المخاوف من العقوبات الأميركية تدفع «إيني» خارج روسيا وتعرقل التعاون مع الصين

بعد انسحاب «إكسون موبيل» من المشروعات المشتركة مع «روسنفت»

TT

المخاوف من العقوبات الأميركية تدفع «إيني» خارج روسيا وتعرقل التعاون مع الصين

أكد مصدر من الحكومة الروسية الأنباء حول انسحاب شركة «إيني» الإيطالية من مشروعات مشتركة تنفذها مع شركة «روسنفت» الروسية. وقالت وكالة «إنترفاكس» إن مسؤولاً من الحكومة الروسية أدلى بتصريحات قبل لقاء رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف مع نظيره الإيطالي جوزيبي كونتي، أشار فيها إلى أن «روسنفت» و«إيني» اتفقتا في يونيو (حزيران) عام 2013 على التنقيب في حقول نفطية بالبحر الأسود وفي بحر بارانتسيف، وأوضح أنه «بعد الانتهاء في مارس (آذار) 2018 من حفر أول بئر استكشافية في حقل غرب البحر الأسود، استخدمت الشركة الإيطالية حقها بالانسحاب من المشروع». فضلا عن ذلك تبحث الشركة الإيطالية حالياً شروط تعليق العمل في مشروع بحر بارانتسيف، وهو مشروع آخر تنفذه بالتعاون مع «روسنفت». ولتنفيذ تلك المشروعات أسس الجانبان عام 2013 شركة مشتركة حصة «إيني» الإيطالية فيها 33.33 في المائة، و66.67 في المائة حصة «روسنفت» الروسية.
ورفض ميخائيل ليونتيف، المتحدث الرسمي باسم «روسنفت»، التعليق على تصريحات مسؤول في الحكومة الروسية لم يُكشف عن اسمه، كما لم يؤكد المكتب الإعلامي في شركة «إيني» ولم ينف صحة تلك الأنباء، واكتفى بالإشارة إلى اجتماع سيعقد مع ممثلي الشركة الروسية، وقال إنه «لقاء عمل طبيعي ولا شيء أكثر من ذلك». وكذلك رفض ممثل نقابة المستثمرين الإيطالية التعليق على انسحاب «إيني»، ونقلت عنه صحيفة «آر بي كا» قوله إن «الشراكة بين (إيني) و(روسنفت) موضوع حساس».
ولم يكشف المسؤول من الحكومة الروسية عن الأسباب التي دفعت شركة النفط الإيطالية لتجميد مشروعاتها في روسيا، إلا إن تسريبات إعلامية سابقة تشير إلى أن القرار جاء نتيجة العقوبات الأميركية ضد قطاعات من الاقتصاد الروسي، بينها المؤسسات النفطية.
وكانت وسائل إعلام روسية نقلت في شهر مارس الماضي عن مصدر مطلع قوله إن «إيني» قررت تجميد مشروعاتها المشتركة مع «روسنفت» في البحر الأسود بسبب العقوبات الأميركية. قبل ذلك، وفي شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أكدت إيما مارتشيغالي مديرة «إيني إس بي آر»، على هامش منتدى «دافوس» الاقتصادي، أن الشركة الإيطالية اضطرت للتوقف عن العمل في حقل البحر الأسود، وأشارت إلى أن موافقة الولايات المتحدة ضرورية بالنسبة لـ«إيني» نظراً لتداول أسهمها في السوق الأميركية. حينها سارعت «روسنفت» الروسية إلى نفي تلك الأنباء، وأكد ميخائيل ليونتوف، المتحدث الرسمي باسم الشركة، أن التعاون مستمر ما دامت العقوبات الأميركية تسمح بذلك.
وفي حال تأكدت الأنباء حول انسحاب «إيني» من مشروعاتها مع «روسنفت» فإنها ستكون الضربة الموجعة الثانية من هذا النوع التي تصيب قطاع الإنتاج النفطي الروسي بسبب العقوبات الأميركية.
وكانت شركة «إكسون موبيل» النفطية أعلنت في مطلع مارس الماضي عن قراراها بالانسحاب من كل المشروعات المشتركة التي تنفذها بالتعاون مع شركة «روسنفت» الروسية، وذلك على خلفية العقوبات الغربية ضد روسيا. وحينها عبرت «روسنفت» عن أسفها لقرار «إكسون موبيل» وقالت إنه «كان متوقعاً... وهو على صلة بالعقوبات»، وقال ليونتوف إن «(إكسون موبيل) كانت مضطرة لاتخاذ هذه الخطوة»، وشدد حينها على أن الانسحاب من المشروعات المشتركة، لا يعني قطعا نهائيا للعلاقات بين «إكسون موبيل» و«روسنفت»، و«سيستمر التعاون بيننا».
وأشارت تقارير إلى أن «روسنفت» التي لا تمتلك كامل التقنيات الضرورية للقيام بالأعمال في الحقول النفطية البحرية، اعتمدت على «إكسون موبيل» بصورة خاصة في أعمال التنقيب والحفر في البحر الأسود وبحار شمال روسيا، في إطار تعاون واسع بينهما تعود بداياته إلى عام 1992.
إلا إن التعقيدات التي يواجهها الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الأميركية لم تعد تقتصر على التعاون مع الشركات الغربية، بل وبرزت في التعاون مع أسواق دول حليفة؛ لا سيما الصين، التي تنظر إليها روسيا بصفتها شريكا استراتيجيا في شتى المجالات، ويُفترض أن أسواقها بعيدة عن تأثير «المخاوف من العقوبات»؛ إذ كشفت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن صعوبات في خدمة المصارف الصينية للعملاء الروس، وأشارت إلى أن هذا الوضع لا يقتصر على الشخصيات الطبيعية والاعتبارية الروسية المدرجة على قوائم العقوبات الأميركية، بل طال كذلك من لم تشملهم تلك العقوبات. ورأت الصحيفة أن «الجانب الصيني ليس على عجلة من أمره لاتخاذ تدابير لحل هذه المشكلة، مما يدفع إلى التشكيك في فعالية نهج التوجه نحو الشرق»، في إشارة منها إلى نهج الكرملين في التعاون الاستراتيجي مع الصين.
وأكدت الصحيفة الروسية أنها تمكنت من الحصول على محضر اجتماع عقدته اللجنة الفرعية الصينية - الروسية للتعاون بين البلدين في المجال المالي، في الصين نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وقالت إن الجانبين بحثا خلال ذلك الاجتماع «الحواجز التي تحول دون تنفيذ المدفوعات بين بنوك البلدين في الوقت المناسب وفتح حسابات المراسلة».
ووفقاً لمصادر «كوميرسانت»، أثار الجانب الروسي خلال الاجتماع قضية عرقلة أو توقيف البنوك الصينية عمليات الشركات الروسية. وفي ردهم على هذه المسألة اكتفى ممثلو «بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني)» بالإشارة إلى أنهم مستعدون لمواصلة تزويد المصارف الخاصة الصينية بمعلومات حول طبيعة القيود التي تفرضها العقوبات الأميركية.
وقال ممثلو مصارف روسية وصينية لها فروع في البلدين إن «المشكلة ظهرت بداية في أعقاب الموجة الأولى من العقوبات ضد روسيا نهاية عام 2014 ومطلع 2015»، وأكدوا أنهم تمكنوا حينها من «حل المشكلة بشكل ما»، وأن الوضع حافظ على استقراره طيلة الفترة الماضية، إلا إن «الوضع تغير بصورة خاصة منذ مايو (أيار) الماضي، لا سيما في ما يخص الشركات التي أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة العقوبات ضد روسيا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، وتحديداً شركات (أوليغ ديريباسكا) و(فيكتور فيكسلبيرغ)».



