«الرفاعي»... صائد الثعابين بالكلمة والحيلة

الرفاعي محمود خلال العمل («الشرق الأوسط»)
الرفاعي محمود خلال العمل («الشرق الأوسط»)
TT

«الرفاعي»... صائد الثعابين بالكلمة والحيلة

الرفاعي محمود خلال العمل («الشرق الأوسط»)
الرفاعي محمود خلال العمل («الشرق الأوسط»)

في حظيرة مواشٍ ملحقة بمنزل في إحدى قرى الصعيد الجواني في مصر، كان يعمل محمود المقشقش، وهو "الحاوي" أو "الرفاعي" الذي جيء به للإمساك بثعابين قتلت بقرة.
يتمتم الرفاعي بكلمات خلال عمله لتخرج الثعابين من جحورها مسالمة مستسلمة، فيعطيها الأمان ولا يؤذيها، كلما استجابت لندائه الذي يسميه "قسم الرفاعي" أو "العزيمة".
"أنا لست حاوياً، فالحاوي شخص مضلل وكاذب"... بهذه الكلمات بدأ الرجل الخمسيني حديثه قبل أن يضيف: "أنا لست نصاباً. الرفاعية ساءت سمعتهم لدخول غير العارفين على الخط، والرفاعي الحقيقي لا يتقاضى أجراً عن استخدام موهبته، إلا في حالات معينة، ويكون الأجر هدية من صاحب المنزل ولا يحدده الرفاعي".
وأوضح أن هناك أشخاصاً يدّعون أنهم "رفاعية" وهم يمارسون الدجل، "فيخرج الواحد من هؤلاء من ملابسه الثعابين ويلقيها في غفلة منك، ليوحي لك أنه وجدها في منزلك، أو يدهن عصاه ببعض المواد التي تستفز حاسة الشم لدى الثعابين فتنجذب إليها، ويقوم بإمساكها".
وليس هؤلاء وحدهم من ينافسون الرفاعية الحقيقيين، فقد دخلت شركات مكافحة الزواحف والحشرات على الخط واستحوذت على جزء من العمل.
يشرح محمود أن الكلمات التي يرددها خلال عمله تنقسم إلى شقين، الأول أساس المهنة ويكون ثابتاً عند كل الرفاعية، والثاني اجتهادات شخصية من كل رفاعي، فتختلف الكلمات باختلاف البيت الذي يحتوي على الثعابين ونوع هذه، لأن لكل ثعبان طريقة تعامل خاصة، خصوصاً أن بينها أنواعاً شرسة.
ووفقاً لبعض العاملين في مهنة صيد الأفاعي، فإن ممتهنيها ينقسمون إلى نوعين، الأول صائدون محترفون تلقوا تدريبات على المهنة، والثاني صائدون يتبعون طريقة ـ"الرفاعية" التي يعتقد أصحابها أنهم محصنون من لدغات الأفاعي.
ويحذّر الرفاعية من الدجالين الذين يحتالون على الناس ليأخذوا أموالهم. وينصحون بالتأنّي في اختيار الرفاعي والابتعاد عن ذلك الذي يدّعي امتلاك قدرات "خارقة". وعادة يكون هؤلاء هم من يطالبون ببدل مالي مرتفع قد يصل إلى ألف جنيه مصري، فيما الرفاعي الأصيل لا يطلب شيئا ويترك لصاحب المنزل أن يحدد ما يريد إعطاءه إياه.
وتجد الأفاعي الحية التي تنتمي إلى سلالات نادرة رواجًا في البيع عبر الأسواق المتخصصة، مثل حديقة الحيوان والجامعات، بغرض إجراء الأبحاث عليها، فضلاً عن شركات صناعة الأمصال واللقاحات التي تتعامل مع بعض صائدي الأفاعي لاستخلاص سمومها المستخدمة في صناعة بعض العقاقير الطبية.
ويؤكد محمد الرشيدي الأستاذ في كلية الطب البيطري بجامعة سوهاج، أنه لا يوجد علمياً ما يسمى العزيمة أو القسم الذي يتلى فيسخّر الثعبان، ويجعل هذا الكائن الشرس مسالماً. ويقول إن "الرفاعية دجالون، فالثعابين سلالات وأنواع عديدة، منها السام والشرس، ومنها غير السام، فكيف يمكن أن يكون الحل في جملة واحدة تتلى فيسمعها الثعبان الذي في الأصل لا يسمع، إذ لا يمتلك أذناً خارجية، إنما له أذن داخلية؟".
ويرى الرشيدي أن "الرفاعية أشخاص مدربون على التعامل مع تلك الحيوانات، ويستطيعون بحكم الممارسة الإمساك بها، كأي صياد ثعابين محترف، مع إضفاء صبغة غامضة على ما يقومون به لإبهار الناس".

*من «مبادرة المراسل العربي»



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».