العالم من الصناعة إلى التفكيك في «جسد متألِّم»

العالم من الصناعة إلى التفكيك في «جسد متألِّم»
TT

العالم من الصناعة إلى التفكيك في «جسد متألِّم»

العالم من الصناعة إلى التفكيك في «جسد متألِّم»

صدر حديثاً عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة كتاب «جسدٌ متألَم... صنع العالم وتفكيكه» للكاتبة الأميركية إلين سكاري، ترجمة الناقد الدكتور حسام نايل، أستاذ النقد الأدبي بالمعهد العالي للنقد الفني.
يشير المترجم في معرض تقديمه للكتاب إلى أنه يعد تأملاً فلسفياً أصيلاً وعميقاً في قابلية الجسد البشري للانجراح، وتحليلاً للمفردات الأدبية والسياسية والفلسفية والطبية والدينية المستعملة في وصف هذه القابلية.
وحول المرتكزات التي يستند إليها في هذا السياق، يقول المترجم إن مؤلفته إلين سكاري تؤسس تحليلها على مجموعة واسعة من المصادر، تشمل الأدب والفن وتواريخ الحالة الطبية، ووثائق التعذيب، سواء شهادات مسجونين سياسيين أو سجلات محاكمة الجلادين، وكتابات شخصيات من أمثال كلاوزفيتر وليدل هارت وتشرشل وكيسنجر عن الحرب، بالإضافة إلى سجلات محاكمات مدنية معاصرة.
ويلفت المترجم إلى أن المؤلفة تبدأ من حقيقة أن الألم الجسدي غير قابل للتعبير عنه، ملاحظةً قدرته على هدم اللغة وشبه استحالة وصفه. كما تحلل العواقب السياسية الناتجة عن تعمد إلحاق الألم والإصابة، لا سيما في حالات التعذيب والحرب، موضحة كيف «تُفَككُ» الأنظمة الحاكمة العالم الفردي عند ممارستها السلطة. ثم تنتقل سكاري من تحليل النشاطات التي «تهدم» العالم إلى مناقشة النشاطات التي «تصنع» العالم، انطلاقاً من الكتاب المقدس بعهديه، وأعمال ماركس: أفعال الخلق التي تظهر في اللغة وأشياء الحضارة المصنوعة.
ويُشير المترجم إلى أن «ميزة هذا الكتاب - وهي ميزة مستمدة من المنهج الفلسفي بعامة - أن تحليلات المؤلفة للجسد المتألَم التي خصصتها بحال الألم في بنيتي التعذيب والحرب، ثم بأصوله القديمة في الكتاب المقدس وبأصوله الحديثة في كتابات ماركس (من حيث علاقته الجوهرية بالتخيل والصنع وبنية الإسقاط والتبادل)، من الممكن تعميمها على أي حال من أحوال الألم يتعرض لها الجسد البشري».
يُشار إلى أن المؤلفة إلين سكاري من مواليد الولايات المتحدة الأميركية عام 1946، وعملت أستاذة اللغة الإنجليزية والأدب الأميركي بجامعة بنسلفانيا سابقاً، وتعمل حالياً أستاذة الجماليات ونظرية القيمة العامة بجامعة هارفارد، وتشمل اهتماماتها «نظرية التمثيل، ولغة الألم الجسدي، وبنية الصُنع اللفظية والمادية في الفن والعلم والقانون»، وهي عضو منتخب في الجمعية الفلسفية الأميركية، وحصلت على جائزة ترومان كابوت في النقد الأدبي عام 2000 عن كتابها «الحلم بالكتاب».
والناقد الدكتور حسام فتحي نايل أكاديمي مصري من مواليد محافظة الجيزة يوليو (تموز) 1972، تلّقى تعليمه الثانوي بمدرسة «الأورمان الثانوية النموذجية»، حاصل على ماجستير ودكتوراه الآداب في النقد الأدبي الحديث (دراسات التفكيك)، كلية الآداب جامعة القاهرة، يعمل مدرساً للنقد الأدبي بالمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون بالقاهرة. وقد ترجم عدداً من الكتب التي تُعنى بالتفكيك، منها «دروس التفكيك: الإنسان والعدمية في الأدب المعاصر - دار التنوير، الطبعة المُحدَّثة 2014»، و«أيان ألموند، التصوف والتفكيك: درس مقارن بين ابن عربي ودريدا - المركز القومي للترجمة، طبعة أولى 2011»، و«جاك دريدا، بول دي مان، وآخرون: مدخل إلى التفكيك (البلاغة المعاصرة)، تحرير وترجمة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2013».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.