فيلم سينمائي بالورقة والقلم

ترجمة عربية للرواية المصورة «من إسطنبول إلى بغداد»

أرنون غرونبرغ
أرنون غرونبرغ
TT

فيلم سينمائي بالورقة والقلم

أرنون غرونبرغ
أرنون غرونبرغ

عن دار صفصافة للنشر في القاهرة، صدرت في العام الماضي الترجمة العربية للرواية المصورة «من إسطنبول إلى بغداد» للروائي والصحافي الهولندي أرنون غرونبرغ (1971). وكانت الرسوم لفنان الكوميكس والكاريكاتير الهولندي هانكو كول. أما الترجمة للعربية فأنجزتها المترجمة البلجيكية تينا لافنت.
وكان المؤلف قد شارك في أسبوع الكوميكس في القاهرة الذي أقيم للسنة الرابعة على التوالي، وأطلق في ختامه الطبعة العربية لكتابه «من إسطنبول إلى بغداد».
كثيراً ما يكرر غرونبرغ أن قلمه ينتمي إلى الأدب العالمي برمته، وعلى رأسه الأدب العربي والإسلامي الذي نهل من تراثه، لا سيما أدب الرحلات مثل «السندباد البحري والبري» و«حكايات بن فضلان». وهو يكتب الشعر والرواية أيضاً، إضافة إلى المقالات والأعمدة والتقارير، ما أهله للفوز بعدد من الجوائز المعتبرة في المشهد الثقافي الهولندي، من أشهرها جائزة كونستانتين هيخنس عن أعماله الكاملة.
ولم يكن كتاب «من إسطنبول إلى بغداد» تجربته الوحيدة في عالم القصص المصورة، فقد سبقه كتاب آخر مع الرسام نفسه، وسجل فيه رحلة قام بها إلى العراق في عام 2008 عندما قصدها ليدوِّن مشاهداته عن الوضع السياسي والاجتماعي في بلاد الرافدين. وقد خرج من بغداد برغبة ملحة في العودة إليها لاعتقاده أن «الصحافة لا تكفي للبحث عن صوت هذه المدينة الغامضة، إنها في حاجة إلى روائي، يمسك بلحظاتها المهزوزة والمرتعشة».
في كتابه الجديد، يروي لنا رحلته بالسيارة من إسطنبول إلى بغداد عن طريق سوريا في عام 2010، تلك القلعة المدينية الرازحة تحت وطأة الصراعات الطائفية بعد تحررها من الديكتاتورية، والضاربة في التاريخ. إنها تتفجر من الداخل، ما يجعل أي مدينة أخرى مقارنة بها واحة سلام ووئام.
استناداً إلى التقارير التي نشرها المؤلف في جريدة «إن آر سي» الهولندية، وعلى زيارته المنطقة الحمراء ببغداد في عام 2009، خرج علينا بهذا السرد الذي شبهه أحد الصحافيين «بفيلم سينمائي، وإنما بالورقة والقلم». كان غرونبرغ قد أتى إلى الشرق بعقل شبه خالٍ من التحامل، لم ترهبه قراءات الأولين من المستشرقين الغربيين. وعندما زار بغداد في مسعاه إلى فك مغاليق المجتمع العراقي، وطبيعة التعقيدات التي تحكمه خلال فترة شائكة من تاريخه، شهد كيف أن إهمال التقارب الثقافي والحضاري بين الفرق المتباينة من الشعب الواحد لا يفضي إلا إلى مزيد من الانغلاق السياسي والاجتماعي.
هذا الرحالة النافر من الحضارة الأوروبية التي «تخلت عن سوريا» حسب قوله، يرشدنا بحكاياته إلى ما آلت إليه الأوضاع في شرقه «الساحر» ويدين أحزاب أوروبا اليمينية لما تصدِّره «من فاشية جديدة يجب التصدي لها». وهذا النوع من الوعي جعل رسام الكتاب يتسلح بأدوات رمزية، لنبصر رسومات تحدها أسلاك شائكة، ولقاءات بين المؤلف وعراقيين وأجانب، تؤطرها علاقةٌ متوترة بينه وبين مترجمته لمحاولتها التدخل في الترجمة وفقاً لأجندة سياسية خاصة بها. وفي نسق سريع لاهث، تبهرنا هذه الرسومات السردية الواقعية في رواية هي سياسية بالأساس على الرغم من رفض المؤلف تصنيفها في هذه الفئة.
يذهب غرونبرغ إلى حلب السورية، وهناك يلتقي بمصور يسْخر من قدرته على العبور إلى بغداد، بل ويتشكك في دوافعه. وبعدها يشق طريقه إلى الموصل برفقة السائق والمترجمة وفنان هولندي آخر. نتعرف كذلك على رمضان أوزتورك، أحد مصوري الحرب الأتراك، الذي اكتسب شهرة عالمية حين التقط صورة «الشاهد الصامت». وكانت لامرأة وطفلها الميتين إبان حملة «الأنفال» على مدينة حلبجة العراقية في مارس (آذار) 1988 في الأيام الأخيرة من الحرب العراقية - الإيرانية عندما شن وزير الدفاع العراقي علي حسن المجيد الهجوم الكيماوي على المدينة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 5500 من المدنيين الأكراد في حادثة حملت علامات الإبادة الجماعية. معهم أيضاً كان شبح فتاة نهضت من صورة المصور التركي السابق ذكره. كانت قد رافقت المؤلف في رحلته، حاورته وناقشته في انطباعاته حتى وصل إلى العراق.ررر
سوف يتفاعل القارئ بسهولة مع تقليص الكاتب المساحة المعهودة بين خفة فن الكوميكس وثقل المدلولات الأدبية، فرسالته الأخلاقية والثقافية تبدو واضحة كل الوضوح: تتعافى المجتمعات في مدى تقبلها للاختلاف ومدى اختلاف فئاتها من حيث العرق واللون والدين.



حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.