العطور ذات المكونات المستدامة... عودة للماضي أم استباق للمستقبل؟

المقارنة بين الطرق القديمة والموجة الجديدة كمن يقارن بين العصير الطبيعي والمشروبات المنكهة

العطور ذات المكونات المستدامة... عودة للماضي أم استباق للمستقبل؟
TT

العطور ذات المكونات المستدامة... عودة للماضي أم استباق للمستقبل؟

العطور ذات المكونات المستدامة... عودة للماضي أم استباق للمستقبل؟

مثل كل عناصر الترف، دخلت العطور عالم الموضة المستدامة. مجموعة كبيرة من العطارين والشركات استبدلوا المواد الاصطناعية بمواد طبيعية خالصة رافعين شعار حماية البيئة ومناهضة استعمال كل ما هو حيواني. ما يؤكد انتشار هذه النزعة تنامي أسماء الشركات والعطارين الذين تبنوها في إشارة واضحة إلى أن الحركة التي بدأت منذ سنوات بهدوء، استقوت مع الأيام. وفيما لا يمكن الذهاب إلى القول إنها قد تسحب السجاد من العطور التقليدية التي تصدرت المشهد لعقود طويلة، وتحديدا منذ أن أطلقت كوكو شانيل عطرها الأيقوني «شانيل نمبر 5»، فإن الكل يتفق أن كل ما له صبغة صديقة للبيئة أصبح له تأثير السحر لدى المستهلك الشاب. ويستشهد الداعمون لكل ما هو طبيعي وصديق للبيئة بأرقام المبيعات التي سجلت نموا بنحو الضعف خلال السنوات الخمس الماضية.
من بين الدور التي ركبت هذه الموجة، دار «شوبارد» المخصصة أساسا في صناعة الساعات والمجوهرات. كانت «شوبارد» قد طرحت مجموعة «غاردين أوف بارادايس»، التي تتألف من قرابة 25 مادة طبيعية خام. المصممة ستيلا ماكرتني بدورها قدمت مجموعة «آور مودرن لايف» Our Modern Lives التي لم تضف إليها أي عنصر اصطناعي واكتفت فيها بالورد التركي وأوراق التوت ومستخلصات الجوز الهندي وما شابه من زيوت طبيعية خالصة. دار «بولغاري» أيضا ركبت هذه الموجة من خلال عطرها الرجالي «مان وود إيسانس»، الذي عانق الطبيعة بكل ما تعنيه الكلمة من معان. فقد صُنع من مواد طبيعية تأخذ بعين الاعتبار أهمية البيئة والتدوير، ليس فقط من ناحية المكونات. فقد تعاونت الدار مع شركة فيرمينش، الموردة للمواد المستدامة لصُنع القارورة، التي جاءت على شكل ناطحة سحاب عصرية، بـ90 في المائة من الزجاج المعاد تدويره. كذلك الكارتون المستعمل للتغليف والعلب تم اقتناؤه من منظمات متخصصة في المواد المستدامة بحيث يمكن إعادة استعماله.
تيموثي هان الذي عمل طويلا مع المصمم جون غاليانو كمصمم أزياء قبل أن يتحول إلى صناعة العطور، استعمل في عطره «ذي ديكاي أوف أينجل» مجموعة من المواد الطبيعية مثل البخور والياسمين والعود والباتشولي.
أسماء أخرى أيضا تألقت في هذا المجال مثل العطار الإسباني ألبرتو مورتيلاس الذي مزج الياسمين الهندي والصيني مع أعشاب مسك الروم وخشب الصندل في عطره «جاسمين مغول»، وماركة «سانا غاردان» التي سجلت بدورها تفردها وشهرتها من خلال تبنيها لهذه الموجة. فكل عطورها مصنوعة من مواد ونباتات زُرعت كاملة على نحو مستدام في المغرب. وهو ما تُترجمه مجموعتها التي تتألف من سبعة عطور.
