قمة إسطنبول تؤكد ضرورة استمرار مسارات الحل السياسي في سوريا

قادة روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا أكدوا العودة الطوعية للاجئين بإشراف الأمم المتحدة... وحضوا على عقد لجنة الدستور

ماكرون وإردوغان وبوتين وميركل في مؤتمرهم الصحافي عقب قمة إسطنبول أمس (رويترز)
ماكرون وإردوغان وبوتين وميركل في مؤتمرهم الصحافي عقب قمة إسطنبول أمس (رويترز)
TT

قمة إسطنبول تؤكد ضرورة استمرار مسارات الحل السياسي في سوريا

ماكرون وإردوغان وبوتين وميركل في مؤتمرهم الصحافي عقب قمة إسطنبول أمس (رويترز)
ماكرون وإردوغان وبوتين وميركل في مؤتمرهم الصحافي عقب قمة إسطنبول أمس (رويترز)

أكدت قمة إسطنبول الرباعية ضرورة الاستمرار في جميع مسارات الحل السياسي، والقضاء على الإرهاب في سوريا، وتأمين العودة الطوعية للاجئين تحت إشراف الأمم المتحدة.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك عقده الرؤساء التركي رجب طيب إردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في ختام القمة التي استمرت نحو 5 ساعات في إسطنبول، أمس (السبت)، بحضور المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
وقال الرئيس إردوغان إن قمة إسطنبول الرباعية استهدفت تعزيز وقف إطلاق النار وحقن دماء السوريين وبحث التسوية السياسية في سوريا. وانتقد عدم اهتمام المجتمع الدولي، بالشكل الكافي، بالأزمة السورية والوضع الإنساني ومعاناة السوريين، مشيراً إلى أنه تم تأكيد، خلال الاجتماع، استمرار مسار آستانة من أجل التوصل إلى الحل السياسي بمشاركة فرنسا وألمانيا.
وقال إن المشاركين في القمة أكدوا أهمية استمرار مسار جنيف أيضاً من أجل حل الأزمة في سوريا، مشيراً إلى أنه «تم تأكيد تنفيذ اتفاق سوتشي الخاص بإدلب، لحقن دماء المدنيين تمهيداً للوصول إلى حل دائم للأزمة السورية نتمنى أن يتحقق بنهاية العام الجاري».
وأضاف أنه «تم تأكيد أهمية التعاون في مكافحة الإرهاب في ظل التهديدات التي يتعرض لها الأمن العالمي»، مشيراً إلى أن «تركيا التي تمتد حدودها مع سوريا بطول 900 كيلومتر هي أكثر دولة تواجه الإرهاب، ولذلك قمنا بعمليات عسكرية ناجحة في شمال سوريا والآن نشاهد الأمن الذي تنعم به هذه المناطق وعودة السوريين إليها بعد زوال خطر الإرهاب».
وتابع أن الزعماء اتفقوا على أهمية القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية في سوريا، وعلى دعوة المجتمع الدولي لمد يد العون للسوريين ومنع حدوث موجات لجوء جديدة.
وفي ما يتعلق بعودة اللاجئين السوريين، قال إردوغان إنه تم الاتفاق على ضرورة أن تكون العودة اختيارية بما يتفق مع القانون الدولي، مشيراً إلى أن تركيا أنفقت 33 مليار دولار على اللاجئين، داعياً المجتمع الدولي وأوروبا إلى مساندة بلاده وتعزيز الدعم الإنساني للشعب السوري لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء.
وتابع إردوغان أن القادة المشاركين في القمة اتفقوا على ضرورة الاستمرار في جهود الحل السياسي في سوريا، ومشاركة جميع الأطراف المعنية في ذلك، لافتاً إلى أنه سيتم تزويد إيران بنتائج هذه القمة وستواصل مشاركتها من أجل الحل السياسي.
وأشار إلى أهمية العمل على استكمال أعمال لجنة صياغة الدستور بنهاية العام الجاري، قائلاً إن الشعب السوري هو الذي سيقرر مصير بشار الأسد. وأضاف أن الأسد مسؤول عن قتل مليون إنسان في سوريا، ولذلك فإنه يجب إشراك السوريين في تحديد مستقبلهم.
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن «روسيا تؤكد تمسكها بالحلول السياسية والدبلوماسية للأزمة السورية، ونتمنى أن تستمر المجموعة التي شاركت في هذه القمة في اجتماعاتها، وبدء مرحلة الحوار بين مختلف الأطياف السورية».