العقوبات الأميركية الجديدة تعطل إمدادات النفط الروسي للصين والهند

نموذج لمضخة رافعة أمام كلمة «عقوبات» بينما الخلفية علما الولايات المتحدة وروسيا (رويترز)
نموذج لمضخة رافعة أمام كلمة «عقوبات» بينما الخلفية علما الولايات المتحدة وروسيا (رويترز)
TT

العقوبات الأميركية الجديدة تعطل إمدادات النفط الروسي للصين والهند

نموذج لمضخة رافعة أمام كلمة «عقوبات» بينما الخلفية علما الولايات المتحدة وروسيا (رويترز)
نموذج لمضخة رافعة أمام كلمة «عقوبات» بينما الخلفية علما الولايات المتحدة وروسيا (رويترز)

قال تجار ومحللون إن شركات التكرير الصينية والهندية ستحصل على مزيد من النفط من الشرق الأوسط وأفريقيا والأميركتين، مما يعزز الأسعار وتكاليف الشحن، حيث إن العقوبات الأميركية الجديدة على المنتجين والسفن الروسية تحد من الإمدادات إلى كبار عملاء موسكو.

وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية يوم الجمعة، عقوبات على منتجي النفط الروسيين «غازبروم نفت» و«سورغوتنيفتغاز»، بالإضافة إلى 183 سفينة قامت بشحن النفط الروسي، مستهدفةً بذلك الإيرادات التي استخدمتها موسكو لتمويل حربها مع أوكرانيا.

واستُخدم كثير من الناقلات لشحن النفط إلى الهند والصين، حيث أدت العقوبات الغربية والسقف السعري الذي فرضته مجموعة الدول السبع في عام 2022، إلى تحويل تجارة النفط الروسي من أوروبا إلى آسيا. كما قامت بعض الناقلات بشحن النفط من إيران، التي تخضع أيضاً للعقوبات.

