محمود... طاهٍ فلسطيني بارع عمره 11 عاماً

يقاوم سرطان الدم ويكافح لتحقيق أحلامه

محمود أبو ندى خلال العمل («الشرق الأوسط»)
محمود أبو ندى خلال العمل («الشرق الأوسط»)
TT

محمود... طاهٍ فلسطيني بارع عمره 11 عاماً

محمود أبو ندى خلال العمل («الشرق الأوسط»)
محمود أبو ندى خلال العمل («الشرق الأوسط»)

دون اكتراث للنيران المشتعلة تحت وعاء الطهو المعدني الممتلئ بمزيج الطماطم الحار، يقف الشيف مرتدياً بزته المخصصة لعمله، ويقلب بيديه الصغيرتين الخليط بواسطة ملعقة خشبية، ويتنقل بخفة ومهارة لتقطيع اللحوم الصغيرة وإضافتها الى الخليط. وفي الوقت نفسه يعمل على تزيين الأطباق المجهزة لسكب الطعام فيها بشكل جذاب، تمهيداً لتقديمه للزبائن في أحد المطاعم الفلسطينيّة بقطاع غزة.
قد يتبادر إلى الذهن أنّ من قام بالعمل شيف عمره لا يقل عن 40 أو 50 عاماً، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالصبي محمود أبو ندى البالغ من العمر 11 عاماً هو من أتقن إعداد الوجبة وتفنن فيها معتمدًا على شغفه الذي دفعه إلى الطهو منذ نعومة أظافره.
بدأت تجربة محمود الذي عاش اللجوء في مخيم الشاطئ غرب غزة بين جدران منزله، فقد لاحظت والدته قبل ثلاث سنوات أنّ طفلها المدلل يجيد إعداد المأكولات المفضلة ذات النكهة الفلسطينية التي يعتاد أفراد العائلة على تناولها، وكان يطلب باستمرار ملازمتها في المطبخ، فكانت ترفض خوفاً عليه من اشتعال النار أو استخدامه الأدوات الحادة.
وذات يوم خرجت عائلته للتنزه قليلًا فاستغل الطفل غيابهم ودخل المطبخ حيث أعدّ لهم مائدة ذات أصناف متنوعة من الأرز، السمك، السلطات الشرقية والغربية، وعندما عادوا كانت المفاجأة ودهشوا كثيرا بهذه الموهبة وفرحوا بها. غير أن الفرحة لم تستمر طويلاً، فقد اكتشف الأطباء أن محمود مصاب بسرطان الدم، وهو ما حاولت أمه إخفاءه عنه بزعمها أنه مرض بسيط سيُشفى منه بعد وقت قصير، لكنه أدرك الحقيقة وقرر مقاومة المرض بإصرار صلب وارادة قوية ومواصلة التحليق بحلمه.
ولم يتخذ محمود من ذلك ذريعة لجعل الناس من حوله يشفقون عليه، بل قرر أن يصنع مكانته بين كبار الطهاة إيمانا منه بموهبته. وبناء على ذلك، استثمر الوقت الذي منع فيه من الجلوس على المقعد الدراسي بسبب مرضه، لممارسة الطهو.
يقول محمود: "لم يقف المرض عائقا يحول دون تنمية موهبتي... رحلتي مع العلاج بدأت مع مؤسسة "بسمة طفل" التي تعتني بمرضى السرطان، وفي أحد الأيام كان هناك احتفال للأطفال المرضى زملائي، فطلبت من القائمين عليه أن أعد وجبة الطعام بنفسي وأقدمها لهم، وطهوت 60 وجبة في المطعم الذي استضاف المناسبة".
و يضيف محمود أنه في احتفال آخر للمؤسسة نفسها، اعتمد عليه زملاؤه المرضى في إعداد الطعام بعدما أحبوا التجربة الأولى. وبعد رفض شيف المطعم ذلك، اشترط عليه الخضوع لاختبار عملي، فأحضر له أصنافاً معينة من البهارات المستخدمة في الطبخ، وطلب منه التمييز بينها وتعداد استعمالاتها. كذلك دعاه لاستخدام السكين الحادة لتقطيع البصل شرائح صغيرة، فأنجز المهمّتين بنجاح.
وكانت النتيجة أن جميع من كانوا في مطبخ المطعم صفقوا له بحرارة، واعتمدوه للعمل معهم ومشاركتهم إعداد أصناف الطعام، وبدأ قبل ثلاثة أشهر العمل بشكل يومي معهم في مطعم "أورجانو" المحلي مكتسبًا مهارات جديدة.
عن بعض المواقف التي حدثت معه أثناء العمل يقول محمود مبتسماً: "ذات مرة طُلب مني إعداد الهامبرغر لأحد الزبائن. وبعد انتهائه من الأكل استدعاني وقال إن الطعام ليس لذيذا وإني ما زلت صغيراً على العمل في هذه المهنة التي تحتاج إلى خبرة واسعة. وقفت أمامه بثبات وسألته: بما أن الوجبة لم تكن شهيّة لمَ تناولتها؟ فصدم من رديّ وقال مبتسماً: أنت لست طباخاً فحسب بل أنت ماهر أيضا. واكتشفت أنه افتعل ذلك ليمازحني ويختبر ردة فعلي. كما وعدني بالقدوم بشكل دائم حتى أعد له الطعام مرة تلو الأخرى".
ولأن محمود لم يبلغ بعد السن القانونية للتوظيف حسب قانون العمل الفلسطيني فهو يندرج تحت بند "متطوع"، ويحصل كل نهاية شهر على مكافأة من صاحب العمل ليستطيع شراء ما يحتاج إليه من أدوية.
ويطمح محمود أبو ندى إلى أن يمثل بلده فلسطين على المستوى العالمي من خلال المشاركة في مسابقات الطهو ليذيق العالم أطباقه ذات اللمسة الفلسطينية. كذلك يوجه رسالة إلى جميع الأطفال، وخصوصاً منهم المرضى في سنّه، فحواها عدم الاستسلام للواقع، وإعطاء أنفسهم مساحة لتحقيق الأحلام التي مهما اشتد عليها الظلام سترى النور يوماً.



التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
TT

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة «ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة غامرة. وقالت عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، البروفيسورة كاثرين هيمانز، لـ«بي بي سي»: «أحبُّ المجرّة البراقة والمتألِّقة بأضواء عيد الميلاد، كأنّ هذه ما كان عليه الكون وهو يبلغ من العمر 600 مليون عام فقط». تُظهر الصورة 10 كرات من النجوم بألوان مختلفة، تبدو مثل زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون. وهذه المرّة الأولى التي شاهد فيها العلماء كتلاً من النجوم تتجمَّع لتُشكل مجرّة مثل «درب التبانة»، فأطلقوا على المجرّة البعيدة اسم «اليراعة المتألّقة»، لتشابُهها أيضاً مع سرب من اليراعات متعدِّد اللون.

من مداره في الفضاء، من دون عوائق من الغلاف الجوّي للأرض، أظهر لنا أقوى تلسكوب على الإطلاق، مزيداً من المجرّات الأبعد، وبالتالي الأقدم؛ لكنها ليست مثل مجرّتنا في المراحل المُبكرة من التشكيل. ووفق الدكتورة لاميا ماولا، من كلية «ويليسلي» في ماساتشوستس، المُشاركة في قيادة البحث، فإنّ «البيانات الخاصة بما حدث في هذه المرحلة من الكون ضئيلة جداً». وأضافت: «هنا نُشاهد مجرّة وهي تتشكَّل حجراً بحجر. فالمجرّات التي نراها عادة حولنا تشكَّلت بالفعل، لذا فإنها المرّة الأولى التي نشهد فيها هذه العملية».

ووصفت البروفيسورة هيمانز، عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، والمستقلّة عن فريق البحث، الاكتشاف بأنه «رائع، ومهمّ علمياً وبالغ الاحتفاء»؛ وقالت: «مدهش أن يبني البشر منظاراً يتيح التطلُّع إلى الماضي البعيد جداً، فنرى هذه المراحل الوليدة جداً من المجرّة بطريقة احتفالية جميلة كهذه».

لغز الكون وعجائبه (ناسا)

وتختلف ألوان العناقيد النجمية باختلاف مراحل تكوينها، وفقاً للدكتورة ماولا: «إنها جميلة لأنّ الحياة الباكرة للمجرّة نشطة جداً. نجوم جديدة تولد، ونجوم ضخمة تموت، وكثير من الغاز والغبار حولها، وكثير من النيتروجين والأكسجين... بسبب الحالة التي هي فيها، تتراءى هذه الألوان الجميلة». عندما صادفت ماولا المجرّة، لم ترَ قط كتلاً من النجوم بمثل هذه الألوان الزاهية والمتنوّعة. قادها ذلك للاعتقاد بأنّ ثمة شيئاً مختلفاً حول هذا النظام، لذا تحقّقت من مدى بُعد ذلك. لدهشتها تبيَّن أنه يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية.

النور الآتي من «اليراعة المتألّقة» استغرق أكثر من 13 مليار سنة ليصل إلينا. صغير جداً وبعيد جداً، حدَّ أنه لم يكن بإمكان تلسكوب «جيمس ويب» رؤيته، لولا حظوظ المصادفة الكونية. وكان هناك تجمّع من المجرّات بين «اليراعة المتألّقة» وتلسكوب «جيمس ويب»، شوَّهت الزمكان لتمدُّد الضوء من المجرّة البعيدة، وتعمل بفعالية مثل عدسة مكبرة عملاقة.

يٌسمّي علماء الفلك هذه العملية «عدسة الجاذبية»، التي، في هذه الحالة، مكَّنت الباحث المُشارك الدكتور كارثيك أيير من جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وأعضاء آخرين من الفريق، من أن يروا للمرّة الأولى، تفاصيل مذهلة لكيفية تكوُّن المجرّات الأولى مثل مجرتنا «درب التبانة». وقال: «إنها تأخذ الضوء الآتي من اليراعة وتثنيه وتضخّمه حتى نتمكن من رؤيته بتفاصيل رائعة».