لبنان: مخاوف من عودة ألف مقاتل ذابوا في بحر المتشددين في إدلب

إجراءات لضبط معابر التهريب الحدودية... ودعوات لاستراتيجية لا تقتصر على المقاربة الأمنية

مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
TT

لبنان: مخاوف من عودة ألف مقاتل ذابوا في بحر المتشددين في إدلب

مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)

تجددت المخاوف اللبنانية من تسلل عناصر متشددة عائدة من سوريا والعراق إلى لبنان، إثر تصاعد عمليات التهريب عبر قنوات غير شرعية من سوريا إلى العمق اللبناني، يتكفلها أشخاص لبنانيون وسوريون، وتُقابل باستنفار أمني لبناني على الحدود وفي الداخل، وسط معلومات عن ألف لبناني كانوا ملتحقين بتنظيمات متطرفة في سوريا، باتوا في إدلب، تحتاج معالجة أمورهم إلى استراتيجية تضعها السلطات اللبنانية، لا تقتصر على المقاربة الأمنية.
ونشطت عمليات التهريب أخيراً عبر الحدود اللبنانية السورية، إثر إحكام القوات النظامية السورية سيطرتها على الحدود مع لبنان؛ وهو ما رفع وتيرة الإجراءات الأمنية التي تفرضها السلطات اللبنانية في المنطقة الحدودية وفي الداخل؛ منعاً لتسلل الأشخاص، ومنعاً لأن يكون بينهم متشددون عائدون من القتال في سوريا والعراق.
وقالت مصادر عسكرية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إن عمليات التهريب في منطقة البقاع، وخصوصاً من جهة بلدة الصويري اللبنانية «ليست جديدة»، وإن هناك محاولات دائمة من قبل المهربين لتهريب الأشخاص من سوريا إلى لبنان عبر تلك المنطقة. وأكدت المصادر في الوقت نفسه، أن الجيش اللبناني يتعامل مع تلك الوقائع عبر «تنفيذ دوريات دائمة وكمائن، لمنع تسلل الأشخاص إلى العمق اللبناني». وأكدت المصادر، أن الجيش اللبناني «يوقف على الدوام المتسللين، ويسلمهم للأمن العام».
غير أن ملف التسلل، ينطوي على مخاطر كثيرة لجهة تسرب عناصر متطرفة شاركت في القتال في صفوف تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، بموازاة تقلص الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية، وانحسار رقعة النفوذ ورقعة المعارك. وقالت مصادر عسكرية، إن قائد الجيش العماد جوزيف عون لطالما حذر من هذه المرحلة وتطرق إليها، وأعطى توجيهات لمواكبتها عبر تشديد الإجراءات، بعدما شارفت الحروب على الانتهاء في المنطقة، وخصوصاً في العراق أو سوريا، وهو حذر من عودة هؤلاء الأشخاص إلى الداخل اللبناني. لذلك، «ينشط الجيش على الحدود وفي الداخل عبر مديرية المخابرات لملاحقة الأشخاص الذين يشكلون خطراً على الأمن والاستقرار»، بحسب ما أكدت المصادر.
وكشفت العملية الأمنية التي نفذها الجيش اللبناني في يناير (كانون الثاني) 2018، وأسفرت عن توقيف شخصين مشتبه بهما في عرسال، كانا يقاتلان في وقت سابق في صفوف تنظيم جبهة النصرة قبل عودتهما إلى لبنان، عن خطر أمني جديد يتمثل في عودة العناصر المتطرفة من القتال في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، إلى لبنان. وتلت العملية تلك، عملية أمنية أخرى في فبراير (شباط) الماضي في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وأسفرت عن مقتل عسكري لبناني، والمطلوب العائد من القتال في صفوف «داعش» في سوريا عبد الله هاجر.
