لبنان: مخاوف من عودة ألف مقاتل ذابوا في بحر المتشددين في إدلب

إجراءات لضبط معابر التهريب الحدودية... ودعوات لاستراتيجية لا تقتصر على المقاربة الأمنية

مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
TT

لبنان: مخاوف من عودة ألف مقاتل ذابوا في بحر المتشددين في إدلب

مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)

تجددت المخاوف اللبنانية من تسلل عناصر متشددة عائدة من سوريا والعراق إلى لبنان، إثر تصاعد عمليات التهريب عبر قنوات غير شرعية من سوريا إلى العمق اللبناني، يتكفلها أشخاص لبنانيون وسوريون، وتُقابل باستنفار أمني لبناني على الحدود وفي الداخل، وسط معلومات عن ألف لبناني كانوا ملتحقين بتنظيمات متطرفة في سوريا، باتوا في إدلب، تحتاج معالجة أمورهم إلى استراتيجية تضعها السلطات اللبنانية، لا تقتصر على المقاربة الأمنية.
ونشطت عمليات التهريب أخيراً عبر الحدود اللبنانية السورية، إثر إحكام القوات النظامية السورية سيطرتها على الحدود مع لبنان؛ وهو ما رفع وتيرة الإجراءات الأمنية التي تفرضها السلطات اللبنانية في المنطقة الحدودية وفي الداخل؛ منعاً لتسلل الأشخاص، ومنعاً لأن يكون بينهم متشددون عائدون من القتال في سوريا والعراق.
وقالت مصادر عسكرية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إن عمليات التهريب في منطقة البقاع، وخصوصاً من جهة بلدة الصويري اللبنانية «ليست جديدة»، وإن هناك محاولات دائمة من قبل المهربين لتهريب الأشخاص من سوريا إلى لبنان عبر تلك المنطقة. وأكدت المصادر في الوقت نفسه، أن الجيش اللبناني يتعامل مع تلك الوقائع عبر «تنفيذ دوريات دائمة وكمائن، لمنع تسلل الأشخاص إلى العمق اللبناني». وأكدت المصادر، أن الجيش اللبناني «يوقف على الدوام المتسللين، ويسلمهم للأمن العام».
غير أن ملف التسلل، ينطوي على مخاطر كثيرة لجهة تسرب عناصر متطرفة شاركت في القتال في صفوف تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، بموازاة تقلص الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية، وانحسار رقعة النفوذ ورقعة المعارك. وقالت مصادر عسكرية، إن قائد الجيش العماد جوزيف عون لطالما حذر من هذه المرحلة وتطرق إليها، وأعطى توجيهات لمواكبتها عبر تشديد الإجراءات، بعدما شارفت الحروب على الانتهاء في المنطقة، وخصوصاً في العراق أو سوريا، وهو حذر من عودة هؤلاء الأشخاص إلى الداخل اللبناني. لذلك، «ينشط الجيش على الحدود وفي الداخل عبر مديرية المخابرات لملاحقة الأشخاص الذين يشكلون خطراً على الأمن والاستقرار»، بحسب ما أكدت المصادر.
وكشفت العملية الأمنية التي نفذها الجيش اللبناني في يناير (كانون الثاني) 2018، وأسفرت عن توقيف شخصين مشتبه بهما في عرسال، كانا يقاتلان في وقت سابق في صفوف تنظيم جبهة النصرة قبل عودتهما إلى لبنان، عن خطر أمني جديد يتمثل في عودة العناصر المتطرفة من القتال في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، إلى لبنان. وتلت العملية تلك، عملية أمنية أخرى في فبراير (شباط) الماضي في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وأسفرت عن مقتل عسكري لبناني، والمطلوب العائد من القتال في صفوف «داعش» في سوريا عبد الله هاجر.
