«إحياء التراث من خلال الموسيقى» في قصر المنيل

مهرجان بمشاركة فنانين من مصر وخارجها

الموسيقي الأرمني فاهان مارديروسيان («الشرق الأوسط»)
الموسيقي الأرمني فاهان مارديروسيان («الشرق الأوسط»)
TT

«إحياء التراث من خلال الموسيقى» في قصر المنيل

الموسيقي الأرمني فاهان مارديروسيان («الشرق الأوسط»)
الموسيقي الأرمني فاهان مارديروسيان («الشرق الأوسط»)

على ضفاف نهر النيل، يقع قصر الأمير محمد علي توفيق المعروف بـ "قصر المنيل"، والذي يجمع معماره بين الفن الإسلامي القديم والفن الأوروبي الحديث. وهو ليس شاهدا على العصر الملكي والأحداث التاريخية التي مرت على مصر الحديثة فحسب، وإنما جاذب لمحبي الفنون من كل حدب وصوب.
ولأنه لا يحظى بالشهرة العالمية ولا يحتل مكانا بارزا على خريطة الأماكن السياحية المصرية العديدة، قررت "جمعية أصدقاء متحف قصر المنيل"، التي أنشأها الأمير عباس حلمي إبن أخ الأمير توفيق عام ٢٠٠٥، إقامة مهرجان موسيقي دولي بعنوان "إحياء التراث من خلال الموسيقى" بهدف إعادة تسليط الضوء على القصر.
يموّل المهرجان الإتحاد الأوروبي ويحظى بدعم من العديد من السفارات والمؤسسات الثقافية بما في ذلك المعهد الفرنسي، المركز الثقافي الإيطالي، سفارة اسبانيا، سفارة الجمهورية التشيكية... ويقول المنظمون إن الدعم سيستخدم لتجديد الصرح.
يمتلئ القصر بالأثاث الفاخر والتحف والسجاد النادر، بالإضافة إلى حديقة تضم مئات من النباتات الجميلة. وكل ذلك جمعه الأمير توفيق، وهو عم الملك فاروق، خلال زياراته وجولاته في أنحاء العالم. وقد شُيّد المبنى الرئيسي والحديقة التابعة له في نحو ٣٠ سنة وانتهى البناء عام ١٩٢٩.
تقول سوزان عوض، أمينة صندوق الجمعية، لـ "الشرق الأوسط": "تعودنا أن ننظم كل عام في موعد ميلاد الأمير محمد علي حفلة موسيقية واحدة للاحتفال بالمناسبة في القصر. لكننا قررنا هذا العام تنظيم مهرجان موسيقي كبير بمشاركة دول عدة لأننا نريد أن نجعل مصر مركزًا سياحيا ونبرز التنوع الذي تتمتع به من أماكن سياحية".
يقام المهرجان من ١ إلى ٩ نوفمبر (تشرين الثاني) في القاعة الذهبية بالقصر، ويضم أعمالا موسيقية لنخبة من الموسيقيين المصريين إلى جانب موسيقيين من دول أجنبية. ومن الفنانين المشاركين مطربة الأوبرا المصرية جالا الحديدي برفقة فاهان مارديروسيان عازف البيانو الأرمني والمايسترو في أوركسترا الغرفة الوطنية في أرمينيا.
وتحيي حفلة الختام مطربة الأوبرا المصرية فاطمة سعيد مع عازف البيانو المصري رمزي يسّى والموسيقار الألماني ماركوس ميركل.
وتقول عوض إن الجمعية تأمل أن يتحول هذا المهرجان إلى حدث سنوي دولي يضاف إلى خريطة المهرجانات التي تقام في مصر. و"بعد إنتهاء المهرجان سيتم تجديد أي شيء يحتاج إلى تجديد في القصر مثل الإضاءة وسواها".
يذكر أن الأمير توفيق ترك القصر مع ثورة ١٩٥٢ واضطر لتمضية بقية حياته في المنفى، وتوفي في لوزان بسويسرا بعد ثلاث سنوات.
بعد الثورة، بات القصر ملك الدولة. ومع مرور الوقت أغلق للتجديد ليعاد افتتاحه عام ٢٠١٥، بعد مشروع ترميم استمر عشرة أعوام.
إلى جانب المهرجان، يستضيف القصر معرضا فنيا بعنوان "لا شيء يتلاشى... كل الأشياء تتحول" يستمر إلى ٢٨ نوفمبر. ويتضمن مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية لفنانين مصريين وأجانب.

*من «مبادرة المراسل العربي»



اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)
هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)
TT

اللبناني ألان برجي: مجتمعنا الاستهلاكي قضى على الموسيقى الأصيلة

هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)
هدفه الخروج من الصندوق التقليدي للعزف (صور ألان برجي)

يعزف الموسيقي اللبناني ألان برجي على أكثر من 15 آلة؛ فإضافة إلى الناي (فلوت دي بان) والبيانو والغيتار، تُحرّكه أيضاً آلات الكاليمبا والبانغو والأورغ. وفي لقاء تلفزيوني استضافه مؤخراً، لفت المُشاهد ببراعته في العزف على الناي والأكورديون.