ولفت بوتين إلى جهود تركيا لمحاربة الإرهاب في سوريا، وأثنى على هذه الجهود، وقال إنها يجب أن تكون نموذجاً للدول الأخرى من أجل مكافحة الإرهاب وضمان وحدة أراضي سوريا. وأضاف بوتين: «اتفقنا على ضرورة استمرار مسارَي آستانة وجنيف وكذلك تنفيذ اتفاق سوتشي والبناء على كل ذلك في بدء الحوار بين مختلف الأطياف السورية، والتعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على وحدة أراضي سوريا». ولفت إلى أن «أعمال العنف في سوريا تراجعت بشكل كبير، ونأمل في استمرار التنسيق والتعاون في مكافحة الإرهاب وفتح الطريق لوصول المساعدات الإنسانية للسوريين».
وبالنسبة إلى عودة اللاجئين، قال بوتين إنه يجب العمل على تأمين عودتهم، حيث تم إنشاء مليون ونصف المليون وحدة سكنية لاستيعابهم. وأكد ضرورة دعم الجمهورية السورية (النظام السوري) من أجل القضاء على الإرهاب وبسط السيطرة على أراضي سوريا والحفاظ على وحدتها.
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن قمة إسطنبول تعد استكمالاً لمسار آستانة. وأكد ضرورة توحيد مختلف المسارات الخاصة بسوريا والتعاون في مكافحة الإرهاب وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين.
وأشاد باتفاق سوتشي في إدلب، وأعرب عن أمله أن يتم التوصل إلى إنهاء وجود المجموعات والتنظيمات الإرهابية في سوريا وتطهيرها من الأسلحة الكيماوية.
واعتبر ماكرون أن الوضعية القائمة في سوريا صعبة، حيث هناك الحرب على الإرهاب وهناك الحرب بين النظام والمعارضة، مشيراً إلى أنه «يجب العمل على الوصول إلى حل شامل ودائم، وهذا لن يتأتى إلا من خلال الضغط على النظام وإتاحة المجال للشعب السوري لتحديد مصيره من خلال انتخابات ديمقراطية وشفافة، ولكن حتى الآن لم نرَ أي مبادرة في هذا الشأن».
وأضاف أنه «بحلول نهاية العام الجاري سنتمكن من تشكيل لجنة صياغة الدستور ونتمنى أن تكون هذه هي بداية للحل الدائم والشامل في سوريا».
ولفت إلى الجهود الفرنسية في تقديم المساعدات للسوريين. وقال إن فرنسا قامت بدور بالتعاون مع روسيا والأمم المتحدة في الغوطة الشرقية، مؤكداً ضرورة العمل على تأمين تقديم المساعدات وفتح الممرات الآمن لشاحنات المساعدات وإيصالها إلى المدنيين.
وأشاد بدور تركيا في استيعاب اللاجئين السوريين والتضحيات التي قدمتها على الصعيدين المادي والإنساني لاستضافتهم. وأكد ضرورة العمل على ضمان أمن اللاجئين الراغبين في العودة.
وفي ما يتعلق بإدلب أشار ماكرون إلى أن الوضع هناك كان ينذر بوقوع موجة لاجئين كبيرة من سوريا مجدداً، لافتاً إلى أن «اتفاق سوتشي منع وقوع هذه الموجة ومنع كارثة إنسانية». مضيفاً أنه «لا بد أن نتحمل مسؤوليتنا في المرحلة المقبلة في سوريا، وعلى المجتمع الدولي أيضاً تحمّل مسؤوليته في هذا الصدد».
بدورها، أكدت ميركل ضرورة تأمين اللاجئين وتأكيد دور الأمم المتحدة في ذلك، وضرورة الضغط على النظام السوري لوقف استهداف المدنيين. وأضافت أن «اتفاق سوتشي الخاص بإدلب كان اتفاقاً ناجحاً منع موجة جديدة من اللاجئين، ونحن نؤكد دعمنا لهذا الاتفاق».
ونوهت بدور دي ميستورا الذي جنّب السوريين الكثير من المخاطر في العديد من المراحل، وكذلك دوره في تشكيل لجنة صياغة الدستور، مشيرة إلى أن عودة اللاجئين يجب أن تكون تحت إشراف الأمم المتحدة وتأمينهم وحمايتهم من النظام.
واعتبرت أن الاتفاق التركي - السوري في سوتشي والخاص بإدلب خطوة ناجحة على مسار الحل السياسي في سوريا، مشيرة إلى أن الحل في سوريا لن يتحقق بالوسائل العسكرية فقط.
وشددت على «ضرورة أن تعود سوريا وطناً آمناً لأبنائه والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتظهيرها من التنظيمات الإرهابية».
ورداً على سؤال حول لجنة صياغة الدستور وما إذا كان النظام السوري سيشارك في عملها دون عرقلتها، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن «العملية الجارية تضم الحكومة السورية والمعارضة بمختلف أطيافها، ونعمل مع جميع شركائنا، وإيران لها دور كبير في ذلك أيضاً»، وشدد على ضرورة دعم جهود النظام في مكافحة الإرهاب وبسط سيطرته والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
كان إردوغان قد دعا في كلمة في افتتاح القمة الرباعية إلى «التحرك بشكل بنّاء، وعدم تخييب الآمال»، قائلاً: «إن أنظار العالم كله وفي مقدمته أشقاؤنا السوريون متوجهة الآن إلى هذا الاجتماع، وواثق بأننا لن نخيّب الآمال بهذا الخصوص من خلال التحرك عبر مفهوم بنّاء، لأن سوريا تأتي في أولوية موضوعاتنا خلال استشاراتنا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».
