غيب الموت، أمس، رائد فن الباستيل، التشكيلي المصري محمد صبري، عن عمر يناهز 101 عام. وهو الذي اشتهرت أعماله بالواقعية التي جسدت تفاصيل الحياة اليومية بكل تنوعها وزخمها، والمناظر الطبيعية، لا سيما في القاهرة القديمة وأسوان، وأيضاً في الأقاليم الإسبانية والمغربية التي قضي فيها مرحلة ثرية من حياته الفنية، مستخدماً في ذلك ألوان الباستيل. وبرع الفنان الراحل في تشكيل أروع القيم الجمالية بها عبر لمسات ناعمة تارة، وبتحقيق صراع غير تقليدي بين الظلال القاتمة والأضواء الساطع تارة أخرى، وقد عرف بقدرته على معايشة البيئة التي يرسمها، فكان ينقل للمتلقي روح المكان والزمان معاً عبر لوحاته الفنية.
ونعت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة المصرية، الفنان التشكيلي الرائد، وقالت: «إن الراحل يمثل علامة بارزة في الحركة التشكيلية في مصر والوطن العربي، وأحد روادها، وأول متخصص في فنون التصوير بألوان الباستيل. وتشكل أعماله جزءاً من تاريخ الأمة وكنوز الإبداع المصري».
ولد محمد صبري في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1917 بالقاهرة، وتخرج من المدرسة العليا للفنون التطبيقية (قسم تصوير) عام 1937، وأقام أول معرض خاص للوحاته في صالون «جولدنبرغ» بالقاهرة، عام 1943، وحصل على الجائزة الأولى في التصوير بالمهرجان الأدبي الفني الذي أقامته وزارة المعارف العمومية عام 1948، وبرع في استخدام ألوان الباستيل حتى أطلق عليه «رائد فن الباستيل». ووثقَ بأعماله أهم الأحداث التي عاشتها مصر، ومنها «معركة بورسعيد» عام 1956، وبناء السد العالي عام 1966، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973. ونال وسام الاستحقاق من درجة فارس من الحكومة الإسبانية عام 1961، ووسام الملكة إيزابيل من ملك إسبانيا عام 1988، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون من مصر عام 1997، واقتنت أعماله أهم المؤسسات والشخصيات في مصر والعالم.
من جهته، قال الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، لـ«الشرق الأوسط»: «خسرت مصر فناناً قديراً ينتمي إلى الجيل الثاني في الحركة الفنية المصرية، له بصماته البارزة التي ستبقى خالدة في الفن العربي، ونال مكانة واحتراماً بالغاً من جانب الجميع، ولم يكن يحب أضواء الشهرة، لكن عرفت الشهرة طريقها إليه، حتى أطلق عليه في أوروبا لقب (أستاذ الباستيل)».
وأضاف: «الفنان الراحل نموذج وقدوة للعطاء الفني والإبداع الذي سيبقى شاهداً على موهبة حقيقية وهبت نفسها للفن وتدريسه»، وتابع: «تأثر بالفنان عدد كبير من الفنانين من مختلف الأجيال في مصر والمنطقة العربية».
ووصف هاني صبري، نجل الفنان الراحل، لـ«الشرق الأوسط» السنوات الأخيرة من عمره قائلاً: «كانت مليئة بالإبداع، فقد كان والدي - رحمه الله - حريصاً على العطاء الفني حتى سنواته الأخيرة، ويعمل بحماس الشباب لعشقه للفن، حيث قطع رحلة طويلة من الإبداع الفني منذ نشأته في بولاق أبو العلا، في 21 من ديسمبر عام 1917، ذلك المكان الملهم بعراقته وزخمه الإنساني، ليتأثر في حياته الفنية به، ويحتفي بالمكان».
وأضاف هاني: «يظهر ذلك جلياً في أعماله، سواء عن القاهرة أو الأقصر أو أسوان أو إسبانيا أو المغرب، كما احتفي بالبورتريه لاهتمامه بتجسيد الناس الطيبين، وما يقف وراء ملامحهم من مشاعر ومعانٍ عميقة، وهي جوانب لا تقل أهمية عن اهتمامه بالباستيل في مشواره الفني الطويل الذي حصل خلاله على كثير من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1977».
من جهته، قال الفنان التشكيلي أشرف رضا لـ«الشرق الأوسط»: «صبري كان من أهم الفنانين الراعين للفنون في مصر، وأتمنى أن يتم توثيق كل أعماله، وتعريف الأجيال القادمة بأعماله وتاريخه الفني الحافل، الذي برع خلاله في تصوير العلاقة الوطيدة بين الناس والمكان، في لوحات تشغي بالحركة والحياة»، مضيفاً: «نكاد نسمع ما يدور داخل لوحاته من أحاديث وحكايات، ونعيش داخل بيوت ذات طرز معمارية يفوح منها عبق الماضي، بتفاصيلها الدقيقة من زخارف ومشربيات وأبواب ونوافذ عتيقة، وعبر قائمة ألوان دافئة تنقل إليك الإحساس بحميمية المكان والعلاقات بين الناس في الحواري والريف المصري».
وسبق للفنان الراحل تنفيذ عملين في عالم السياسة، ربما لا يكونان معروفين بين الجمهور بشكل لافت: الأولى لوحة رسمها عن خطاب السلام الذي ألقاه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في منظمة الأمم المتحدة عام 1961، والثانية لوحة «توقيع اتفاقية القاهرة» في عام 1971، التي تضم القادة العرب.
الموت يغيّب التشكيلي محمد صبري رائد «الباستيل» في مصر
عن عمر تجاوز المائة بعام
الموت يغيّب التشكيلي محمد صبري رائد «الباستيل» في مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة