طائر «شارع سمسم» يتقاعد بعد 50 سنة

كارول سبايني لاعب دور الطائر الكبير في برنامج «شارع سمسم» يتقاعد بعد 50 سنة على تقديم العرض (أ.ب)
كارول سبايني لاعب دور الطائر الكبير في برنامج «شارع سمسم» يتقاعد بعد 50 سنة على تقديم العرض (أ.ب)
TT

طائر «شارع سمسم» يتقاعد بعد 50 سنة

كارول سبايني لاعب دور الطائر الكبير في برنامج «شارع سمسم» يتقاعد بعد 50 سنة على تقديم العرض (أ.ب)
كارول سبايني لاعب دور الطائر الكبير في برنامج «شارع سمسم» يتقاعد بعد 50 سنة على تقديم العرض (أ.ب)

بعد ظهيرة أحد الأيام أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 1969، كانت فتاة صغيرة تدعى سالي تتجول في حيّها الجديد بـ«شارع سمسم». في ذلك اليوم قابلت سالي السيد هوبر الذي كان مديراً للمتجر الواقع على ناصية الشارع، والتقت سيدة رقيقة تدعى سوزان قدمت لها بعض الكعك والحليب، والتقت كذلك طفلين آخرين من منطقة «إيرانا ورونالد».
فجأة سمعت سالي صوت طرق على صندوق القمامة، فتساءلت: «ما هذا؟».
مصدر الصوت جاء من أحد أبواب الحارة؛ كان طائرا أصفر ضخما بطول 8 أقدام، وكان ظهوره مفاجأة كبيرة لسالي، والأهم أنه غيّر برامج الأطفال التلفزيونية إلى الأبد. قال الطائر العملاق ذو الريش: «أنا طائر عصبي جداً. لقد وضعت بيضة في شارع سمسم».

