منهاج تربوي مزدوج في مناطق الأكراد شمال شرقي سوريا

ينظر باران (17 سنة) بحسرة إلى كتبه الدراسية التي وضعها على مكتبه بزاوية غرفته. فبعد أن نجح في الصف التاسع الإعدادي العام الماضي بمعدل عالٍ، وكان يفترض أن يدرس الأول الثانوي هذا العام، أصدرت الإدارة الذاتية الكردية قراراً يلزم طلبة الصف العاشر الثانوي بدراسة المنهاج المقرر من قبلها.
ومع بداية العام الدراسي، التحق باران بثانوية النابغة الذبياني للذكور، الكائنة في الشارع السياحي في القامشلي (شمال شرقي سوريا)، وقام بشراء المنهاج المقرر من مستودع المدرسة، وكتب اسمه عليها. لكن بعد أيام، جاء الموجه إلى الفصل الدراسي، وقال لهم: «كل طالب يريد دارسة منهاج الإدارة يبقى في مقعده، أما من يرغب في متابعة دراسة المنهاج الحكومي، فليذهب إلى منزله ريثما نرسل إشعاراً بالعودة»، بحسب باران.
ومنذ منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، ينتظر باران وباقي طلاب العاشر الثانوي إشعاراً من مديرية التربية في محافظة الحسكة للعودة إلى مقاعد الدراسة، كما يتصفح كتبه يومياً، في محاولة لإقناع نفسه بأنه سيعود قريباً إلى مقعده الدراسي، لكن حالة اليأس بدأت تتملك مشاعره، فيقول: «مضى شهر ونصف الشهر ونحن ننتظر... إلى متى يجب علينا الانتظار؟!».
أما والد باران (47 سنة)، ويسكن في الشارع السياحي الذي تقع فيه مدرسة ابنه، وتقع المنطقة بالقرب من المربع الأمني الذي تحتفظ به القوات الموالية لدمشق، فلم يخفِ خشيته على مستقبل ابنه وبقية زملائه. وفي أثناء حديثه، ارتسمت علامات الحيرة على وجهه، وراح يقول: «شهادات مدارس الإدارة غير معترف بها، سورياً أو دولياً، لماذا أرسل ابني للمدرسة وهو لم يتعلم المنهاج الكردي؟!». وذكر بأن معظم الأهالي فضلوا أن يتعلم أبناؤهم في مدارس تعتمد المنهاج الحكومي، وامتنعوا عن إرسالهم إلى مدارس الإدارة، مضيفاً: «أقنعت ابني، في حال بقي الوضع، بأني سأرسله أما إلى محافظة ثانية، أو ليكمل دراسته بشكل حر، ويتقدم للامتحانات». وأصدرت الإدارة الذاتية المُعلنة منذ بداية 2014، شرق الفرات، قراراً بضم العاشر الثانوي للنظام التعليمي في المناطق الخاضعة لنفوذها، وفرضت منذ مطلع العام الدراسي الجديد (2018 / 2019) المنهاج الكردي، إلى جانب العربي والسرياني، على طلبة الأول الثانوي، على أن يُوسَّع هذا المنهاج ليشمل باقي الصفوف الثاني والثالث الثانوي العام المقبل.
وذكرت سميرة الحاج علي، رئيسة لجنة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، بأن طلبة العاشر الثانوي سيدرسون كتب ومقررات الإدارة في المدارس الثانوية الحالية نفسها، وقالت: «توصلنا لحل يرضي الطرفين، ببقاء الطلاب في المدارس الثانوية نفسها، على أن تكون هناك إدارة لكل قسم»، في حين سيتابع طلبة الحادي والثاني عشر الثانوي تعليمهم وفق المنهاج الحكومي، بحسب الحاج علي التي تزيد: «هؤلاء الطلبة درسوا منذ البداية المقررات الحكومية. وحرصاً منا على إكمال تعليمهم العالي، سيبقون يدرسون الكتاب الرسمي بالمدارس نفسها».
أما لورين، البالغة من العمر (17 عاماً)، المنحدرة من مدينة القامشلي، فقررت الذهاب للمدرسة، وتعلم اللغة الكردية، لتتمكن من دراسة مناهج الإدارة، بتشجيع من والدتها. وعن ذلك، تقول: «شعور جميل أن أتعلم بلغتي الأم. وعلى الرغم من أن الشهادة غير معترف بها، فإن لديّ رغبة في تعلم الكردية».
وترفض الحكومة السورية الاعتراف بالإدارة الذاتية الكردية المُعلنة منذ 2014، بالتالي لا تعترف بالمنهاج والمقررات الدراسية التابعة لها، وتؤكد إصرارها على استعادة كامل الأراضي التي خرجت عن سيطرتها، بما فيها مناطق الأكراد التي توجد فيها قوات أميركية وفرنسية وإيطالية، ضمن التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وبحسب مصدر تربوي تابع للحكومة السورية، بلغ عدد الطلاب المتضررين الذين انقطعوا عن التعليم الحكومي، بعد فرض الإدارة الذاتية مناهجها الدراسية، 52 ألف طالب بين عامي 2014 و2016، ويزيد العدد هذا العام بعد فرض المنهاج على طلبة العاشر الثانوي.
لكن سميرة الحاج علي، رئيسة لجنة التربية والتعليم لدى الإدارة الذاتية، تقول: «أي اتفاق مستقبلي مع دمشق يجب الاعتراف فيه بالمنهاج الدراسي والنظام التعليمي المدرس في مناطقنا، والمصادقة على شهادات الجامعات التي افتتحت في مدينتي القامشلي وكوباني، والمعاهد المتوسطة التابعة للإدارة»، حيث يرتاد نحو ربع مليون طالب وطالبة (2398) مدرسة تشرف عليها الإدارة الذاتية في منطقة الجزيرة، وبلغ عدد الكادر التدريسي للعام الدراسي الحالي نحو 25 ألف مدرس ومدرسة. وتقول والدة الطالبة لورين، وتدعى شهناز (52 سنة)، وتعمل مدرسة لطلاب المرحلة الإعدادية في إحدى مدارس الإدارة الذاتية بمدينة القامشلي: «أتمنى أن يتعلم كل الطلاب بلغتهم الأم»، وأشارت إلى أن مناهج الإدارة تحتوي على مواد علمية، كالرياضيات والعلوم والكيمياء، إلى جانب تدريس اللغات الأجنبية.
وكشف مدرس يعلم المنهاج الحكومي في مدرسة ابن سينا، الواقعة في حارة طي (شرق القامشلي) الذي تقطنه غالبية عربية، أن 10 آلاف طالب يرتادون مدارس الشارع كونها تدرس المنهاج الحكومي، قائلاً: «خصصت إدارة المدرسة الدوام الصباحي لطلاب الإعدادية والثانوية، ويبلغ عددهم قرابة ألفي طالب، فيما خُصص الدوام المسائي لتلاميذ المرحلة الابتدائية، التي يرتادها نحو ألف تلميذ، ويدرس أكثر من 7 آلاف طالب في باقي مدارس الحي».