يقول مايكل دونوفان وهو عطار بريطاني وصاحب محل متخصص يقصده العارفون ممن يريدون عطورا فريدة، إن «العطور الطبيعة مائة في المائة تطورت بشكل كبير بفضل تطور التكنولوجيا». يُوضح بأن «صناعة أي عطر من دون مسك، مثلا كتحضير ساندويتش من دون زبدة... لا طعم له، لهذا كان ضروريا أن يتم استعماله بالشكل القديم لأنه لم يكن متوفرا بشكله الحالي. لهذا كان هناك عنصر مهم مفقود في العطور الطبيعية. الآن يتوفر المسك النباتي، الذي يتم استخلاصه من بذور زهرة الكركديه». ويستدل دونوفان على هذا بعطره الأخير «دي ستايليست» The Stylist الذي استعمل فيه خلاصات شجر العرعر لخلق رائحة تحاكي المانغو عوض المادة الاصطناعية التقليدية. يُعلق: «بهذا نجحت في الحصول على رائحة تشبه تماما رائحة المانغو الطبيعة، لكن من نبات طبيعي خالص». يعترف في المقابل، أن هذه الموجة لا تزال في أولها ولا يمكن أن تُلغي أهمية صناعة العطور الصناعية، لأن هناك روائح لا يمكن استخلاصها من الطبيعة. وتوافقه الرأي فرنسيس شوماك، التي كانت تبحث عن طريقة جديدة في صناعة عطور طبيعية قبل أن تجد حلمها في العطار النيوزيلندي إسحاق سنكلير، الذي جمعتها به عدة قواسم مشتركة في التفكير وأسلوب الحياة. معا قررا إطلاق «آبيل» Abel التي تمخضت عن «فيتا أودور» المكونة من خمسة عطور خفيفة مصنوعة من مواد طبيعية. عن تجربتهما يعترف الثنائي أن التعامل مع المواد الطبيعية الخالصة ليس بالأمر الهين، نظرا لتركيباتها المعقدة. «فرغم أن كل ما هو طبيعي يتميز بديناميكية ومفاجآت، فإنها مفاجآت يصعب ترويضها أحيانا، لأنه يصعب على العطار التحكم فيها بشكل مطلق، عدا أن المواد قد تكون نادرة وباهظة الثمن».
ومهما تعددت آراء العطارين حول العطور الصناعية والطبيعية، فإن أغلبهم يُجمع على أن انتعاش المكونات طبيعية تعود بنا العصر الذهبي قبل ظهور «شانيل نمبر 5»، أي قبل الثورة الصناعية التي شهدتها التركيبات الكيميائية. وبعيدا عن الحنين والشعارات المثالية، فإن هناك من لا يزال يرى بأنها، أي العطور، تفتقر إلى الإثارة، من دون التركيبات الصناعية. تبريرهم أن الزيوت المستخرجة من الأحماض عادة ما تكون خفيفة وسريعة التطاير، بينما تتسم المكونات الأرضية بصلابتها واستمراريتها. لكن الأهم في الأمر أن تلك الغنية بالزيوت الطبيعية تعتبر كيانا حيا، يتنوع عطرها باختلافات طفيفة، ليس حسب البشرة فحسب، وإنما المحصول ذاته». فتبعاً للمزرعة والمناخ السائد بالمنطقة التي جرت الزراعة بها، ثمة تنويعات طفيفة تظهر ما بين ثمار التفاح والورد والياسمين والنرجس وما شابه.
ومن بين الحجج الأخرى الداعمة للمكونات الصناعية أنها تحل محل المشتقات الحيوانية مثل المسك، والذي كان يجري استخدامه في وقت مضى لمنح العطور الكلاسيكية عبقاً مستمراً وجاذبية، لكن استخراجه لم يعد مناسبا لروح العصر، سواء فيما يتعلق بتكلفته أو بمعاملته للحيوان. وكما قال مايكل دونوفان من الممكن الآن استخلاصه من بذور زهرة الكركديه. السؤال الذي يطرحه البعض هو مدى استعداد المستهلك التنازل عن العطور التي ارتبطت في الوجدان بالطفولة أو بذكريات سعيدة لا يمكن نسيانها؟ يُجيب كيشين تيو مؤسس علامة «بروسودي» التجارية البريطانية أن هذا ممكن، باعتباره يعتمد في جميع منتجاته على عناصر طبيعية، ويرفض مثله مثل كل أنصار الفكر النباتي الاعتماد على أي مشتقات حيوانية.
«لكن التحدي مثير ويستحق العناء لأننا نحصل على عطر بوجوه متعددة، لأنه يتغير طوال الوقت، بحسب رأي فرنسيس، الذي يشرح بأن مقارنة العطور الصناعية بالعطور الطبيعية كمن يقارن بين العصير الطبيعي والمشروبات المنكهة. لكنه يعترف بأن هناك حدا أقصى لأريج ونكهات المواد الطبيعية. فجودتها وروائحها تتغير موسما عن موسم، الأمر الذي يجعل التنبؤ بنتائجها غير ممكن، على العكس من النكهات الصناعية متعددة الوجوه».


