مهند كوجاك: الإبداع الحقيقي يبدأ عادة من كسر القوالب التقليدية

خرج من برنامج {بروجيكت رانواي} أكثر إصراراً على التحدي والأخلاق

بعض من تصاميمه
بعض من تصاميمه
TT

مهند كوجاك: الإبداع الحقيقي يبدأ عادة من كسر القوالب التقليدية

بعض من تصاميمه
بعض من تصاميمه

استوديو داخل إحدى البنايات القديمة بحي جاردن سيتي بوسط القاهرة، مصعد مُتهالك ودرج طويل، أجواء تعيدنا إلى أفلام الأبيض والأسود. تظهر في الأفق لافتة عصرية يعلوها اسم «كوجاك استوديو»، مدوناً باللغة الإنجليزية وبخط عصري. خطوات وتدخل إلى عالم «كوجاك» حيث جدران مزينة بالزهور مستوحاة من ديكور السبعينات، وما إن تمرق بالنظر إلى السقف تُفاجأ بوحدة إضاءة من النحاس مستوحاة من ديكور القصور المصرية القديمة. يُطل شاب عشريني مرتدياً شورتا وحذاء رياضيا وتي شيرت من دون أكمام ليكشف عن رسوم متناثرة على جسده تحمل رسائل لا يفهم دلالاتها سواه، أما وجهه فيعلوه شارب يشبه رجال حقبة الأربعينات. وتشعر وكأنك تمر بين محطات التلفزيون، لقطة من كل زمن، حالة من التباين الخلاق لا يمكن تجيب بسهولة عن من هو مهند كوجاك؟ ومن أي عصر أتى؟
لمع اسم مهند كوجاك منذ عامين تقريباً، بعد عرض الموسم الأول من البرنامج التلفزيوني «project runway» على شاشة «إم بي سي»، فكان أحد المشاركين المميزين، ورغم أنه لم يستمر في البرنامج للنهاية إلا أنه لفت الأنظار بأسلوبه الخاص. الإعلام عرفه قريباً، لكن زبوناته عرفن موهبته قبل خمسة أعوام، حسب ما يروي. عن بدايته يقول «يصعب علي تحديد البداية الحقيقية، لا أتذكر تحديداً أول مرة رسمت تفاصيل فستان، ما أتذكره أن لدي شغف برسم التصاميم منذ طفولتي، وأن عائلتي كانت تعرف بهذه الموهبة ومؤمنة بها، وتوقعوا منذ البداية استمراري في مجال تصميم الأزياء. أتذكر أيضاَ علاقتي بماكينات الحياكة، كنت أحب الذهاب إلى الخياط، ألاحظ كل التفاصيل، وهو ما انعكس على خبرتي رغم عدم دراسة الجانب الحرفي لتنفيذ الأزياء».
ظل مهند يتابع أصول فن الحياكة من ناحية، والناحية الأخرى يمسك بأقلامه ليعبر عن أفكاره بتصاميم خارج السياق. لم يكن يعلم أنها ستخرج للنور. ويقول «بداية الاحتراف جاءت مع مشاركتي في برنامج تلفزيوني باسم «المشروع»، وكان ضمن شروط المشاركة فيه أن أنفذ بعض التصاميم، وبالفعل قمت بتنفيذ أول تصميم داخل إحدى ورشات الحياكة، لم أكن ملماً في ذلك الحين بأصول الحرفة». نالت التصاميم إعجاب المحيطين حتى أن بعض متاجر بيع الأزياء طلبت منه تصميم المزيد وبيعها من خلالهم، ويقول مهند «لم أخطط على الإطلاق أن أنتقل لمرحلة الاحترافية بهذه السرعة، أعرف أنني مصمم أزياء، ولن أكون غير ذلك - إلا أن الوقت كان لا يزال مبكراً، فكنت أدرس في السنة الأولى بالجامعة الألمانية وكنت ما أزال منشغلاً بتنمية مهاراتي».
دون تخطيط مسبق، واعتماداً على إيمان المحيطين بموهبته، انطلق مهند نحو تأسيس علامته التجارية، لا سيما بعد توافد الزبونات عليه بشكل مباشر. اللافت أنه لم يبدأ من مكان كبير أو حتى متوسط، بل من حُجرة فوق سطح بناية قديمة بوسط القاهرة. وبدهشة يقول «الحقيقة لم أعرف كيف وثقت في زبوناتي في ذلك الوقت، إلى حد جعلهن يقمن بالبروفات داخل حجرة صغيرة فوق سطح بناية، ولكن الأمر أعطاني مزيدا من الثقة في موهبتي وشعرت أن لدي شيئا يستحق العمل عليه».
