«القاهرة السينمائي» لاستعادة شبابه في الدورة الأربعين

أضاف إلى أجندته أفلام العالم الافتراضي والخيال العلمي والأكشن لأول مرة

لقطة من فيلم «عمرة والعرس الثاني»
لقطة من فيلم «عمرة والعرس الثاني»
TT

«القاهرة السينمائي» لاستعادة شبابه في الدورة الأربعين

لقطة من فيلم «عمرة والعرس الثاني»
لقطة من فيلم «عمرة والعرس الثاني»

160 فيلماً، تمثل 59 دولة، من المنتظر مشاركتها في الدورة الـ40 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في الفترة من 20 حتى 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، التي يحرص رئيسها الشاب محمد حفظي، مع المدير الفني يوسف شريف رزق الله، أن يعيدا الروح للمهرجان العريق الذي انطلقت أولى دوراته عام 1976، من خلال استحداث أقسام وجوائز جديدة تضخ دماء جديدة، وتكون أكثر جذباً للجمهور، خصوصاً من فئة الشباب.
ويمنح مهرجان القاهرة جائزة فاتن حمامة التقديرية للفنان الإنجليزي ريف فاينز، والفنان المصري حسن حسني، فيما يمنح جائزة فاتن حمامة للتميز للموسيقار هشام نزيه.
ويقول الناقد يوسف شريف رزق الله، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المهرجان ينظم 4 مسابقات رئيسية، هي: الدولية، وآفاق عربية، وأسبوع النقاد، وسينما الغد، بالإضافة إلى عدد من الأقسام الأخرى، تعرض أبرز الأفلام التي شاركت في أهم المهرجانات العالمية، فيما تم اختيار الفيلم الأميركي (كتاب أخضر) للمخرج بيتر فاريلي للعرض في حفل الافتتاح».
وأوضح رزق الله أن المسابقة الدولية يتنافس على جوائزها 16 فيلماً، يشارك فيها فيلم عربي وحيد هو «ليل - خارجي» من مصر، إخراج أحمد عبد الله، كما تشارك أيضاً أفلام «أنا أمثل، أنا موجود» للمخرج ميروسلاف مانديتش من سلوفينيا، و«أمين» للمخرج فيليب فوكون من فرنسا. أما لجنة التحكيم، فأكد رزق الله أنها ستكون برئاسة المخرج الدنماركي بيل أوجوست، على أن يشارك في عضويتها كل من الممثل التونسي ظافر العابدين، والمخرجة المصرية هالة خليل، والممثلة اللبنانية ديامان بو عبود.
وتضم مسابقة «آفاق عربية» 8 أفلام، من بينها الفيلم السعودي «عمرة والعرس الثاني»، ثاني أفلام المخرج السعودي محمود صبّاغ، في عرضه الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيكون فيلم افتتاح المسابقة العربية.
ويمثل السينما المصرية في هذه المسابقة فيلمان، هما: التسجيلي «الكيلو 64» للمخرج أمير الشناوي، الذي يشهد المهرجان عرضه العالمي الأول، بالإضافة إلى فيلم «ورد مسموم» للمخرج أحمد فوزي صالح. كما يشارك أيضا فيلمان من المغرب، هما: «الجاهلية» للمخرج هشام العسري، و«لعزيزة» للمخرج محسن البصري. ومن تونس يشارك فيلم «فتوى» للمخرج محمود بن محمود. ومن لبنان يشارك فيلمان أيضاً: «غداء العيد» للمخرج لوسيان بورجيلي، و«جود مورنينغ» للمخرج بهيج حجيج.
أما لجنة تحكيم المسابقة العربية، فكشف رزق الله أنها تضم 3 أعضاء، هم: الممثلة التونسية عائشة بن أحمد، والمصري أبو بكر شوقي مخرج فيلم «يوم الدين»، والمخرج والمنتج السويدي الفلسطيني محمد قبلاوي مؤسس مهرجان «مالمو» للسينما العربية.