وبدأت موجات الانخراط اللبناني في صفوف التنظيمات المتطرفة في عام 2012؛ إذ رصد في السابق انضمام عشرات اللبنانيين الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات المتطرفة؛ وقتل بعضهم في معارك اندلعت في مناطق حدودية مع لبنان في ريف حمص الغربي وفي ريف دمشق الشمالي في القلمون. وفي حين كان البعض يقاتل في صفوف فصائل سورية متشددة، بدأت موجة النزوح نحو «داعش» في عام 2014. وكُشف عن الأمر إثر إعلان التنظيم عن مقتل 3 لبنانيين في أواخر عام 2014، وذلك في معارك خاضها ضد الأكراد في العراق وسوريا، وضد القوات الحكومية السورية في مطار دير الزور العسكري. وتقبلت عائلات لبناني على الأقل التعازي بمقتل ابنها في طرابلس في شمال لبنان، بعد تلقيها نبأ مقتله.
ولا تخفي مصادر مطلعة في شمال لبنان، أن المنضمين إلى تنظيمات متطرفة في العراق وسوريا، انتقلوا إليها عبر التهريب من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي السورية، أو عبر المعابر التركية غير الشرعية مع سوريا، قبل انتقال قسم منهم إلى العراق. ويقدر عدد اللبنانيين الذين انضموا إلى تنظيمات متطرفة في سوريا بالمئات، ولا يزال هناك نحو ألف منهم في إدلب، معظمهم من المقاتلين في صفوف «النصرة»، بينما لا توجد تقديرات للمقاتلين في صفوف «داعش»، وتغيب المعلومات عن مواقع وجودهم الحالية.
وتعد منطقة شمال لبنان خزان المقاتلين اللبنانيين في صفوف التنظيمات المتشددة. فقد وثق مقتل 34 انتحارياً لبنانياً في العراق وسوريا وحتى لبنان، منذ بدء موجة التطرف في المنطقة، يتحدرون من منطقة المنكوبين في طرابلس في شمال لبنان، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»، كان آخرهم انتحاريان فجّرا نفسيهما في منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية التي تبعد مسافة عشرات الأمتار فقط عن المنكوبين. كما فجّر بعضهم أنفسهم في المنطقة الخضراء في بغداد، وفي مناطق أخرى في سوريا.
وللعلم، فإن منطقة المنكوبين تعدّ من أكثر المناطق اللبنانية فقراً، ويسكنها الفقراء القاطنون تحت بيوت التنك، وتفتقر إلى المراكز الصحية والتربوية أيضاً.
وبعد انحسار رقعة «داعش»، انعدمت الأخبار عن المقاتلين اللبنانيين في صفوف التنظيم المتطرف، ولم يعد معروفاً عن القيادات اللبنانية فيه أي شيء، وسط معلومات قالت المصادر في شمال لبنان لـ«الشرق الأوسط»، إن أغلب تلك القيادات «تعرّضت للتصفيات عندما كانت في الرقة ومناطق (داعش) و(النصرة)»، لافتة إلى أنه بعد انحسار نفوذ «داعش» «لم تظهر أسماء لبنانية واضحة المعالم»، في حين غادر قسم كبير منهم إلى إدلب، وذاب هؤلاء في بحر من المقاتلين هناك.
غير أن إدلب، التي خضعت لاتفاق تركي – روسي لتحييد المقاتلين المتطرفين، لن تعود مقراً للمقاتلين اللبنانيين في المستقبل، وهو ما يزيد المخاوف من عودة هؤلاء إلى لبنان عبر طرقات التهريب الحدودية غير الشرعية، والتي تحدثت أنباء عن البدء بعمليات انتقالهم عبر عصابات التهريب بمبالغ مالية تُدفع وتصل إلى 1800 دولار.
ويستبعد الباحث اللبناني في قضايا الجماعات الإسلامية، أحمد الأيوبي، العودة الجماعية، قائلاً «لا يمكن الحديث عن موجة عودة جماعية، ولم نسمع حتى الأيام القليلة الماضية عن عودة من هذا النوع»، مشدداً على أن القسم الأكبر «لا يزال في إدلب التي لا تقع تحت سيطرة النظام». ويشير الأيوبي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك جزءاً كبيراً من اللبنانيين «يفضلون البقاء في إدلب، بالنظر إلى أنه في لبنان لا طريق للعودة التي يراها هؤلاء آمنة، وتعتبرهم الدولة اللبنانية إرهابيين وينتظرهم السجن والملاحقة».