وقال مصدران تجاريان صينيان إن صادرات النفط الروسية ستتضرر بشدة من العقوبات الجديدة، التي ستجبر شركات التكرير الصينية المستقلة على خفض إنتاج التكرير في المستقبل.

وقال كبير محللي الشحن بشركة «كبلر»، مات رايت، في مذكرة، إن من بين السفن التي فُرضت عليها العقوبات الجديدة 143 ناقلة نفط ناقلة نفط ناولت أكثر من 530 مليون برميل من الخام الروسي العام الماضي، أي نحو 42 في المائة من إجمالي صادرات البلاد من الخام المنقول بحراً. وأضاف أن نحو 300 مليون برميل منها تم شحنها إلى الصين، بينما ذهب الجزء الأكبر من الكمية المتبقية إلى الهند.

ورأى رايت أن هذه العقوبات «ستقلل بشكل كبير من أسطول السفن المتاحة لتوصيل الخام من روسيا على المدى القصير، مما يدفع أسعار الشحن إلى الأعلى».

وقال تاجر مقيم في سنغافورة إن الناقلات المعينة شحنت ما يقرب من 900 ألف برميل يومياً من الخام الروسي إلى الصين على مدار الأشهر الـ12 الماضية. وأضاف: «سوف تنخفض الأسعار بشكل كبير».

وخلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي، ارتفعت واردات الهند من الخام الروسي بنسبة 4.5 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 1.764 مليون برميل يومياً، أو 36 في المائة من إجمالي واردات الهند. وارتفع حجم واردات الصين، بما في ذلك إمدادات خطوط الأنابيب، بنسبة 2 في المائة لتصل إلى 99.09 مليون طن متري (2.159 مليون برميل يومياً)، أو 20 في المائة من إجمالي وارداتها، خلال الفترة نفسها.

وتتكون واردات الصين في معظمها من خام مزيج «إيسبو» الروسي الذي يباع فوق سقف الأسعار، بينما تشتري الهند في الغالب نفط الأورال.

وقالت المحللة في شركة «فورتكسيا»، إيما لي، إن صادرات خام مزيج «إيسبو» الروسي ستتوقف إذا تم تطبيق العقوبات بصرامة، ولكن الأمر سيعتمد على ما إذا كان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يرفع الحظر، وكذلك ما إذا كانت الصين تقر بالعقوبات، أم لا.

عامل محطة يزود سيارة أحد العملاء بالوقود في محطة وقود «نفتا» المملوكة لشركة «غازبروم» في بلغراد (أ.ف.ب)

البدائل

قالت المصادر إن العقوبات الجديدة ستدفع الصين والهند إلى سوق النفط المتوافقة مع العقوبات الجديدة للبحث عن مزيد من الإمدادات من الشرق الأوسط وأفريقيا والأميركتين. وأضافوا أن الأسعار الفورية للخامات في الشرق الأوسط وأفريقيا والبرازيل ارتفعت بالفعل في الأشهر الأخيرة، بسبب ارتفاع الطلب من الصين والهند مع تقلص إمدادات النفط الروسي والإيراني وارتفاع تكلفته.

وقال مسؤول تكرير نفط هندي: «بالفعل، ترتفع أسعار درجات الشرق الأوسط... ليس هناك خيار سوى أن نذهب إلى نفط الشرق الأوسط. وربما نضطر إلى شراء النفط الأميركي أيضاً».

وذكر مصدر تكرير هندي ثانٍ أن العقوبات المفروضة على شركات التأمين على النفط الروسي ستدفع روسيا إلى تسعير خامها بأقل من 60 دولاراً للبرميل، حتى تتمكن موسكو من الاستمرار في استخدام التأمين والناقلات الغربية.

وقال رئيس قسم الأبحاث في مجموعة «أونيكس كابيتال غروب»، هاري تشيلينغوريان: «من غير المرجح أن تنتظر شركات التكرير الهندية، وهي المستورد الرئيسي للخام الروسي، لتكتشف ذلك، وستسعى جاهدة لإيجاد بدائل في خام الشرق الأوسط وخام حوض الأطلسي المرتبط بخام برنت المؤرّخ».

وفي الشهر الماضي، أدرجت إدارة بايدن مزيداً من السفن التي تتعامل مع الخام الإيراني قبل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة متوقعة من إدارة ترمب المقبلة، مما دفع مجموعة مواني شاندونغ إلى حظر الناقلات الخاضعة للعقوبات من الوصول إلى موانيها في المقاطعة الصينية الشرقية.

ونتيجة لذلك، ستتحول الصين، المشتري الرئيسي للخام الإيراني، إلى نفط الشرق الأوسط الأثقل، وعلى الأرجح ستزيد من مشترياتها من الخام الكندي من خط الأنابيب العابر للجبال (TMX)، بحسب تشيلينغويريان.