لبنان: مخاوف من عودة ألف مقاتل ذابوا في بحر المتشددين في إدلب

إجراءات لضبط معابر التهريب الحدودية... ودعوات لاستراتيجية لا تقتصر على المقاربة الأمنية

مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
TT

لبنان: مخاوف من عودة ألف مقاتل ذابوا في بحر المتشددين في إدلب

مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)
مواطن سوري يقود دراجته وسط مبانٍ سكنية مهدَّمة بفعل قصف النظام أحياء مدينة إدلب (أ.ف.ب)

تجددت المخاوف اللبنانية من تسلل عناصر متشددة عائدة من سوريا والعراق إلى لبنان، إثر تصاعد عمليات التهريب عبر قنوات غير شرعية من سوريا إلى العمق اللبناني، يتكفلها أشخاص لبنانيون وسوريون، وتُقابل باستنفار أمني لبناني على الحدود وفي الداخل، وسط معلومات عن ألف لبناني كانوا ملتحقين بتنظيمات متطرفة في سوريا، باتوا في إدلب، تحتاج معالجة أمورهم إلى استراتيجية تضعها السلطات اللبنانية، لا تقتصر على المقاربة الأمنية.
ونشطت عمليات التهريب أخيراً عبر الحدود اللبنانية السورية، إثر إحكام القوات النظامية السورية سيطرتها على الحدود مع لبنان؛ وهو ما رفع وتيرة الإجراءات الأمنية التي تفرضها السلطات اللبنانية في المنطقة الحدودية وفي الداخل؛ منعاً لتسلل الأشخاص، ومنعاً لأن يكون بينهم متشددون عائدون من القتال في سوريا والعراق.
وقالت مصادر عسكرية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، إن عمليات التهريب في منطقة البقاع، وخصوصاً من جهة بلدة الصويري اللبنانية «ليست جديدة»، وإن هناك محاولات دائمة من قبل المهربين لتهريب الأشخاص من سوريا إلى لبنان عبر تلك المنطقة. وأكدت المصادر في الوقت نفسه، أن الجيش اللبناني يتعامل مع تلك الوقائع عبر «تنفيذ دوريات دائمة وكمائن، لمنع تسلل الأشخاص إلى العمق اللبناني». وأكدت المصادر، أن الجيش اللبناني «يوقف على الدوام المتسللين، ويسلمهم للأمن العام».
غير أن ملف التسلل، ينطوي على مخاطر كثيرة لجهة تسرب عناصر متطرفة شاركت في القتال في صفوف تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق، بموازاة تقلص الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية، وانحسار رقعة النفوذ ورقعة المعارك. وقالت مصادر عسكرية، إن قائد الجيش العماد جوزيف عون لطالما حذر من هذه المرحلة وتطرق إليها، وأعطى توجيهات لمواكبتها عبر تشديد الإجراءات، بعدما شارفت الحروب على الانتهاء في المنطقة، وخصوصاً في العراق أو سوريا، وهو حذر من عودة هؤلاء الأشخاص إلى الداخل اللبناني. لذلك، «ينشط الجيش على الحدود وفي الداخل عبر مديرية المخابرات لملاحقة الأشخاص الذين يشكلون خطراً على الأمن والاستقرار»، بحسب ما أكدت المصادر.
وكشفت العملية الأمنية التي نفذها الجيش اللبناني في يناير (كانون الثاني) 2018، وأسفرت عن توقيف شخصين مشتبه بهما في عرسال، كانا يقاتلان في وقت سابق في صفوف تنظيم جبهة النصرة قبل عودتهما إلى لبنان، عن خطر أمني جديد يتمثل في عودة العناصر المتطرفة من القتال في صفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، إلى لبنان. وتلت العملية تلك، عملية أمنية أخرى في فبراير (شباط) الماضي في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وأسفرت عن مقتل عسكري لبناني، والمطلوب العائد من القتال في صفوف «داعش» في سوريا عبد الله هاجر.