الطائر الكبير

منذ الحلقة الأولى من حلقات «شارع سمسم» عام 1969، استمرت الدمية الطفولية الضخمة تمثل مصدر جذب وعشق للأطفال حول العالم، بعد أن سكنت عقولهم وقلوبهم وعقول آبائهم أيضاً.
وخلال السنوات الخمسين الفائتة، كان صوت الطائر الكبير يؤديه شخص واحد فقط هو كارول سبايني. بات عمر الرجل الآن 84 سنة، وها قد تقاعد عن العمل في البرنامج الأسبوع الماضي بعد أن ظهر في آلاف الحلقات. لم يؤد سبايني صوت «الطائر الكبير» فقط، بل أدى أيضاً دور «أوسكار ذا غوش». ولنكون أمناء بخصوص التسلسل الهرمي لتراث الدمى في البلاد، فقد كانت شخصية جيم هانسون هي الوحيدة التي أطلقت عليها مكتبة الكونغرس اسم «الأسطورة الحية»، فلم تكن الدمية التي عاشت في صندوق القمامة، أو الضفدعة.
وفي حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال سبايني إن «لعب دور الطائر الكبير يعد أحد أكثر الأشياء بهجة في حياتي». في الواقع، أفادت باقي الشخصيات التي ظهرت في «شارع سمسم» وفي عوالم هانسون الأخرى التي تحدثت عن نفسها وليس على لسان دُماها، أنه كان من الصعب تحديد المرحلة التي انفصل فيها سبايني عن شخصية «الطائر الكبير»، وخصوصاً إحساس براءة الطفولة.
وفي وصفه لسبايني في برنامج «أنا الطائر الكبير» قال نورمان ستايلز، أحد كُتاب البرنامج: «هو بالفعل الطائر الكبير. ليس لدي أدنى شك في أنّ الطائر الكبير هو سبايني. انظر داخله وسترى الريش». فهو مرتبط بذكريات الطفولة، وهي بالطبع ليست كلها سعيدة.
وحسب ما جاء في موقع «بلومبيرغ» الإخباري، فقد نشأ سبايني في ولاية ماسيتشوسيتس وكان مغرماً بالدمى. وفي الفيلم الوثائقي، تذكر سبايني أنّه اشترى دمية مقابل خمسة سنتات ليؤدي بها عرض الدمى وكان سعر التذكرة حينها سنتين. كانت والدته فنانة وقد كتبت بعض الحلقات له، فيما كان والده يرى أنّ فن تحريك الدمى أمر تافه وعديم المعنى والقيمة.
كانت أمه دائماً تقف بين سبايني ووالده عندما يحتدم الخلاف، وكانت تتلقى اللكمات بدلا عنه.
كان سبايني شخصا غريب الأطوار في المرحلة الثانوية، لم يكن يمارس الرياضة، وكان يقضي أوقاتا طويلة منعزلاً عن الآخرين يرسم، ويفكر في عروض الدمى. وبعد التخرج قرّر الابتعاد عن والده فالتحق بالقوات الجوية. وبعدما أنهى فترة الخدمة أدى بعض العروض التلفزيونية بالدمى في ولاية بوسطن، وانضم لفرقة عروض «بوزو المهرج» المسرحية.
حصل سبايني على فرصته الحقيقية في ولاية أوتا. فقد كان هانسون مشهوراً بالفعل بعروضه في مسرح عرائس «مابيتس»، ودعا سبايني للعمل معه في نيويورك. ولأن فترة الستينات كانت كلها فوضى في الولايات المتحدة، فقد كانت عروض «شارع سمسم» و«السيد روجرز» مصدر بهجة للشعب الأميركي في غرف معيشته خلال تلك الفترة. في البداية، كانت شخصية «الطائر الكبير» شخصا بالغا في دور «معتوه القرية»، لكن لاحقا وفي الموسم الأول، شرع سبايني وكاتب «شارع سمسم» في تصور «الطائر الكبير» بعقلية مختلفة وجعلا منه مخلوقا خاليا من الهموم، بريئا وشغوفا في عمر السادسة.
ذاع صيت سبايني و«الطائر الكبير» عالمياً بعد أن سافر إلى الصين برفقة الكوميديان بوب هوب ليقوما ببطولة أفلام عديدة. والطريف أن سبايني استخدم سياسيا عام 2012 عندما قال المرشح الرئاسي ميت رومني خلال مناظرة رئاسية إنّه يحب «الطائر الكبير»، لكنّه لا يزال مصرّاً على تقليص الإنفاق على التلفزيون. لكن سرعان ما دافع «الطائر الكبير» عن نفسه في برنامج «ستارداي نايت لايف».
لم يكن أداء دور «الطائر الكبير خلال كل تلك السنوات أمرا سهلا لسبايني لأنّ ساعات عمله الطويلة كانت تبقيه بعيداً عن أسرته. كان العمل شاقا جسمانيا لأنّه كان يستخدم أربعة أصابع من يده اليمنى ليتحكم في فم (الطائر الكبير)، وكان يغمز عيني الطائر بخنصره، فيما كانت يده اليسرى تتحكّم في جناحيه من خلال بكرة».
لم يكن سبايني يرى من خلال عيني «الطائر الكبير»، إنّما من خلال شاشة تلفزيون صغيرة مثبته على صدره. كان يضع النص المكتوب على تجويف صدر «الطائر الكبير» من الداخل، ولكنّ في الحقيقة، كانت الكلمات والإحساس من إبداعه الشّخصي.
في عام 1990، بعدما مات هانسون نتيجة التهاب رئوي أصابه وهو في عمر 53، أدى «الطائر الكبير» عرضاً خلال الجنازة على شرفه. كان هانسون بطل سبايني، فهو من غيّر حياته. كانت طبقة صوت «الطائر الكبير» مثالية حتى في السطور الحزينة الأخيرة التي قال فيها: «ثمّ نظر إلى السّماء وقال: شكرا أيها الضفدع كيرميت»، ونحن بدورنا نقول: شكرا أيها «الطائر الكبير».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».