وبدأت موجات الانخراط اللبناني في صفوف التنظيمات المتطرفة في عام 2012؛ إذ رصد في السابق انضمام عشرات اللبنانيين الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات المتطرفة؛ وقتل بعضهم في معارك اندلعت في مناطق حدودية مع لبنان في ريف حمص الغربي وفي ريف دمشق الشمالي في القلمون. وفي حين كان البعض يقاتل في صفوف فصائل سورية متشددة، بدأت موجة النزوح نحو «داعش» في عام 2014. وكُشف عن الأمر إثر إعلان التنظيم عن مقتل 3 لبنانيين في أواخر عام 2014، وذلك في معارك خاضها ضد الأكراد في العراق وسوريا، وضد القوات الحكومية السورية في مطار دير الزور العسكري. وتقبلت عائلات لبناني على الأقل التعازي بمقتل ابنها في طرابلس في شمال لبنان، بعد تلقيها نبأ مقتله.
ولا تخفي مصادر مطلعة في شمال لبنان، أن المنضمين إلى تنظيمات متطرفة في العراق وسوريا، انتقلوا إليها عبر التهريب من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي السورية، أو عبر المعابر التركية غير الشرعية مع سوريا، قبل انتقال قسم منهم إلى العراق. ويقدر عدد اللبنانيين الذين انضموا إلى تنظيمات متطرفة في سوريا بالمئات، ولا يزال هناك نحو ألف منهم في إدلب، معظمهم من المقاتلين في صفوف «النصرة»، بينما لا توجد تقديرات للمقاتلين في صفوف «داعش»، وتغيب المعلومات عن مواقع وجودهم الحالية.
وتعد منطقة شمال لبنان خزان المقاتلين اللبنانيين في صفوف التنظيمات المتشددة. فقد وثق مقتل 34 انتحارياً لبنانياً في العراق وسوريا وحتى لبنان، منذ بدء موجة التطرف في المنطقة، يتحدرون من منطقة المنكوبين في طرابلس في شمال لبنان، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»، كان آخرهم انتحاريان فجّرا نفسيهما في منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية التي تبعد مسافة عشرات الأمتار فقط عن المنكوبين. كما فجّر بعضهم أنفسهم في المنطقة الخضراء في بغداد، وفي مناطق أخرى في سوريا.
وللعلم، فإن منطقة المنكوبين تعدّ من أكثر المناطق اللبنانية فقراً، ويسكنها الفقراء القاطنون تحت بيوت التنك، وتفتقر إلى المراكز الصحية والتربوية أيضاً.
وبعد انحسار رقعة «داعش»، انعدمت الأخبار عن المقاتلين اللبنانيين في صفوف التنظيم المتطرف، ولم يعد معروفاً عن القيادات اللبنانية فيه أي شيء، وسط معلومات قالت المصادر في شمال لبنان لـ«الشرق الأوسط»، إن أغلب تلك القيادات «تعرّضت للتصفيات عندما كانت في الرقة ومناطق (داعش) و(النصرة)»، لافتة إلى أنه بعد انحسار نفوذ «داعش» «لم تظهر أسماء لبنانية واضحة المعالم»، في حين غادر قسم كبير منهم إلى إدلب، وذاب هؤلاء في بحر من المقاتلين هناك.
غير أن إدلب، التي خضعت لاتفاق تركي – روسي لتحييد المقاتلين المتطرفين، لن تعود مقراً للمقاتلين اللبنانيين في المستقبل، وهو ما يزيد المخاوف من عودة هؤلاء إلى لبنان عبر طرقات التهريب الحدودية غير الشرعية، والتي تحدثت أنباء عن البدء بعمليات انتقالهم عبر عصابات التهريب بمبالغ مالية تُدفع وتصل إلى 1800 دولار.
ويستبعد الباحث اللبناني في قضايا الجماعات الإسلامية، أحمد الأيوبي، العودة الجماعية، قائلاً «لا يمكن الحديث عن موجة عودة جماعية، ولم نسمع حتى الأيام القليلة الماضية عن عودة من هذا النوع»، مشدداً على أن القسم الأكبر «لا يزال في إدلب التي لا تقع تحت سيطرة النظام». ويشير الأيوبي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك جزءاً كبيراً من اللبنانيين «يفضلون البقاء في إدلب، بالنظر إلى أنه في لبنان لا طريق للعودة التي يراها هؤلاء آمنة، وتعتبرهم الدولة اللبنانية إرهابيين وينتظرهم السجن والملاحقة».