وبدأت موجات الانخراط اللبناني في صفوف التنظيمات المتطرفة في عام 2012؛ إذ رصد في السابق انضمام عشرات اللبنانيين الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات المتطرفة؛ وقتل بعضهم في معارك اندلعت في مناطق حدودية مع لبنان في ريف حمص الغربي وفي ريف دمشق الشمالي في القلمون. وفي حين كان البعض يقاتل في صفوف فصائل سورية متشددة، بدأت موجة النزوح نحو «داعش» في عام 2014. وكُشف عن الأمر إثر إعلان التنظيم عن مقتل 3 لبنانيين في أواخر عام 2014، وذلك في معارك خاضها ضد الأكراد في العراق وسوريا، وضد القوات الحكومية السورية في مطار دير الزور العسكري. وتقبلت عائلات لبناني على الأقل التعازي بمقتل ابنها في طرابلس في شمال لبنان، بعد تلقيها نبأ مقتله.
ولا تخفي مصادر مطلعة في شمال لبنان، أن المنضمين إلى تنظيمات متطرفة في العراق وسوريا، انتقلوا إليها عبر التهريب من الأراضي اللبنانية إلى الأراضي السورية، أو عبر المعابر التركية غير الشرعية مع سوريا، قبل انتقال قسم منهم إلى العراق. ويقدر عدد اللبنانيين الذين انضموا إلى تنظيمات متطرفة في سوريا بالمئات، ولا يزال هناك نحو ألف منهم في إدلب، معظمهم من المقاتلين في صفوف «النصرة»، بينما لا توجد تقديرات للمقاتلين في صفوف «داعش»، وتغيب المعلومات عن مواقع وجودهم الحالية.
وتعد منطقة شمال لبنان خزان المقاتلين اللبنانيين في صفوف التنظيمات المتشددة. فقد وثق مقتل 34 انتحارياً لبنانياً في العراق وسوريا وحتى لبنان، منذ بدء موجة التطرف في المنطقة، يتحدرون من منطقة المنكوبين في طرابلس في شمال لبنان، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»، كان آخرهم انتحاريان فجّرا نفسيهما في منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية التي تبعد مسافة عشرات الأمتار فقط عن المنكوبين. كما فجّر بعضهم أنفسهم في المنطقة الخضراء في بغداد، وفي مناطق أخرى في سوريا.
وللعلم، فإن منطقة المنكوبين تعدّ من أكثر المناطق اللبنانية فقراً، ويسكنها الفقراء القاطنون تحت بيوت التنك، وتفتقر إلى المراكز الصحية والتربوية أيضاً.
وبعد انحسار رقعة «داعش»، انعدمت الأخبار عن المقاتلين اللبنانيين في صفوف التنظيم المتطرف، ولم يعد معروفاً عن القيادات اللبنانية فيه أي شيء، وسط معلومات قالت المصادر في شمال لبنان لـ«الشرق الأوسط»، إن أغلب تلك القيادات «تعرّضت للتصفيات عندما كانت في الرقة ومناطق (داعش) و(النصرة)»، لافتة إلى أنه بعد انحسار نفوذ «داعش» «لم تظهر أسماء لبنانية واضحة المعالم»، في حين غادر قسم كبير منهم إلى إدلب، وذاب هؤلاء في بحر من المقاتلين هناك.
غير أن إدلب، التي خضعت لاتفاق تركي – روسي لتحييد المقاتلين المتطرفين، لن تعود مقراً للمقاتلين اللبنانيين في المستقبل، وهو ما يزيد المخاوف من عودة هؤلاء إلى لبنان عبر طرقات التهريب الحدودية غير الشرعية، والتي تحدثت أنباء عن البدء بعمليات انتقالهم عبر عصابات التهريب بمبالغ مالية تُدفع وتصل إلى 1800 دولار.
ويستبعد الباحث اللبناني في قضايا الجماعات الإسلامية، أحمد الأيوبي، العودة الجماعية، قائلاً «لا يمكن الحديث عن موجة عودة جماعية، ولم نسمع حتى الأيام القليلة الماضية عن عودة من هذا النوع»، مشدداً على أن القسم الأكبر «لا يزال في إدلب التي لا تقع تحت سيطرة النظام». ويشير الأيوبي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك جزءاً كبيراً من اللبنانيين «يفضلون البقاء في إدلب، بالنظر إلى أنه في لبنان لا طريق للعودة التي يراها هؤلاء آمنة، وتعتبرهم الدولة اللبنانية إرهابيين وينتظرهم السجن والملاحقة».
