس هناك داعٍ لدخولها من الأصل... لا بد أن نعرف أن الحديدة دخلت حيز المعارك منذ 5 أشهر، وغالبية السكان نزحوا بسبب الفترة التي كان فيها نوع من وقف العمليات العسكرية لإعطاء مجال لنجاح المشاورات. ولذلك نزح كثير من السكان».
من خلال متابعة الحرب والتكتيكات الحوثية، فإنها دائماً تحاول الاحتماء بالمنشآت الحكومية، والحيوية، لسببين: الأول أنها مراكز ارتكاز تقع على تقاطعات رئيسية. الثاني، دفع التحالف إلى تدميرها، لأنها تحولت إلى أهداف عسكرية، وبالتالي يروجون في الإعلام بأن التحالف دمر المنشآت الحكومية والبنى التحتية والمستشفيات، وهي محاولة لتجريم التحالف، لكنهم في الأساس حولوا تلك المراكز إلى ثكنات.
«لكن قد يفهم من حديثكم بأنه تبرير للتحالف بأن يضرب المستشفيات والمنشآت»، يجيب السعدي: «بالنسبة للوضع الإنساني في الحديدة، فإن المدينة تعتبر أهم ميناء لعمل المنظمات الدولية ومن أكبر موانئ اليمن. لكن أكبر المشكلات الإنسانية من مجاعة وأمراض تأتي من مدينة الحديدة ومحيطها، وهذا يدل على أن سكان الحديدة محرومون من هذه المساعدات، بسبب هذه الميليشيات التي لا ترى في الأهالي إلا أنهم أقل منهم، وهناك نظرة دونية وعنصرية تجاههم»، متابعاً: «الدليل على ذلك تقارير المنظمات الدولية التي تتحدث عن فقر وجوع ومجاعة محدقة في الحديدة، وتأثر الحياة المعيشية وانتشار الأمراض والأوبئة. كيف يحدث ذلك والدعم الكبير يمر عبر الحديدة، وفي المقابل تقل المشكلات في أماكن أخرى تابعة للحوثيين؟! هذا دليل على أن المساعدات تُنهَب. ويتم نقلها إلى مناطق أخرى تسيطر عليها الميليشيات».
ويقول الباحث السياسي إن العملية العسكرية في الحديدة اليوم إعادة لحقوق اليمنيين «وهذا حق للدولة والحكومة الشرعية أن تبسط سيادتها على جميع المدن... ولا يحق للمنظمات أن تشير بطريقة غير مباشرة إلى أن الشرعية قد تحرم مواطنيها أو تمارس العنصرية».
يعود الوكيل حمزة الكمال بالقول إن «من المميزات لهذه العمليات العسكرية أنها تصاحَب بعمليات إنسانية مكثفة يقودها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بالإضافة إلى الهلال الأحمر الإماراتي، وهي من أكبر عمليات الإغاثة التي شهدها اليمن منذ بداية الأزمة قبل أربع سنوات».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.