صحافة تخدم نماء الوطن

صحافة تخدم نماء الوطن
TT

صحافة تخدم نماء الوطن

صحافة تخدم نماء الوطن

الشيء الوحيد الذي أعرفه تماماً، أنني تعلّمت من تجاربي الصحافية أكثر بكثير مما تحصّلت عليه من الدكتوراه... تجارب رئاسات تحرير وكتابة الرأي اليومية والأسبوعية من «الشرق» لـ«الجزيرة المسائية» لـ«عكاظ» لـ«الرياض» لـ«الجزيرة» لـ«الشرق الأوسط» لـ«اليوم» لـ«اليمامة»، جعلتني أدرك أن الصحافة الجادة هي التقدير الصائب على واقع النظام الاجتماعي السياسي الاقتصادي!
لا أعرف أسباب فشل معظم تجاربي الإعلامية في البلد، لكن ما أعرفه أن الذكاء المهني لا ينفع وحده - بالمطلق - في مجتمعنا مقارنة بالذكاء الاجتماعي والعلاقات الإدارية الذكية مع مجالس الإدارات، في ظل نظام المؤسسات الصحافية الخاص والمغلق بضبّة ومفتاح، والمرونة في التعاطي مع مؤسسات المجتمع... قناعتي من كل هذه التجارب أننا في السعودية في حاجة إلى نظام إعلامي شامل للصحافة المطبوعة والمرئية والمسموعة والإعلام الجديد مشتملاً على رؤية متفتّحة بعقلية قادرة على أن تعجّل بانتقالنا إلى مجتمع المعلومات Info - Society. فالشروط غير الشروط والتخوم غير التخوم في كل شيء؛ فأنظمة المؤسسات الصحافية والمطبوعات والنشر القديم والبديل وأسقف العمل الإذاعي والمرئي كلها في حاجة إلى النسف للتماهي مع شارع مسيّس اليوم وما يقارب الـ12 مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية هم رقم «1» مقارنة بـ50 مليون مستخدم في بلد كأميركا..
أنا تعلمت من تجاربي الفاشلة لأسباب مجتمعية مؤسسية، أن عقليات من يصنعون القرار لإدارة وسائل الإعلام غير مؤهلة - بالمجمل - لن تكون منتجة وتخدم النظام الاجتماعي السياسي الاقتصادي، ولن تشكّل رأياً عاماً نشطاً مشاركاً ومنتجاً لمجتمعه.
النظام الإعلامي المرتجى هو في صالح البلد وأولوية لشيء بالغ الأهمية (ألا وهو صناعة مهنة لا الاستمرار في سياسة الوظيفة ودق كروت الدوام وشغل العلاقات العامة والمصالح الرأسمالية مع رعاة وممولين ومعلنين).
نحن على مدار نصف قرن من صحافة الأفراد لصحافة الدمج لنظام ما يسمّى المؤسسات الصحافية لم نصنع شيئاً لـ10 خطط تنمويّة بكل أسف في بلد ضخ مئات المليارات لتحويل البلد إلى بلد مؤسسات صنع معجزة في ظل إعلام يتفرّج.
العمل الإعلامي لدينا (حكومياً أم خاصاً) غير مؤهل لتلبية طموحات حكومة جريئة وقيادة تريد صناعة مستقبل منتج لا مستهلك في الرقميات والحكومة الإلكترونية وإعادة إنتاج المعلومة كمدخلات ومعالجات، وإعادة إنتاج قابلة للتسويق داخل المجتمع وخارجه.
أضحك كثيراً على كل من يصرخون اليوم بموت الصحافة الورقية - المطبوعة - وهي مسألة عقم تفكير أكثر من تفكير إسعافي حكومي لإنقاذ فنائها.
قناعتي قوية وأعرف ما هو المطلوب لمنطق بسيط، ألا وهو أنه لم تنهِ وسيلة إعلامية وسيلة قبلها من السينما والصحافة والإذاعة والتلفزيون ووصولاً للإعلام البديل... الوسائل منظومة تخلق عادات يصعب نسفها؛ لذلك هي متكاملة واعتماديتها على بعضها بعضاً مسألة محسومة بالتجربة والدراسات والأبحاث... المهنيّة الحقيقية ترفع من سقف التنافسية بين الصحافيين والقياديين ومحكومة بإضبارات مواثيق تحميها من الانحرافات عن خطوط التفكير والصناعة والمنافسين وعدم الانجرار لتصبح ذراعاً لخدمة السياسة الخارجية لأي نظام سياسي.
الصحافة هنا تصبح مجرد وعاء للاستنتاجات والتخرصات، وخلط الرأي بالخبر، والحوار الريبورتاجات والتقارير الخاصة، وهو لا يصنع إلا رأياً عاماً مشوّهاً مضللاً وخاملاً ولا يخدم أنظمة الوطن... خبراتي الناجحة كانت في الإعلام الدولي من 9-11-2001، «كروفورد1» و«كروفورد2»، والدبلوماسية العامة، والإعلام فائق الذكاء للرأي العام العالمي والعربي والنخب المحليّة، وتحرير الوطن من تلبيّسه ثوب القاعدة، مروراً بالحرب على الإرهاب ورئاسات شركات إعلامية في القطاع الخاص قد تكون هي أنجح تجاربي تقريباً.
الحديث طويل في هذه الهموم، وبالأخص الأكاديمية، التي أعتز بها وبطلابي وإنتاجي العلمي والبحثي، وهي ما أعتز به كثيراً.
* إعلامي سعودي


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.