وسائط دماغية «خارقة» للمقاتلين

تقنيات غير جراحية للتواصل بين الجنود وبين آلات خارجية

وسائط دماغية «خارقة» للمقاتلين
TT

وسائط دماغية «خارقة» للمقاتلين

وسائط دماغية «خارقة» للمقاتلين

حتى اليوم، ركّزت برامج علم الأعصاب التي يقودها الجناح العلمي الملقب بـ«المجنون» لوكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) على تقنيات مصممة لمقاتلي الحروب الذين عادوا وهم يعانون من إعاقات جسدية أو دماغية. فقد موّل البرنامج مثلاً بحثاً حول الأطراف الصناعية الموصولة بالنظام العصبي، إضافة إلى عمليات زراعة في الدماغ من شأنها أن تعالج اضطراب التوتر الناتج عن الصدمات.

قدرات خارقة
ولكن طرق القتال التي يعتمدها المقاتلون في الحروب تتغيّر، ممّا يفرض التغيير على أولويات «داربا» أيضاً. في مؤتمر عقد في سبتمبر (أيلول) الماضي للاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس «داربا»، تحدّث المسؤولون عن الهدف المقبل لأبحاث علم الأعصاب، وهو تطوير تقنيات تزود المقاتلين بقدرات خارقة.
يقول آل إيموندي، مدير أحدث برامج التقنيات العصبية في «داربا»: «يحتاج مقاتلو الحروب إلى وسائل جديدة للتواصل مع الآلات والتعامل معها. ولكنّ معظم التقنيات المطوّرة لهذه الغاية تتطلّب عمليات جراحية. والتقنيات التي تحققت حتى الآن لن تقودنا إلى ذلك الهدف».
يعتزم برنامج «الجيل القادم للتكنولوجيا العصبية غير الجراحية – إن3» (N3) تمويل بحث حول تقنية تستطيع نقل إشارات عالية الدقة بين الدماغ وآلات خارجية دون أن تتطلّب جراحة لأي وصلة، أو زراعة في جسد المستخدم. وقد أعلن عن هذا البرنامج في مارس (آذار)، ويعمل إيموندي حالياً على اختيار باحثين سيحصلون على التمويل بموجب البرنامج نفسه. وخلال حديث أجراه موقع جمعية المهندسين الكهربائيين الأميركية الإلكتروني، وعد إيموندي بإعلان مهم في أوائل عام 2019.
ولم يغب عن انتباه «داربا» أنّ النجاح في تطوير تقنية لا تتطلّب جراحة دماغية تتيح للأشخاص التمتع بقوى خارقة قد يفيد أيضاً في مجالات أخرى غير الجيش. إذ إن التقنية التي قد يخرج بها برنامج «إن3» قد تؤدي إلى ظهور منتجات استهلاكية، بحسب ما أفاد جاستن سانشيز، مدير مكتب التقنيات البيولوجية في «داربا»، الذي لفت إلى أن «تقنية مشابهة قد تؤدي إلى ظهور صناعات جديدة».

تقنيات غير تدخلية
يتألف هذا البرنامج من مسارين: الأول للباحثين الذين يطوّرون تقنيات غير تدخلية على الإطلاق، والآخر للباحثين الذين يعملون على تقنيات «قليلة التدخل»... وكلتا الفئتين تحتاجان إلى بعض الشرح.
> التقنيات غير التدخلية على الإطلاق: قد يبدو مفاجئاً أن تركز «داربا» على هذا المجال البحثي، لأن الكثير من التقنيات العصبية غير التدخلية باتت موجودة فعلاً. فقد أصبحت مثلاً الأقطاب الكهربائية توضع ببساطة على فروة الرأس في كلّ من عمليات تخطيط الأمواج الدماغية، وهي تقنية تستخدم لقراءة إشارات الدماغ منذ عقود، وفي تقنية التحفيز المباشر عبر الجمجمة، وهي وسيلة لتحفيز الدماغ يتمّ اختبارها حالياً كعلاج للاكتئاب، وتعزيز القدرات الرياضية، وغيرها الكثير.
ولكنّ سانشيز يقول إن هذه التقنيات المتوافرة حالياً لا تؤمّن نقلاً دقيقاً كالذي تتطلّبه خطط «داربا». ويهدف برنامج «إن3» إلى تطوير تقنية غير تدخلية جديدة من شأنها أن تربط الأداء العالي الذي تقدّمه اليوم الأقطاب الكهربائية المزروعة والمتصلة بنسيج الدماغ، والمتصلة بالتالي مباشرة بالأعصاب، لتسجيل الإشارات الدماغية عندما تنطلق الأعصاب في عملها أو لتنشيطها بهدف الانطلاق بهذا العمل.
يتطلّب برنامج «إن3» تقنية غير تدخلية تستطيع قراءة الإشارات وكتابة المعلومات في ملليمتر مكعّب واحد من النسيج الدماغي، وخلال 10 مللي ثانية. ويقول إيموندي إنّه للحصول على هذه الدقّة المكانية والزمانية رغم وجود حاجز الجمجمة، سيكون على الباحثين أن يجدوا وسائل جديدة لرصد النشاط العصبي. ويسأل: «عندما ينطلق عصب ما في عمله، يغيّر انعكاسه... هل يمكننا أن نلتقط هذه الإشارة البصرية؟ ويصدر أيضاً موجة صوتية... هل يمكننا أن نلتقطها؟»
* تقنية قليلة التدخّل: ابتدعت «داربا» هذه الكلمة لتفادي الإشارة إلى «الجراحة التنظيرية». لا تريد الوكالة لتقنيتها الدماغية الجديدة أن تتطلّب أي شقّ جراحي مهما كان صغيراً. بل تريد لتقنيتها القليلة التدخل أن تتسرّب إلى الجسم على شكل حقنة، أو حبّة دواء، أو حتى رذاذ من الأنف. يتخيّل إيموندي «محولات نانونية» تثبت داخل الأعصاب، لتحوّل الإشارة الكهربائية عندما تشتعل إلى نوع آخر من الإشارات التي يمكن التقاطها عبر الجمجمة.

استخدامات متنوعة
في نهاية البرنامج الذي سيمتد لأربع سنوات، تتوقع «داربا» من جميع الباحثين أن يكونوا جاهزين لعرض تقنيتهم الخاصة لأداء «أحد المهمات في مجال الدفاع». فقد تتحدّث إحدى التقنيات مثلاً عن إشارات دماغية لقيادة طائرة ذاتية القيادة أو للتحكّم بطائرة حربية في محاكي للطيران (كما حصل مع جان شويرمان المصابة بالشلل عام 2015 في زراعة الدماغ).
عند سؤاله عن الاستخدامات الأخرى لهذه التقنية، قال إيموندي إنّه يحب فكرة استخدام هذه التقنية في «الدفاع السيبراني النشط»، حيث إنها ستتيح للخبراء الأمنيين اكتشاف أي اختراق قد يحصل، شارحاّ أنّه «بدل أن يكونوا على الشبكة، سيكونون في قلب الشبكة».
إنّ أي تقنية يتمّ تطويرها في إطار برنامج «إن3» ستكون مجرّد دليل إثبات على المفهوم المطروح، وستتطلّب ترخيصا قانونيا قبل أن يتمّ استخدامها من قبل مقاتلي الحروب، أو من قبل الأفراد. ولكن يبدو أن هذه التقنية الدماغية الاستهلاكية قادمة لا محالة في ظلّ استثمار بعض من أكبر أسماء سيليكون فالي في مجال التقنية العصبية أيضاً.
يقول سانشيز إن تسهيل استخدام التقنيات الدماغية سيفتح الباب على مصراعيه للجميع. ويضيف: «نستطيع أن نتخيّل المستقبل وكيف سيكون في ظلّ استخدام هذه التقنية. ولكنّ هذا الأمر سيسمح لملايين الناس بتخيّل مستقبلهم الخاص أيضاً. أي ماذا يريدون أن يفعلوا بدماغهم».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة
TT

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

إن مسألة ما إذا كان الانحباس الحراري العالمي يتسارع، هي مسألة مثيرة للجدال بشدة بين علماء المناخ، ففي حين زعم ​​البعض أن معدل الانحباس الحراري الحالي -الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في العام الماضي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة انبعاثات الوقود الأحفوري وبالتالي يتماشى مع نماذج المناخ الحالية؛ يُحذر آخرون من أن الأرض أضحت أكثر حساسية لتأثيرات الوقود الأحفوري مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البشرية تتجه نحو نقاط تَحوّل لا يمكن العودة منها.

