ماذا لو قررت الدول المصدرة لأغشية تحلية مياه البحر التوقف عن تصديرها لدولة ما، كرد فعل على مواقف سياسية يتم اتخاذها؟ خاصة إذا كانت تلك الدولة المستوردة، تعتمد بشكل كبير على مياه البحر المحلاة!
في مصر ومع المخاوف من حدوث تداعيات سلبية على حصة مصر من مياه النيل، بسبب سد «النهضة» الإثيوبي، بدأت مراكز أبحاث مصرية تدخل في سباق محموم من أجل الوصول إلى سر تصنيع أغشية تحلية مياه البحر.
وقد دخلت مصر فعليا خط الفقر المائي، المقدر من قبل الأمم المتحدة بنحو ألف متر مكعب سنويا للفرد، بعدما تناقص نصيب الفرد من المياه حتى وصل 650 مترا مكعبا سنويا، وهو ما جعل السلطات تعتبر امتلاك تقنيات تحلية مياه البحر ضرورة لا بد منها.
أغشية التحلية
أحد المحاولات البحثية المهمة كان بطلها فريق بحثي من المركز القومي للبحوث وجامعات بنها والجامعة الأميركية والجامعة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا في مصر، حيث نجح الباحثون في التوصل إلى تقنية لإنتاج الأغشية من سيللوز المخلفات الزراعية (المركب الأساسي في الخلايا النباتية)، ونشروا نتائج ما توصلوا له في «دورية العلوم التطبيقية» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014.
اعتمدت التقنية على إنتاج أسيتات سيللوز من السيللوز المستخرج من المخلفات الزراعية، بعد إضافة حمض الخليك منزوع المياه إلى السيللوز.
وحمض الخليك منزوع الماء هو العنصر الأغلى سعرا في تكلفة تحويل سيللوز المخلفات إلى أغشية أسيتات سيللوز، وهي المشكلة التي عمل الفريق على علاجها بإنتاج هذا الحمض محليا.
ويصل سعر المتر من هذا الحمض إلى ألفي جنيه (نحو 120 دولارا)، فضلا عن وجود صعوبات في استيراده، لأنه يدخل في تصنيع الأسلحة الكيماوية والمخدرات، ولا تتمكن أي جهة بخلاف المؤسسات البحثية من استيراده.
إلا أن الفريق البحثي نجح في تحضير الحمض منزوع الماء مختبريا، بتعريض حمض الخليك إلى درجات حرارة، للوصول إلى درجة غليان تسمح بفصل جزيئات الماء.
وكان نجاح الفريق البحثي في تحضير حمض الخليك المستخدم في تحويل السيللوز إلى أستيات السيللوز مشجعا على المضي في الخطوات التالية، التي يشرحها د.محمد عبد الهادي، الباحث بالجامعة اليابانية وأحد أعضاء الفريق البحثي الذي يقول: «بعد الوصول إلى تصنيع أسيتات السيللوز، تم إضافة مركبات BBS)، (BVB، و(BEG)، الداعمة للبوليمر، وإجراء عملية أخرى لإذابتها للتحول من الحالة السائلة إلى الحالة لزجة القوام».
ويضيف: «تسمح تلك الحالة اللزجة في صب تلك المادة على ألواح زجاجية، ليتم تركها لفترة ثم يتم نزعها من الألواح الزجاجية، لتستخدم بعد ذلك في التنقية».
محاولة أخرى خرجت من فريق بحثي في جامعة الإسكندرية، حيث نجح في وصف تقنية تعمل على ترشيح المياه شديدة الملوحة وتحليتها في غضون دقائق. واعتمدت تلك التقنية، التي نشرت في دورية علوم وتقنيات المياه، في أغسطس (آب) 2015، على أغشية تحتوي على مسحوق «أسيتات السيللوز» ومكونات أخرى تحتجز الملح عند مروره من خلالها.
الفكرة تعتمد على «التبخير الغشائي»، أي ترشيح المياه أولا من خلال غشاء، لإزالة الجزيئات الكبيرة، ثم تسخن حتى تتبخر، ثم يكثف البخار بعد ذلك للتخلص من الشوائب الصغيرة، وتجمع المياه النظيفة.
إنتاج محلي
يقول د. أحمد الشريف الباحث بقسم الهندسة الزراعية والبيولوجية بجامعة الإسكندرية، وأحد المشاركين في الدراسة لـ«الشرق الأوسط»، إن وحدات التحلية المستخدمة حاليا تعتمد على أغشية يتم استيرادها من الخارج، وطاقة لتشغيل هذه التقنية، ومضخات ذات ضغط مرتفع، ومواسير خاصة تتحمل هذا الضغط.
ويضيف: «كل هذه العناصر مستوردة من الخارج، بينما تكنولوجيا (التبخير الغشائي) تعتمد على صنع غشاء من مكونات محلية تمرر من خلاله المياه في درجة حرارة لا تتعدى 50 درجة مئوية لتتبخر، وتمر على الغشاء قبل أن تتكثف لتصبح مياها صالحة للشرب بنسبة أملاح في مستوى المياه الطبيعية».
كل هذه المحاولات البحثية تعطي أملا في أن مصر وضعت قدما على الطريق الصحيح، ولكن الوصول إلى نهاية هذا الطريق يحتاج إلى خط إنتاج لتصنيع هذه الأغشية بأحجام كبيرة، وكذلك ماكينات للف هذه الأغشية، وهو الأمر الذي يعمل عليه باحثون ضمن تحالف بحثي خاص بتحلية مياه البحر أطلقته أكاديمية البحث العلمي المصرية نهاية العام الماضي.
يقول د. حسام شوقي مدير مركز التميز المصري لأبحاث تحلية المياه بمركز بحوث الصحراء، لـ«الشرق الأوسط»، إنهم «انتهوا الآن من تصنيع ماكينات اللف، واستخدموها في لف أغشية خام تم استيرادها من الخارج، ويعملون حاليا بالتعاون مع الباحثين في اتجاه إنتاج الأغشية ذات الحجم الكبير».