وأوضح رزق الله أن «المهرجان يواكب الجدل المثار عالمياً حول التمثيل المتوازن للرجال والنساء في صناعة السينما، ببرنامج خاص يحتفي بالمخرجات العرب. ويعرض هذا القسم أفلام 8 مخرجات عرب يتم الاحتفاء بهن، وهن: هيفاء المنصور من السعودية، التي يعرض لها فيلم «وجدة» الذي يعد أول فيلم روائي طويل يتم تصويره بالكامل في المملكة العربية السعودية، والمصريتان هالة خليل وهالة لطفي، والفلسطينية آن ماري جاسر، والتونسية كوثر بن هنية، والجزائرية صوفيا جامه.
ولفت رزق الله إلى أن المهرجان يعرض 8 أفلام في قسم العروض الخاصة، و55 فيلماً في البانوراما الدولية، و12 فيلماً في قسم الاختيار الرسمي خارج المسابقة، قال إنها من أهم أفلام العام، منها فيلم «روما» للمخرج المكسيكي ألفونسو كوران، الذي اشترطت شبكة «نتفليكس» الموزعة له أن يعرض بتقنية k4»».
بدوره، قال المنتج محمد حفظي رئيس المهرجان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إدارة المهرجان استقرت على استحداث قسمين لأول مرة، هما: (عروض منتصف الليل) الذي يقام على مدار 7 ليالٍ، في الفترة من 21 حتى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ويعرض 7 أفلام تنتمي إلى عالم الرعب والجريمة والخيال العلمي والأكشن، وهي نوعيات لم يعتد مهرجان القاهرة على عرضها ضمن فعالياته في الدورات السابقة».
ومن أبرز أفلام هذا القسم، بحسب حفظي، «دشرة» للمخرج عبد الحميد بوشناق، الذي يعد أول فيلم رعب في تاريخ السينما التونسية، والذي نال حفاوة كبيرة عند عرضه في مهرجان فينيسيا. كما يعرض ضمن هذا القسم أيضاً الفيلم الأميركي «مدمر» للمخرجة كارين كوساما، الذي تجسد فيه النجمة نيكول كيدمان دور محققة شرطة عجوز.
وأكد حفظي أن إدارة المهرجان أضافت أيضاً قسماً آخر لأفلام الواقع الافتراضي، في تجربة جديدة أشبه بالاختبار، طامحة في أن تنجح، لتتحول إلى مسابقة في الدورات المقبلة، كما هو الحال في مهرجانات كثيرة، أبرزها «فينسيا».
وعلى صعيد الجوائز، قال محمد حفظي إن إدارة المهرجان استحدثت جائزتين ماليتين يتم تقديمهما بالتوازي مع الجوائز التقليدية للمهرجان: الأولى هي «جائزة الجمهور»، وقيمتها 20 ألف دولار أميركي، وتُمنح للفيلم الذي يصوت له الجمهور الذي يشاهد أفلام المسابقة الدولية، ويحصل عليها مناصفة منتج الفيلم وموزعه المحلي، بحيث يساهم المهرجان في توزيع الفيلم الذي يتم اختياره في دور العرض المحلية.
أما الجائزة الثانية، فهي جائزة أفضل فيلم عربي، وقيمتها 15 ألف دولار أميركي، التي يقدمها المهرجان كنوع من الدعم للسينما العربية، ويتنافس عليها جميع الأفلام العربية المشاركة في الدورة الأربعين.
ويخصص المهرجان لجنة تحكيم مستقلة لهذه الجائزة، تضم في عضويتها الناقد الألماني كلاوس إيدر، السكرتير العام للاتحاد الدولي للنقاد «فيبريسى»، والمخرجة المصرية أيتن أمين، والمنتج التونسي نديم شيخ روحه.


مقالات ذات صلة

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)