ويقول الأيوبي «منذ فترة طويلة ندعو إلى إيجاد معالجة لعودة هؤلاء بطريقة آمنة وتحفظ الاستقرار اللبناني، وذلك عبر إجراءات قانونية تدعو كل اللبنانيين للعودة، وخصوصاً أولئك الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء في لبنان، ويكونون مستعدين للعيش في المجتمع ضمن منظومة قانونية وأمنية، ويخضعون في المقابل لمتابعة وتأهيل». وقال «حتى هذه اللحظة، الدولة غائبة كلياً عن الملف، وهناك تجاهل تام للموضوع».
ويعرب الأيوبي عن مخاوف لبنان من عودة المجموعات الكبيرة من هؤلاء المقاتلين الذين باتوا متمرسين على القتال ومحترفين في استخدام السلاح. وتتمثل الهواجس من الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء في هذا الوقت، «هل سيعيشون حياة طبيعية أم تترسخ الارتباطات العقائدية المتشددة التابعة لهم؟ وهو سؤال جوهري يستدعي البحث به، ووضعه استراتيجية لهم». وقال: «لا يكفي اعتقال العائدين؛ لأن الجانب الأمني لا يكفي لمقاربة هذا الملف الضخم»، مضيفاً: «يجب ألا نستبعد أبداً فرضية أن يكون بعض الأشخاص الذين كانوا في وضعية قيادية ضمن التنظيمات المتطرفة، أن تكون لهم أجندات تخريب أمني أو التأسيس لخلايا نائمة تتحرك عند الطلب في الداخل اللبناني؛ وهو ما يستدعي اليقظة الأمنية».
ويتوقع الأيوبي أن يعودوا «فرادى وليس ضمن مجموعات، لأن واقع الحدود أصبح ضيقاً، إلا إذا كان (حزب الله) والنظام السوري ينوون فتح مسارب معينة لاستغلالهم بالداخل كما تم الأمر مع (فتح الإسلام) والتلاعب بورقة المتطرفين، وهو الاحتمال الوحيد لعودتهم بشكل جماعي»، بحسب ما يقول الأيوبي.
ولا يرى الأيوبي أن التقديرات لأعداد اللبنانيين في سوريا والعراق، التي تتحدث عن ألف مقاتل، بأنها أرقام مضخمة. ويشرح: «منذ بداية الأزمة، كانت هناك موجات من اللبنانيين يغادرون إلى سوريا للقتال في صفوف التنظيمات والفصائل، وكان يعلن عن مقتل 10 أو أقل أو أكثر أسبوعياً في فترات في 2014 و2015 و2016، وذلك بشكل متتابع؛ ما يشير إلى أن هناك نسبة مرتفعة جداً من المقاتلين التي توجهت إلى سوريا للقتال هناك، لكن هذه النسبة تراجعت بدءاً من عام 2015 مع إغلاق الحدود، وبحكم الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات اللبنانية». وأضاف: «في إدلب اليوم، هناك المئات، لا نعرف عددهم بالتحديد، كما لا نعرف كيف يتوزعون على أي مجموعات؛ لأن سوريا شهدت متغيرات، وباتت لوحة متقلبة، حيث نزح البعض باتجاه جماعات وفصائل أخرى بحكم تغير خريطة الولاءات».
وفي حين يظهر أن المقاتلين في صفوف «النصرة» والفصائل باتوا في إدلب، بعد عودة ومقتل آخرين منذ عام 2014، يتحدث باحثون سوريون عن أن اللبنانيين المقاتلين في صفوف «داعش» في العراق وسوريا «ذابوا في الصحراء مع المقاتلين الآخرين»، علماً بأن بعضهم دخل إلى إدلب بدءاً من 2017 إثر المعارك بريف إدلب الشرقي ضد النظام السوري. ويقول مدير مركز «الفرات» أحمد الرمضان لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» يتخذ ملاذات آمنة في منطقة تلول الصفا في البادية السورية الجنوبية، ومنطقة هجين في البادية الشرقية لدير الزور شرق الفرات، بينما يتحرك على شكل مجموعات صغيرة في البادية دير الزور الغربية وبادية حمص، علماً بأن «داعش» يتبع الاستراتيجية نفسها في الصحراء العراقية بعد معركة الموصل.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.