المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين {في الثلاجة»

829 منهم غادروا لبنان أمس

88 سورياً غادروا النبطية ليلتقوا مع القافلة العائدة إلى سوريا عبر المصنع (الوكالة الوطنية)
88 سورياً غادروا النبطية ليلتقوا مع القافلة العائدة إلى سوريا عبر المصنع (الوكالة الوطنية)
TT

المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين {في الثلاجة»

88 سورياً غادروا النبطية ليلتقوا مع القافلة العائدة إلى سوريا عبر المصنع (الوكالة الوطنية)
88 سورياً غادروا النبطية ليلتقوا مع القافلة العائدة إلى سوريا عبر المصنع (الوكالة الوطنية)

لم تجد المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم بعد طريقها للتنفيذ رغم مرور أشهر على الإعلان عنها. إذ يرجح خبراء أن تكون وُضعت في الثلاجة بعد ربطها من قبل المجتمع الدولي بالتسوية السياسية النهائية في سوريا. لكن لبنان المتحمس لإعادة أكثر من مليون ونصف سوري إلى بلدهم، استكمل تنظيم عمليات إعادة أعداد محدودة من النازحين من خلال التنسيق غير المباشر مع النظام السوري.
وغادر أمس 829 نازحا سوريا الأراضي اللبنانية، بحسب مصدر في الأمن العام اللبناني تحدثت إليه «الشرق الأوسط» بعد تخصيص حافلات نقلتهم من نقاط محددة سابقا في الشمال والجنوب وبيروت إلى معبري المصنع والعبودية الحدوديين.
وسلم مسؤول ملف النازحين في «حزب الله» النائب السابق نوار الساحلي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لائحة اسمية جديدة بدفعة من النازحين السوريين الراغبين بالعودة الطوعية إلى سوريا. وأفادت المعلومات بأنهما تباحثا بأمور النازحين وبمواضيع تتعلق بعودتهم والتسهيلات الممنوحة من الأمن العام اللبناني.
وتتسلم المديرية بشكل شبه دوري لوائح من «حزب الله» تتضمن أسماء سوريين دققها النظام في دمشق ووافق على إعادة من ورد اسمه فيها إلى بلده. وحدد اللواء عباس إبراهيم مؤخرا عدد اللاجئين السوريين المسجلين حاليا في لبنان بـ1.3 مليون شخص. وكشف عن أن عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا بلغ نحو 50 ألفا. ويتولى الأمن العام اللبناني تنظيم عملية إعادة النازحين السوريين الراغبين بذلك، بعد تخصيصه 17 مركزا في مختلف المناطق اللبنانية لاستقبال طلباتهم.
وصعّبت أحوال الطقس أمس عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، إلا أنها لم تخفف من حماستهم. وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أن 88 سوريا غادروا مدينة النبطية في جنوب لبنان عائدين إلى بلدهم بينهم نساء وأطفال وشيوخ، لافتة إلى أن حافلتين سوريتين أقلتا العائدين الذين تجمعوا في مركز «جابر» في النبطية مع أمتعتهم.
وأشارت مستشارة وزير الخارجية لشؤون النازحين الدكتورة علا بطرس إلى أن المبادرة الروسية لم تتحول حتى الساعة إلى مبادرة دولية، «لكن اللجنة اللبنانية الروسية التي تشكلت تمكنت من تحقيق خروقات كبيرة في مجال معالجة المعوقات التي تحول دون حماسة السوريين على العودة، وهو ما أدى لتفعيل العمليات المنظمة التي يرعاها الأمن العام». وقالت بطرس لـ«الشرق الأوسط»: «أصدرت الحكومة السورية قرار عفو عن المنشقين عن الجيش السوري كما تم سحب القانون رقم 10. وهذان تطوران كبيران بدأنا نلتمس حجم تأثيرهما في عملية تفعيل العودة».
من جهته، لفت مدير معهد «الشرق الأوسط» للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر إلى أن «المبادرة الروسية لم تسقط إنما وُضعت في الثلاجة، باعتبارها ورقة تفاوضية مهمة تتمسك بها موسكو لأنها تعرف تماما أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية والأمنية لأوروبا»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنها «حاولت مقايضتها بموضوع العقوبات أو بالدفع لتمويل عملية إعادة الأعمار في سوريا، لكن تبين لها أن ظروف التسوية لم تنضج، خاصة أن الأوروبيين حريصون على أن تكون هذه العودة حقيقية وآمنة ومقترنة بشروط سياسية أبرزها الانتخابات». وأضاف: «كذلك التمس الأوروبيون إشارات متناقضة من موسكو والنظام السوري حيث لجأ الأخير إلى القانون رقم 10 وإلى تفعيل عملية التجنيد الإجباري، ما دفعهم إلى التراجع خطوات إلى الوراء خاصة في ظل استمرار إعادة الهندسة الديموغرافية داخل سوريا، مع حركة (تشييع) وسط الشام من خلال استقدام مجموعات شيعية لتسكن في المنطقة».
وأوضح نادر أن المنطقة الوحيدة التي شهدت في الفترة الماضية عودة للسوريين السنة، هي تلك الخاضعة للنفوذ التركي، مرجحا أن يعود هؤلاء قريبا أيضا إلى الجنوب السوري: «لما في ذلك من مصلحة أميركية وعربية وحتى إسرائيلية».
وأصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» منتصف الشهر الحالي، تقريرا قالت فيه إن «الحكومة السورية تمنع بصورة غير مشروعة السكان النازحين من المناطق التي كانت تحت سيطرة جماعات مناهضة للحكومة من العودة إلى ممتلكاتهم». وقالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»: «تدعو روسيا وسوريا الناس إلى العودة لجذب التمويل لإعادة الإعمار، لكن كما هو الحال دائما مع الحكومة السورية، فإن الواقع مختلف تماما. فتحت ستار قانون حقوق الملكية سيء السمعة، تمنع الحكومة السورية في الواقع السكان من العودة».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».