شارك مهند كوجاك مع 14 مصمما شابا من الوطن العربي في تجربة «بروجيكت رانواي» والتي يقول بأنها كانت جد غنية ومفيدة. «قبل مشاركتي في البرنامج لم أكن محترفا في تنفيذ التصاميم، فأنا أقوم برسمها فقط، ولكن قررت خوض التجربة، ورغم عدم استمراري للنهاية، إلا أن هذه التجربة أثبتت أنني في منطقة مختلفة في فن تصميم الأزياء، وأن زبوناتي هن نساء من نوع خاص، فأنا لا أستهدف الجميع، لذا لم أشعر بالإحباط بعد خروجي من المسابقة، بل خرجت أكثر إصرارا على أسلوبي في التصميم والتي ربما لا يتقبلها الكثيرين». ويتابع: «لم أحاول أن أغازل لجنة الحكام على حساب أسلوبي. فمكسبي الحقيقي هو التميز والعزف خارج اللحن السائد».
من يدقق في تصاميم مهند كوجاك، يدرك أمرين، الأول أنه شخص عصري ويحن إلى عصور مضت، لم يعشها على الإطلاق، لكن خياله يعرفها جيداً. الأمر الثاني أن كل تصاميمه تصب في رسالة واحدة وهي «احتضان الاختلاف». ويقول في هذا الشأن «أكثر شيء يلهمني هي تجاربي الإنسانية، ولأني تعرضت كثيراً للانتقاد إلى حد التنمر، أبحث دائماً عن تصاميم تحتضن الاختلاف وتُعلي مبدأ احترام الآخر، أياً كان فكره أو دينه أو جنسه. الكون لا يستمر بنمط فكري واحد، والإبداع يخرج من عباءة الاختلاف وكسر القوالب التقليدية». ولا يتكلم كوجاك هنا من زاوية تنظيرية، إذ سبق له تقديم تصاميم لمحجبات أيضا، كما يحرص على مراعاة جميع المقاسات. وعن هذا يوضح: «والدتي هي ملهمتي الأولى، وهي ليست امرأة بمقاييس عارضة أزياء بل أم تشبه كثيرا من النساء الشرقيات، فهي محجبة ومقاسها يتخطى الرقم 44. ورغم ذلك أرى فيها جمال وسحر كل النساء».
تصميم الأزياء من الأقمشة الراقية المعتادة لا تعكس موهبة المصمم، حسب رأيه. فالتحدي الحقيقي يكمن في تطويع أي خامة لتنفيذ فكرة المصمم، بدليل اعتماده قماش «تنجيد» الأثاث في أول مجموعة قدمها. ويتذكر «أتذكر كم الانتقاد الذي تعرضت له، خاصة بعد أن ظهرت الممثلة المصرية ناهد السباعي بواحد من تصاميم هذه المجموعة خلال حضورها مهرجان دبي السينمائي، وتعرضت لهجوم إعلامي ضخم. لم يزعجني الأمر فأنا أعلم أنني أسير خارج السياق العام».
توالت المجموعات، وفي كل مرة يخوض مهند تحديا جديدا سواء من خلال الفكرة أو الخامات المستخدمة، فقدم مجموعة تصاميم تجسد عزاءه، ويقول: «فكرة العزاء بالنسبة لي أمر غريب. لكن فيه يكون المتوفى هو البطل، الأمر الذي دفعني إلى تخيل عزائي. من سيحضره؟ وكيف سيعبرون عن مشاعرهم؟ فكرة غريبة ولا أنكر أنها ولدت في فترة كنت أمر فيها ببعض الإحباط».
بعد هذه التشكيلة قدم تشكيلة مختلفة تماما، أطلق عليها عنوان fairy tale مستوحاة من قصص الأطفال والروايات الخيالية. غلبت عليها فساتين بطيات متتالية وطويلة تشبه فساتين أميرات القصص الخيالية.
ومن الخيال إلى الواقع يسافر مهند كوجاك بمجموعة تصاميم أخرى تعبر عن ثورته تجاه العنف والظلم وتقييد الحريات الشخصية. أشار لهذه الثورة من خلال فساتين جميعها باللون الأحمر دلالة عن الغضب، ويوضح «مررت العام الماضي بحالة غضب شديد بسبب القيود الاجتماعية، وحالات العنف والكراهية التي لمستها ودفعتني أن أثور، وفي الأخير انتهت ثورتي بمجموعة شاركت بها في «دبي فاشن فوروود» عام 2017».
رغم أن عمر تجربته في عالم تصميم الأزياء لا تزال قصيرة، لم تتخط الخمس سنوات، إلا أن اسمه ارتبط بالنجمات، وخاصة في المهرجانات، ويروي مهند تجربته مع نجمات الفن ويقول «ليلى علوي كانت أول نجمة ظهرت بأحد تصاميمي، وبعدها توالت النجمات مثل نيللي كريم، ويسرا اللوزي، ودرة، وإنجي المقدم وسارة عبد الرحمن، إضافة إلى نجمة بوليوود سونام كابور».
ورغم أن نجمات الفن يساهمن في تسليط المزيد من الضوء على أي مصمم شاب، إلا أن تعامله معهن لا يقتصر على شهرة النجمة، بل يهمه أن يناسب التصميم شخصيتها، وهذا يعني أن تكون قادرة على مواجهة العالم بأفكار غير مألوفة وبالتالي تتقبل أي انتقادات.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.