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
TT

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية. اختارت لها بصمات دائمة: عبر تاريخ وحقبات المملكة العربية السعودية Perpetual Footprints:

Across Saudi Times and Eras عنواناً وست شخصيات سعودية أبطالا. هؤلاء جمعهم حذاء بسيط لكن معروف بعمليته وما يمنحه من راحة صحية.

فهدفها لم يكن استعراض مهارتها وخبرتها في صناعة الأحذية التي تتحدى الزمن والاختلاف والمسافات فحسب، بل أيضاً التعبير عن اهتمامها بسوق تعرف أهميته بالنسبة لها، وفي الوقت ذاته التعبير عن إعجابها بالثقافة السعودية لما فيها من تنوع وحيوية تكتسبها من شبابها. لكي تنجح حملتها وتكتسب عبق المنطقة، استعانت بمواهب محلية ناجحة في مجالاتها، لعرض الإرث الثقافي الغني للملكة، وتلك الديناميكية التي تميز كل منطقة. حتى مهمة تنسيق جلسة التصوير أوكلتها لمصمم الأزياء ورائد الأعمال السعودي حاتم العقيل من باب أن «أهل مكة أدرى بشعابها».

عبد العزيز الغصن يظهر في الحملة في عدة لقطات تعبر عن المنطقة التي يُمثِلها (بيركنشتوك)

جمعت ستة مؤثرين، ثلاث نساء هن فاطمة الغمدي وديم القول وداليا درويش، وثلاث رجال، هم خيران الزهراني وعبد العزيز الغصن وأحمد حكيم، كثنائيات لإبراز السمات الفريدة التي تُميز ثلاث مناطق هي نجد والحجاز والشرقية. وبينما كانت أحذية «بيركنشتوك» الخيط الرابط بينهم جميعاً، تركت لكل واحد منهم حرية التعبير عن رؤية تعكس أسلوب حياته ومجال تخصصه، سواء كان موسيقياً أو رياضياً أو رائد أعمال.

الحجاز القديم

خيران الزهراني ابن مدينة الباحة ممثلاً منطقة الحجاز (بيركنشتوك)

مثَل المنطقة كل من خيران الزهراني وفاطمة الغمدي. خيران وهو ابن مدينة الباحة معروف في عالم الأوبرا بصفته الكاونترتينور الأول في البلاد، يمزج عمله ما بين الفخر الثقافي والإبداع الفني. غني عن القول إنه يلعب دوراً ريادياً في أداء أعمال أوبرالية بارزة باللغة العربية، بما فيها مشاركته في أول أوبرا عربية تمثّل المملكة العربيّة السعوديّة في قمة BRICS لعام 2024. في هذه الحملة يظهر خيران في حذاء «بوسطن» Boston Suede المصنوع من الشامواه، والمتعدد الاستخدامات مع ملابسه العصرية. في صورة أخرى نسَق حذاء «جيزيه» Gizeh مع زيه التقليدي.

خيران الزهراني ابن مدينة الباحة والفنانة فاطمة الغمدي ممثلان منطقة الحجاز (بيركنشتوك)

تنضم إليه الفنانة والرسامة «فاطمة الغمدي» وهي من الطائف لإكمال قصة منطقة الحجاز. تظهر في حذاء «أريزونا» المتميز ببكلة بارزة، باللون الزهري الفوشيا. تظهر ثانية بحذاء «مدريد»، الذي يأتي هو الآخر ببكلة كبيرة الحجم، ليُكمل زيها التقليدي.

منطقة نجد

عبد العزيز الغصن كما ظهر في الحملة (بيركنشتوك)

هنا ينضم الموسيقي عبد العزيز الغصن، المقيم في الرياض، إلى الحملة للاحتفال بمنطقة نجد. الجميل في هذا الفنان أنه تأثر بعدة ثقافات موسيقية وشغف دائم لخوض غمار الجديد، بأسلوب موسيقى يمزج ما بين الـ«أفروبيت»، الـ«أر أند بي» والـ«هيب هوب». يظهر في الحملة محاطاً بأشجار النخيل النجدية، وهو يرتدي حذاء «كيوتو» Kyoto ثم حذاء «بوسطن» Boston.

عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو (بيركنشتوك)

تنضم إليه «ديم القو»، وهي عارضة أزياء سعودية ومؤثرة عُرفت بأسلوبها الخاص يجعل أكثر من 230 ألف شخص يتابعونها و3.2 مليون معجب على تطبيق «تيك توك». تظهر في حذاء «مدريد» ويتميز ببكلة ضخمة باللون البيج الشديد اللمعان يعكس جانبها النجدي المعاصر، في حين يعكس حذاء «جيزيه» Gizeh باللون الذهبي الإرث الغني المتجدر في التاريخ.

المنطقة الشرقية

رائد الأعمال والرياضي ومؤسس علامة «أستور» للأزياء (بيركنشتوك)

يُمثِلها «أحمد حكيم»، وهو رائد أعمال ورياضي وصانع محتوى، كما تمثّل علامته التجارية الخاصة بالملابس، Astor أسلوب حياة يعمل من خلالها على تمكين الأفراد من التعبير عن أنفسهم بثقة ومصداقية. يظهر في الحملة وهو يتجوّل تحت قناطر مدينة الدمام القديمة منتعلاً حذاء «أريزونا» Arizona الكلاسيكي ذا قاعدة القدم الناعمة باللون الأزرق. في لقطة أخرى يظهر في كورنيش المدينة مع داليا درويش، منتعلاً لوناً جديداً، الأزرق الأساسي.

داليا درويش تشارك في الحملة بصفتها محررة ومصممة وصانعة محتوى وسيدة أعمال (بيركنشتوك)

أما ابنة مدينة الخبر الساحليّة، داليا درويش، فتشارك في الحملة بصفتها محررة، ومصممة، وصانعة محتوى وسيدة أعمال، لتُعبِر عن طبيعة المنطقة الشرقية المتعددة الأوجه. ولأنها تعشق السفر، اختارت حذاء «أريزونا» Arizona، الذي يجمع الكلاسيكية بالعصرية، باللونين الذهبي والأزرق المعدني.