ويقول الأيوبي «منذ فترة طويلة ندعو إلى إيجاد معالجة لعودة هؤلاء بطريقة آمنة وتحفظ الاستقرار اللبناني، وذلك عبر إجراءات قانونية تدعو كل اللبنانيين للعودة، وخصوصاً أولئك الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء في لبنان، ويكونون مستعدين للعيش في المجتمع ضمن منظومة قانونية وأمنية، ويخضعون في المقابل لمتابعة وتأهيل». وقال «حتى هذه اللحظة، الدولة غائبة كلياً عن الملف، وهناك تجاهل تام للموضوع».
ويعرب الأيوبي عن مخاوف لبنان من عودة المجموعات الكبيرة من هؤلاء المقاتلين الذين باتوا متمرسين على القتال ومحترفين في استخدام السلاح. وتتمثل الهواجس من الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء في هذا الوقت، «هل سيعيشون حياة طبيعية أم تترسخ الارتباطات العقائدية المتشددة التابعة لهم؟ وهو سؤال جوهري يستدعي البحث به، ووضعه استراتيجية لهم». وقال: «لا يكفي اعتقال العائدين؛ لأن الجانب الأمني لا يكفي لمقاربة هذا الملف الضخم»، مضيفاً: «يجب ألا نستبعد أبداً فرضية أن يكون بعض الأشخاص الذين كانوا في وضعية قيادية ضمن التنظيمات المتطرفة، أن تكون لهم أجندات تخريب أمني أو التأسيس لخلايا نائمة تتحرك عند الطلب في الداخل اللبناني؛ وهو ما يستدعي اليقظة الأمنية».
ويتوقع الأيوبي أن يعودوا «فرادى وليس ضمن مجموعات، لأن واقع الحدود أصبح ضيقاً، إلا إذا كان (حزب الله) والنظام السوري ينوون فتح مسارب معينة لاستغلالهم بالداخل كما تم الأمر مع (فتح الإسلام) والتلاعب بورقة المتطرفين، وهو الاحتمال الوحيد لعودتهم بشكل جماعي»، بحسب ما يقول الأيوبي.
ولا يرى الأيوبي أن التقديرات لأعداد اللبنانيين في سوريا والعراق، التي تتحدث عن ألف مقاتل، بأنها أرقام مضخمة. ويشرح: «منذ بداية الأزمة، كانت هناك موجات من اللبنانيين يغادرون إلى سوريا للقتال في صفوف التنظيمات والفصائل، وكان يعلن عن مقتل 10 أو أقل أو أكثر أسبوعياً في فترات في 2014 و2015 و2016، وذلك بشكل متتابع؛ ما يشير إلى أن هناك نسبة مرتفعة جداً من المقاتلين التي توجهت إلى سوريا للقتال هناك، لكن هذه النسبة تراجعت بدءاً من عام 2015 مع إغلاق الحدود، وبحكم الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات اللبنانية». وأضاف: «في إدلب اليوم، هناك المئات، لا نعرف عددهم بالتحديد، كما لا نعرف كيف يتوزعون على أي مجموعات؛ لأن سوريا شهدت متغيرات، وباتت لوحة متقلبة، حيث نزح البعض باتجاه جماعات وفصائل أخرى بحكم تغير خريطة الولاءات».
وفي حين يظهر أن المقاتلين في صفوف «النصرة» والفصائل باتوا في إدلب، بعد عودة ومقتل آخرين منذ عام 2014، يتحدث باحثون سوريون عن أن اللبنانيين المقاتلين في صفوف «داعش» في العراق وسوريا «ذابوا في الصحراء مع المقاتلين الآخرين»، علماً بأن بعضهم دخل إلى إدلب بدءاً من 2017 إثر المعارك بريف إدلب الشرقي ضد النظام السوري. ويقول مدير مركز «الفرات» أحمد الرمضان لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» يتخذ ملاذات آمنة في منطقة تلول الصفا في البادية السورية الجنوبية، ومنطقة هجين في البادية الشرقية لدير الزور شرق الفرات، بينما يتحرك على شكل مجموعات صغيرة في البادية دير الزور الغربية وبادية حمص، علماً بأن «داعش» يتبع الاستراتيجية نفسها في الصحراء العراقية بعد معركة الموصل.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.