وتيرة ارتفاع الحرارة أقل داخل مومباي والقاهرة

في دراسة حديثة، زادت مجموعة من الباحثين من جامعة ملبورن تعقيد هذا النقاش من خلال تحليل معدلات الانحباس الحراري في جميع أنحاء العالم والأسباب المحتملة للاختلافات الإقليمية.

النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها: تزداد حرارة الكرة الأرضية بمعدل أسرع، لكن هذا التسارع يحدث بشكل غير متساوٍ. ولكن من المثير للدهشة أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع التركيزات الكبيرة من الفقر -المدن الكبرى مثل القاهرة ومومباي-ـ ترتفع درجة حرارتها ببطء أكثر من المراكز الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية.

دقائق الهباء الجوي تعكس أشعة الشمس

لماذا؟ وجد الباحثون أن الكمية الكبيرة من دقائق الهباء الجوي في الهواء في المدن شديدة التلوث تعكس ضوء الشمس إلى الفضاء، وعلى الأقل في الأمد القريب، يمكن أن يكون لها تأثير تبريدي صافٍ على السكان.

وأشادت إديث دي جوزمان، المتخصصة في سياسة التكيف في مركز لوسكين للابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، بالباحثين، على عملهم.

وأكد مؤلفو الورقة البحثية أن النتيجة لا ينبغي أن تؤخذ على أنها علامة جيدة. فمن ناحية، من المرجح أن تكون مؤقتة فقط. وثانياً، تأتي الحماية، كما هي، فقط من الملوثات الضارة. ووافقت دي جوزمان على هذا الاستنتاج، قائلةً إن الاحترار المتسارع يعني أن «السكان الذين هم بالفعل عُرضة بشكل صارخ لمجموعة متنوعة من الظلم البيئي والمناخي سوف يكونون أكثر عرضة للخطر».

التخلص من التلوث الجوي يزيد الحرارة

ومع تطور البلدان اقتصادياً، تميل حكوماتها إلى تبني سياسات لتنقية البيئة من التلوث، ولكن مع صفاء الهواء، سوف تتعرض الفئات السكانية الضعيفة لخطر التعرض للحرارة الشديدة. وقد قدم كريستوفر شوالم، مدير برنامج المخاطر في مركز «وودويل لأبحاث المناخ»، مثال الصين، حيث بدأت الحكومة في تجهيز محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بتقنيات الحد من الانبعاثات مثل أجهزة التنظيف، لمنع السخام من التسرب من المنشأة. وقال إن مثل هذه التدابير جيدة لجودة الهواء، لكنها ستسمح بتسرب مزيد من الحرارة من الشمس.

الفقر يزيد تأثيرات ارتفاع الحرارة

وسوف يكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكيفات الهواء والمناطق المظللة. وأضاف شوالم: «كلما كنت أكثر فقراً، ارتفعت درجة الحرارة، حيث تكون الحرارة استعارة لجميع أشكال اضطراب المناخ».

وأوضح شوالم أن المجتمع العلمي لديه نحو ثلاثين نموذجاً مناخياً متطوراً للغاية يُنظر إليه بشكل جماعي على أنه «لجنة من الخبراء» حول مسار الانحباس الحراري العالمي. يعتقد أن دراسة الاحترار المتسارع مفيدة لأنها يمكن أن تساعد البلدان على التخطيط لتدابير التكيف مع المناخ وفهم مدى واقعية أهداف سياسة المناخ الحالية -أو عدمها.

تغيرات مناخية مؤثرة

في العام الماضي، لم يحقق العالم أهداف الانبعاثات من اتفاقية باريس لعام 2015، وهو في طريقه لفعل نفس الشيء هذا العام. أصبح العلماء أكثر صراحةً بشأن ما تسمى وفاة التزام اتفاقية باريس بالحفاظ على العالم دون زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، في محاولات لإجبار صناع السياسات على التعامل مع حتمية موجات الحر المتفاقمة والأحداث الجوية المتطرفة القادمة.

يقدم مؤلفو ورقة ملبورن رؤى مطلوبة بشدة حول شكل المستقبل وكيف يجب على الدول الاستعداد: «يجب أن تشجع نتائجهم «استراتيجيات التكيف مع المناخ المستهدفة» الموجهة إلى أفقر المجتمعات الحضرية في جميع أنحاء العالم.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».