إيطاليا تتوقع حضور كل أفرقاء ليبيا مؤتمر باليرمو

تقارير تتهم بلجيكا بدعم الميليشيات المسلحة

TT

إيطاليا تتوقع حضور كل أفرقاء ليبيا مؤتمر باليرمو

أعلن رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي أن المؤتمر الذي تسعى بلاده لعقده في باليرمو خلال الشهر المقبل، سيكون «مؤتمر ليبيا وليس عنها»، لافتاً إلى أنه يتوقع حضور كل أفرقاء ليبيا الرئيسيين إلى المؤتمر، الذي سيعقد أيضا بمشاركة عربية ودولية واسعة النطاق.
وقال كونتي أول من أمس، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للحكومة الإيطالية، ونقلته وكالة الصحافة الفرنسية، إن المؤتمر المقرر عقده يومي 12 و13 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يستهدف تأكيد الاحترام الكامل لتولي المسؤولية من قبل ليبيين، وشمولية العملية التي هي جزء من خطة الأمم المتحدة، موضحا أنه عقد ما وصفه بلقاء طويل ومفصل مع المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني، لتبادل وجهات النظر حول الوضع في ليبيا، وأيضا حول مؤتمر باليرمو.
ونقل عن حفتر تأكيده المشاركة في المؤتمر، مما يضمن توافر حوار بنّاء يمثل فرضية عملية توحيد حقيقية، تتماشى مع التوقعات المستمرة للشعب الليبي، على حد قوله.
وتحدثت تقارير صحافية إيطالية عن زيارة وشيكة سيقوم بها رئيس الوزراء الإيطالي إلى تونس والجزائر لدعوة قادتها إلى المشاركة في المؤتمر، إذ قالت صحيفة «الميساجّيرو» الإيطالية، إنه من المتوقع أن يزور كونتي البلدين في الأيام المقبلة، وذلك في إطار التحضيرات لمؤتمر باليرمو حول الأزمة الليبية.
إلى ذلك، طالبت قبائل برقة علي العيساوي، وزير الاقتصاد والصناعة الجديد في حكومة السراج، بالاستقالة من منصبه، وجددت معارضتها تعيينه في هذه الحكومة لكونه أحد المتورطين في عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، الرئيس السابق لأركان الجيش الليبي عام 2011.
واعتبرت القبائل في بيان لها، عقب اجتماع عقدته أول من أمس في مدينة طبرق بشرق البلاد، أن حكومة السراج التي وصفتها بأنها «غير شرعية وغير معترف بها» تحاول إذكاء نار الفتنة، مشيرة إلى أن تعيين العيساوي في حكومة السراج، التي تحميها الميليشيات المؤدلجة، حسب تعبيرها، بدا وكأنه بمثابة تكريم له على اغتيال اللواء يونس في إطار مخططها لإنهاء الجيش الليبي عبر مسلسل اغتيالات ضباطه وجنوده.
في شأن آخر، تبنى تنظيم داعش المتطرف مسؤوليته عن العملية «الإرهابية»، التي استهدفت بلدة الفقهاء بوسط ليبيا، فجر أول من أمس، وأسفرت عن مصرع خمسة أشخاص، وخطف عشرة آخرين، وسط تنديد محلي ودولي بالهجوم الذي يعكس تزايد نشاط هذا التنظيم على الأراضي الليبية، بينما اعتبر فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، أنه يجب أن يكون سبباً آخر لتوحيد الجهود العسكرية والأمنية في البلاد.
وأضاف السراج في تصريح بثته وكالة الأنباء الموالية لحكومته، أنه «يجب الإسراع بالتكاتف وتوحيد صفوفنا لضرب واقتلاع الإرهاب من أرضنا، ومواجهة الأعمال الإرهابية الإجرامية التي تستهدف أمن واستقرار الوطن».
في سياق ذلك، ترأس فتحي باش أغا وزير الداخلية بحكومة السراج أول من أمس، اجتماعا أمنياً وعسكرياً رفيع المستوى، بهدف وضع خطة أمنية وعسكرية لتأمين منطقة الجنوب.
بدوره، طالب المجلس الأعلى للدولة، بفتح تحقيق فيما وصفه بالجريمة البشعة وملاحقة مرتكبيها، وحمّل في بيان له الجهات الأمنية مسؤولية ملاحقة مرتكبي الجريمة، والعمل على إطلاق سراح المختطفين، قبل أن يدعو إلى توحيد المؤسسة الأمنية، وحماية المواطنين من الهجمات الناتجة عن الانفلات الأمني الناجم عن الانقسام السياسي.
واتهم العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، تنظيم داعش بتنفيذ هذا الهجوم الإرهابي على منطقة الفقهاء، وأوضح في بيان له أول من أمس، أن عناصر التنظيم هاجمت بوابة الـ400 «واستشهد»، على إثرها أحد الجنود في البوابة، وجرح آخر.
في المقابل، نفى عثمان حسونة، عميد بلدية الجفرة، في تصريحات تلفزيونية أمس، إعلان المسماري مقتل جندي ليبي في الهجوم، وقال إن المتمركزين بالبوابة أجانب وليسوا ليبيين.
لكن المسماري قال لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن المنطقة العسكرية الوسطى، التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني، أكدت مقتل جندي ليبي وإصابة آخر، معتبرا أن هذه أمور عسكرية ليس لعميد البلدية أي علاقة بها، قبل أن يتوعد بالقضاء على تنظيم داعش.
من جهة ثانية، اعتبرت المفوضية الأوروبية أن ما وصفته بالسهر على حسن تطبيق العقوبات المفروضة على طرف ما «يدخل حصراً في صلاحيات الدول الأعضاء»، وذلك تعليقا على تقارير بشأن تسرب فوائد وعائدات أموال ليبية مجمدة في مصارف بلجيكية لصالح ميليشيات مسلحة.
ونقلت وكالة «آكي» الإيطالية، أول من أمس، عن المتحدثة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، تأكيدها عدم إمكانية تدخل المؤسسات في عمل الدول الأعضاء في التكتل الموحد.
وكانت تحقيقات صحافية قد تحدثت وفقا للوكالة عن تورط جهات عليا في بلجيكا في عمليات تحريك فوائد، وعائدات الأموال الليبية المجمدة لصالح ميليشيات ليبية مسلحة، مشيرة إلى أنه تم استخدام هذه الأموال بحسب التحقيقات في تمويل عمليات تهريب بشر وشراء أسلحة.
وطبقا لما بثته مؤسسة (آر تي بي إف) الإعلامية المحلية، الناطقة بالفرنسية، فقد كشفت مصادر بلجيكية مطلعة، النقاب عن معلومات جديدة، تفيد بتورط الدولة البلجيكية في تمويل ميليشيات ليبية مسلحة مسؤولة عن تهريب البشر.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.