وأضاف: «لقد أبدينا اهتمامنا دوماً بالتواصل الوثيق مع السيد ماكرون والسيدة ميركل وإعلامهما بتفاصيل التطورات في سوريا».
وقبل الاجتماع الرباعي، عُقدت سلسلة من اللقاءات الثنائية، حيث التقى إردوغان كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وميركل، وماكرون، كلٌّ على حدة في قصر «وحيد الدين» بالشطر الأسيوي من إسطنيول الذي استضاف أعمال القمة.
حضر لقاء إردوغان وبوتين من الجانب التركي مولود جاويش أوغلو، ووزيرا الدفاع خلوصي أكار والخزانة والمالية برات البيراق، ومن الجانب الروسي وزير الدفاع سيرغي شويغو، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ومستشار بوتين يوري أوشاكوف. واستغرق اللقاء 45 دقيقة، وتم خلاله بحث العلاقات بين البلدين لا سيما في مجال الطاقة إلى جانب الملف السوري.
كما التقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره الروسي سيرغي لافروف، على هامش القمة لبحث المستجدات السياسية والميدانية الحاصلة في سوريا.
وحسب مصادر في وزارة الخارجية التركية، فإن الوزيرين بحثا القضايا الأمنية الإقليمية وفي مقدمتها التطورات في محافظة إدلب السورية.
كما ناقش جاويش أوغلو ولافروف اتفاق سوتشي الذي تم التوصل إليه بين الرئيسين التركي والروسي في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية، وكيفية تطبيقها.
كما تناول الوزيران، التركي والروسي، مسألة تشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري، وشددا على أهمية الإسراع بتشكيل هذه اللجنة.
كما التقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، نظيره الروسي سيرغي شويغو، قبل لقاء الرئيسين، حيث بحثا القضايا الأمنية الإقليمية وفي مقدمتها التطورات الأخيرة في محافظة إدلب السورية.
كما التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المستتشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لبحث الملف السوري وتنفيذ اتفاق إدلب. والتقت ميركل أيضاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وناقشت القمة الوضع في إدلب، وتنفيذ اتفاق سوتشي، واتخاذ الخطوات اللازمة لإعلان «خريطة طريق» للتسوية السياسية في سوريا، إلى جانب تشكيل لجنة صياغة الدستور.
كان إردوغان قد دعا في 29 يوليو (تموز) الماضي، إلى عقد القمة، على خلفية تصاعد التوتر في إدلب، وتزايد المخاوف من وقوع مأساة إنسانية فيها، بعد أن حشد النظام السوري وداعموه قوات عسكرية على مشارفها.
وكثفت تركيا جهودها الدبلوماسية لتجنب موجة جديدة من النازحين من إدلب التي تضم نحو 4 ملايين مدني، حتى تم التوصل إلى اتفاق سوتشي مع روسيا في 17 سبتمبر الماضي، الذي يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح ما بين 15 و20 كيلومتراً تفصل مناطق النظام عن مناطق المعارضة في إدلب ومحيطها... لكن أنقرة أكدت المضي في عقد القمة الرباعية لتعزيز اتفاق إدلب، وتعزيز حشد وتنسيق الجهود للدفع نحو حل سياسي نهائي للأزمة.
وأكدت فرنسا، في أكثر من تصريح رسمي، أن وقف إطلاق النار في إدلب «هش»، وبحاجة إلى تعزيز، واعتبرت أن القمة الرباعية تشكل «فرصة» لدعم تشكيل لجنة لصياغة الدستور في سوريا.
وكانت موسكو قد استبقت انعقاد القمة بتأكيد أن نتائجها قد لا تشكل نقطة تحول في مسار الأزمة السورية، إلا أنها تشكل منصة مهمة لتبادل الآراء وتعزيز التعاون بين الدول الأربع.
وبالتزامن مع انعقاد القمة، وصلت تعزيزات عسكرية للجيش التركي، أمس، إلى مركز ولاية كيليس الحدودية مع سوريا، تشمل مدفعية ومركبات عسكرية، توجهت من مركز الولاية إلى مختلف الوحدات العسكرية المرابطة على الحدود السورية.
وتهدف تلك التعزيزات، حسب المعلومات التي حصل عليها مراسل «الأناضول»، إلى تعزيز قدرات الوحدات العسكرية المرابطة على الحدود.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.