حلوى «الجلاب» والعسل الأسود موسم ينتظره كثيرون في صعيد مصر

حلوى «الجلاب» والعسل الأسود  موسم ينتظره كثيرون في صعيد مصر
TT

حلوى «الجلاب» والعسل الأسود موسم ينتظره كثيرون في صعيد مصر

حلوى «الجلاب» والعسل الأسود  موسم ينتظره كثيرون في صعيد مصر

يحتفل الصناع والتجار ببدء موسم الإنتاج الجديد لحلوى «الجلاب» بصعيد مصر في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهو موسم صناعي وتجاري ينتظره كثيرون في مدينة نجع حمادي، والتجار في مختلف محافظات مصر.
ولا تصنع حلوى الجلاب إلا في صعيد مصر، وهي حلوى تُصنع من قصب السكر، ويرتبط بدء موسم إنتاجها بتمام نمو زراعات القصب الذي ينتج منه العسل الأسود، بجانب السكر الذي ينتج داخل مصانع حكومية ضخمة في عدد من مدن صعيد مصر، بينها أيضا ملّوى ونجع حمادي، اللتان تنفردان بإنتاج الجلاب والعسل الأسود. ويطلق على «الجلاب» اسم «الخلع»، وهي حلوى شعبية شهيرة بقرى ومدن صعيد مصر، تعج بها الأسواق والموالد ووسائل المواصلات، مثل القطارات، وتنتشر بشكل أكبر في مدن وقرى محافظات قنا والمنيا الأقصر وسوهاج وأسيوط.
ويقول محمود علي السيد، أحد تجار الجلاب في صعيد مصر، لوكالة الأنباء الألمانية إن قرية القناوية بحري، هي القرية التي تشتهر بإنتاج الجلاب في شرق مدينة نجع حمادي. وأضاف أن أهل القرية يمتهنون تلك المهنة التي يتوارثونها عن أجدادهم، حيث تنتشر 10 مصانع تعمل في إنتاج الجلاب، ويتراوح أجر العامل الواحد في صناعة الجلاب 150 جنيها مصريا في كل يوم، وهو رقم مرتفع قياسا بالعاملين بمهن وحرف أخرى.
وبحسب السيد، فإن مدنا أخرى حاولت إنتاج «الجلاب» مثل بني سويف وجرجا، لكنها واجهت صعوبات لكون نجع حمادي هي معقل تلك الصناعة عبر التاريخ، وتتميز بعمال يجيدون تلك الصناعة. وينخفض وزن كل قطعة من حلوى الجلاب في كل عام، بسبب ارتفاع أسعار عسل قصب السكر الذي ينتج منه الجلاب، كما يرتفع سعر بيعه، ويشتري التجار 100 قطعة من الجلاب بحسب الحجم بسعر يتراوح ما بين 90 حتى 150 جنيها.
ويرى السيد أن من يتحكم في أسعار الجلاب في كل موسم، هم تجار ومنتجو العسل الأسود، الذين يقومون بتوريد العسل لمصانع الجلاب.
وتقول الباحثة المصرية، الدكتورة خديجة فيصل مهدي، إن الجلاب يُصنع من العسل الأسود، حيث يوضع وعاء ضخم تشتعل أسفله النيران حتى يصل لدرجة الغليان، ثم يُنقل إلى أوانٍ مصنوعة من الفخار ليبرد، وبعدها يُصب في قوالب مختلفة الأحجام، ثم يوضع في الشمس حتى يجف تماماً، وبعدها يجري توزيعه على تجار الجملة، الذين يورّدونه لتجار التجزئة، ثم الباعة في الأسواق ووسائل المواصلات والموالد الشعبية ومحيط الأضرحة ومقابر الأولياء والعارفين.
وتشير إلى أن الجلاب يُباع في الأحياء الشعبية في القاهرة والإسكندرية وطنطا، وغيرها من محافظات مصر، كما أنه هدية دائمة يحمله كل من يعمل في بلدان عربية من أبناء محافظة قنا ومدينة نجع حمادي.
ويتزامن بدء موسم إنتاج حلوى الجلاب، مع بدء موسم صناعة شعبية أخرى، هي صناعة العسل الأسود «المولاس»، الذي يعتمد في إنتاجه أيضا على محصول قصب السكر الذي تنتشر زراعته بالمناطق الحارة في صعيد مصر.
وبحسب خديجة فيصل، فإنه ينتشر في محافظة قنا بصعيد مصر عدد من «العصارات» التي تنتج العسل الأسود من محصول قصب السكر، ويقترب عددها من 184 عصارة، بطاقة إنتاجية قدرها 92 طناً من العسل الأسود يومياً.
وأشارت إلى أن مدينة نجع حمادي وما حولها تعد أكبر مركز لصناعة العسل الأسود بالبلاد، وترتبط بصناعة العسل الأسود أنشطة أخرى، فهناك 3 مشروعات للتعبئة والتغليف توزع يومياً قرابة 15 طناً من العسل الأسود، بجانب مئات التجار والموزعين بمختلف محافظات الصعيد. ولفتت خديجة إلى أن عسل نجع حمادي يعد الأشهر في مصر، وترتبط به بعض الأقوال الشعبية المتوارثة من جيل لجيل، مثل قولهم «كُلْ وهادي من عسل نجع حمادي».
كما توجد صناعة العسل الأسود في مدينة ملّوى، بمحافظة المنيا، وباتت مصانع العسل الأسود ومنتجاتها محط أنظار كثير من زوار المحافظة من المسؤولين المصريين والسفراء والسياح الأجانب، وهي صناعة يعتمد عليها مئات العاملين، ما بين عمال في المصنع وتجار وموزعين في مختلف مدن مصر. ويبدأ موسم صناعة العسل الأسود وحلوى الجلاب بصعيد مصر، في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الثاني)، وينتهي في شهر مايو (أيار) من كل عام.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».