آلته المفضَّلة البيانو، علماً بأنه يسعى دائماً إلى تعلُّم العزف على آلات غير معروفة. يقول: «إنه من الآلات التي تُوسّع فكر الإنسان وتُسهم في تطوّره بالتوزيع والأبعاد الموسيقية».

أما الأكورديون فيعدّه من الآلات التي يصعب العزف عليها: «تقنيته تختلف عن آلات أخرى، وعلى الراغب في تعلُّم العزف عليه إدراك كيفية استعمال أنامل يده اليسرى. فأزرار إيقاعاته الأساسية مُصمَّمة على ناحية اليسار».

يروي لـ«الشرق الأوسط» أن التحاقه بعالم الموسيقى جاء بعد تعمُّق: «عالمٌ لا يرتكز على تعلُّم النوتات الموسيقية فحسب، وإنما تكمن أهميته بمدى التفاعل مع الموسيقى من دون حدود. بحثتُ عن طريق يخرجني من صندوق الموسيقى التقليدية، وأدركتُ أنه بالعلم وحده لا أستطيع التطوّر. كنتُ أجد الموسيقى مجرّد وسيلة تسلية، فترافقني في جلساتي مع الأصدقاء والأصحاب. بعدها نضجت موهبتي لتشمل أكثر من آلة رحتُ أكتشفها بنفسي».

يعزف على نحو 15 آلة مختلفة (صور ألان برجي)

يفاجئك ألان برجي بأسلوب تفكيره وكيفية استخدامه الموسيقى آلةً للعبور نحو الزمن. يُلقَّب بـ«أوركسترا في رجل»، ويقول: «الموسيقى تُحرّكني، ووجود الآخر الذي يُصغي، يُحفّزني». حوّل غرف منزله نماذجَ لبلدان عدّة، فيوضح: «أقسامه خصّصتها لبلدان أحبّها، فيحضر قصر فرساي في باريس مثلاً، كما خصّصتُ إحدى غرفه لمدن الوسترن الأميركية، وأعددتُ غرفة خاصة تُشبه المطعم أستقبل فيها زبائن لا يزيد عددهم على 10 أشخاص. إنه عالمي الذي أركن إليه، والموسيقى تطبعه، فيعبُق بأنغام البيانو والأكورديون وغيرهما».

يتابع بأنّ الموسيقى نادته منذ كان في سنّ الـ11: «لا أحبّذ التمارين، فالألحان تولد معي ارتجالياً من دون التخطيط المسبق لها». ورغم موهبته اللافتة، يفضّل البقاء في الظلّ، فهو أحد الهاربين من الشهرة: «عدو الإنسان: السلطة والمال والشهرة. في مرحلة ما، لامستني الأخيرة ووقعتُ في فخّها، لكنني تخلّصت منها. أفضّل القناعة؛ المسار الحقيقي للسلام مع الذات».

يصف موسيقى اليوم بالتجارية، وأصحابها يلهثون خلف الربح: «لستُ أعمِّم، لكنّ معظم الموسيقيين يفكرون بهذه الطريقة. نفتقد حالياً مظاهر الموسيقى التي رافقتنا في الصغر. فلا حماسة لولادة أغنية جديدة، ولا نلهث للحصول على أسطوانة قبل الآخرين كما اعتدنا أن نفعل. كانت أياماً مفعمة بالبركة والخير، فقضى المجتمع الاستهلاكي عليها. صرنا مجرّد آلات (روبوت) تواكب العصر».

يعزف على نحو 15 آلة مختلفة (صور ألان برجي)

موسيقاه خليط من الغربي والشرقي، فيُعلّق: «لا أحصر نفسي بنمط، وعندما أعزف، أترك لإحساسي حرية الاختيار. البعض يراني أسير بعكس التيار. لكنني، ببساطة، لا أحب الرضوخ لعالم خالٍ من القيم يفتقد الروح. استطعتُ التحرّر من تفاهة الحياة؛ ومع الموسيقى تبدو أجمل».

يستفزّه التقليد اليوم على الساحة الفنّية: «كثيرون ينسخون أعمالاً سبق أن لاقت النجاح. ففرصُ الخلق والإبداع قلّت. وعندما يستعيرون أغنية معروفة، تتراءى بوضوح مشاعرهم الزائفة. تخيّلي أن يغنّي أحدهم للراحل جاك بريل (لا تتركيني Ne me quitte pas)، وهو يبتسم! الأغنية حزينة، فيها معاني الشوق والحنين، ومع ذلك تُقدَّم بقالب لا يشبهها».

يعتب ألان برجي على عدم تمتُّع الموسيقيين الحقيقيين بالتقدير: «مهما بلغ الموسيقيّ من إمكانات وقدرات، فزمننا لا يبالي به إلا إذا نال الشهرة. الأسوأ أنها شهرة ترتكز على أرقام المتابعين ووهم مواقع التواصل». وهو حقَّق الاختلاف في آلة الناي (فلوت دي بان) التي ابتكرها من الرصاص. يختم بإيجاز قصتها: «قصدتُ بلدة عرسال الشمالية بُعيد عملية (فجر الجرود) التي قضى خلالها الجيش اللبناني على معقل الإرهاب. فكّرت بتكريمه على طريقتي. لملمتُ رصاص الأسلحة عن الأرض، وحوّلته إلى آلة نفخ، عزفتُ عليها النشيد الوطني اللبناني».