ويقول الأيوبي «منذ فترة طويلة ندعو إلى إيجاد معالجة لعودة هؤلاء بطريقة آمنة وتحفظ الاستقرار اللبناني، وذلك عبر إجراءات قانونية تدعو كل اللبنانيين للعودة، وخصوصاً أولئك الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء في لبنان، ويكونون مستعدين للعيش في المجتمع ضمن منظومة قانونية وأمنية، ويخضعون في المقابل لمتابعة وتأهيل». وقال «حتى هذه اللحظة، الدولة غائبة كلياً عن الملف، وهناك تجاهل تام للموضوع».
ويعرب الأيوبي عن مخاوف لبنان من عودة المجموعات الكبيرة من هؤلاء المقاتلين الذين باتوا متمرسين على القتال ومحترفين في استخدام السلاح. وتتمثل الهواجس من الدور الذي يمكن أن يلعبه هؤلاء في هذا الوقت، «هل سيعيشون حياة طبيعية أم تترسخ الارتباطات العقائدية المتشددة التابعة لهم؟ وهو سؤال جوهري يستدعي البحث به، ووضعه استراتيجية لهم». وقال: «لا يكفي اعتقال العائدين؛ لأن الجانب الأمني لا يكفي لمقاربة هذا الملف الضخم»، مضيفاً: «يجب ألا نستبعد أبداً فرضية أن يكون بعض الأشخاص الذين كانوا في وضعية قيادية ضمن التنظيمات المتطرفة، أن تكون لهم أجندات تخريب أمني أو التأسيس لخلايا نائمة تتحرك عند الطلب في الداخل اللبناني؛ وهو ما يستدعي اليقظة الأمنية».
ويتوقع الأيوبي أن يعودوا «فرادى وليس ضمن مجموعات، لأن واقع الحدود أصبح ضيقاً، إلا إذا كان (حزب الله) والنظام السوري ينوون فتح مسارب معينة لاستغلالهم بالداخل كما تم الأمر مع (فتح الإسلام) والتلاعب بورقة المتطرفين، وهو الاحتمال الوحيد لعودتهم بشكل جماعي»، بحسب ما يقول الأيوبي.
ولا يرى الأيوبي أن التقديرات لأعداد اللبنانيين في سوريا والعراق، التي تتحدث عن ألف مقاتل، بأنها أرقام مضخمة. ويشرح: «منذ بداية الأزمة، كانت هناك موجات من اللبنانيين يغادرون إلى سوريا للقتال في صفوف التنظيمات والفصائل، وكان يعلن عن مقتل 10 أو أقل أو أكثر أسبوعياً في فترات في 2014 و2015 و2016، وذلك بشكل متتابع؛ ما يشير إلى أن هناك نسبة مرتفعة جداً من المقاتلين التي توجهت إلى سوريا للقتال هناك، لكن هذه النسبة تراجعت بدءاً من عام 2015 مع إغلاق الحدود، وبحكم الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات اللبنانية». وأضاف: «في إدلب اليوم، هناك المئات، لا نعرف عددهم بالتحديد، كما لا نعرف كيف يتوزعون على أي مجموعات؛ لأن سوريا شهدت متغيرات، وباتت لوحة متقلبة، حيث نزح البعض باتجاه جماعات وفصائل أخرى بحكم تغير خريطة الولاءات».
وفي حين يظهر أن المقاتلين في صفوف «النصرة» والفصائل باتوا في إدلب، بعد عودة ومقتل آخرين منذ عام 2014، يتحدث باحثون سوريون عن أن اللبنانيين المقاتلين في صفوف «داعش» في العراق وسوريا «ذابوا في الصحراء مع المقاتلين الآخرين»، علماً بأن بعضهم دخل إلى إدلب بدءاً من 2017 إثر المعارك بريف إدلب الشرقي ضد النظام السوري. ويقول مدير مركز «الفرات» أحمد الرمضان لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» يتخذ ملاذات آمنة في منطقة تلول الصفا في البادية السورية الجنوبية، ومنطقة هجين في البادية الشرقية لدير الزور شرق الفرات، بينما يتحرك على شكل مجموعات صغيرة في البادية دير الزور الغربية وبادية حمص، علماً بأن «داعش» يتبع الاستراتيجية نفسها في الصحراء العراقية بعد معركة الموصل.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».