بعد ظهيرة أحد الأيام أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 1969، كانت فتاة صغيرة تدعى سالي تتجول في حيّها الجديد بـ«شارع سمسم». في ذلك اليوم قابلت سالي السيد هوبر الذي كان مديراً للمتجر الواقع على ناصية الشارع، والتقت سيدة رقيقة تدعى سوزان قدمت لها بعض الكعك والحليب، والتقت كذلك طفلين آخرين من منطقة «إيرانا ورونالد».
فجأة سمعت سالي صوت طرق على صندوق القمامة، فتساءلت: «ما هذا؟».
مصدر الصوت جاء من أحد أبواب الحارة؛ كان طائرا أصفر ضخما بطول 8 أقدام، وكان ظهوره مفاجأة كبيرة لسالي، والأهم أنه غيّر برامج الأطفال التلفزيونية إلى الأبد. قال الطائر العملاق ذو الريش: «أنا طائر عصبي جداً. لقد وضعت بيضة في شارع سمسم».
الطائر الكبير
منذ الحلقة الأولى من حلقات «شارع سمسم» عام 1969، استمرت الدمية الطفولية الضخمة تمثل مصدر جذب وعشق للأطفال حول العالم، بعد أن سكنت عقولهم وقلوبهم وعقول آبائهم أيضاً.
وخلال السنوات الخمسين الفائتة، كان صوت الطائر الكبير يؤديه شخص واحد فقط هو كارول سبايني. بات عمر الرجل الآن 84 سنة، وها قد تقاعد عن العمل في البرنامج الأسبوع الماضي بعد أن ظهر في آلاف الحلقات. لم يؤد سبايني صوت «الطائر الكبير» فقط، بل أدى أيضاً دور «أوسكار ذا غوش». ولنكون أمناء بخصوص التسلسل الهرمي لتراث الدمى في البلاد، فقد كانت شخصية جيم هانسون هي الوحيدة التي أطلقت عليها مكتبة الكونغرس اسم «الأسطورة الحية»، فلم تكن الدمية التي عاشت في صندوق القمامة، أو الضفدعة.
وفي حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال سبايني إن «لعب دور الطائر الكبير يعد أحد أكثر الأشياء بهجة في حياتي». في الواقع، أفادت باقي الشخصيات التي ظهرت في «شارع سمسم» وفي عوالم هانسون الأخرى التي تحدثت عن نفسها وليس على لسان دُماها، أنه كان من الصعب تحديد المرحلة التي انفصل فيها سبايني عن شخصية «الطائر الكبير»، وخصوصاً إحساس براءة الطفولة.
وفي وصفه لسبايني في برنامج «أنا الطائر الكبير» قال نورمان ستايلز، أحد كُتاب البرنامج: «هو بالفعل الطائر الكبير. ليس لدي أدنى شك في أنّ الطائر الكبير هو سبايني. انظر داخله وسترى الريش». فهو مرتبط بذكريات الطفولة، وهي بالطبع ليست كلها سعيدة.
وحسب ما جاء في موقع «بلومبيرغ» الإخباري، فقد نشأ سبايني في ولاية ماسيتشوسيتس وكان مغرماً بالدمى. وفي الفيلم الوثائقي، تذكر سبايني أنّه اشترى دمية مقابل خمسة سنتات ليؤدي بها عرض الدمى وكان سعر التذكرة حينها سنتين. كانت والدته فنانة وقد كتبت بعض الحلقات له، فيما كان والده يرى أنّ فن تحريك الدمى أمر تافه وعديم المعنى والقيمة.
كانت أمه دائماً تقف بين سبايني ووالده عندما يحتدم الخلاف، وكانت تتلقى اللكمات بدلا عنه.
كان سبايني شخصا غريب الأطوار في المرحلة الثانوية، لم يكن يمارس الرياضة، وكان يقضي أوقاتا طويلة منعزلاً عن الآخرين يرسم، ويفكر في عروض الدمى. وبعد التخرج قرّر الابتعاد عن والده فالتحق بالقوات الجوية. وبعدما أنهى فترة الخدمة أدى بعض العروض التلفزيونية بالدمى في ولاية بوسطن، وانضم لفرقة عروض «بوزو المهرج» المسرحية.
حصل سبايني على فرصته الحقيقية في ولاية أوتا. فقد كان هانسون مشهوراً بالفعل بعروضه في مسرح عرائس «مابيتس»، ودعا سبايني للعمل معه في نيويورك. ولأن فترة الستينات كانت كلها فوضى في الولايات المتحدة، فقد كانت عروض «شارع سمسم» و«السيد روجرز» مصدر بهجة للشعب الأميركي في غرف معيشته خلال تلك الفترة. في البداية، كانت شخصية «الطائر الكبير» شخصا بالغا في دور «معتوه القرية»، لكن لاحقا وفي الموسم الأول، شرع سبايني وكاتب «شارع سمسم» في تصور «الطائر الكبير» بعقلية مختلفة وجعلا منه مخلوقا خاليا من الهموم، بريئا وشغوفا في عمر السادسة.
ذاع صيت سبايني و«الطائر الكبير» عالمياً بعد أن سافر إلى الصين برفقة الكوميديان بوب هوب ليقوما ببطولة أفلام عديدة. والطريف أن سبايني استخدم سياسيا عام 2012 عندما قال المرشح الرئاسي ميت رومني خلال مناظرة رئاسية إنّه يحب «الطائر الكبير»، لكنّه لا يزال مصرّاً على تقليص الإنفاق على التلفزيون. لكن سرعان ما دافع «الطائر الكبير» عن نفسه في برنامج «ستارداي نايت لايف».
لم يكن أداء دور «الطائر الكبير خلال كل تلك السنوات أمرا سهلا لسبايني لأنّ ساعات عمله الطويلة كانت تبقيه بعيداً عن أسرته. كان العمل شاقا جسمانيا لأنّه كان يستخدم أربعة أصابع من يده اليمنى ليتحكم في فم (الطائر الكبير)، وكان يغمز عيني الطائر بخنصره، فيما كانت يده اليسرى تتحكّم في جناحيه من خلال بكرة».
لم يكن سبايني يرى من خلال عيني «الطائر الكبير»، إنّما من خلال شاشة تلفزيون صغيرة مثبته على صدره. كان يضع النص المكتوب على تجويف صدر «الطائر الكبير» من الداخل، ولكنّ في الحقيقة، كانت الكلمات والإحساس من إبداعه الشّخصي.
في عام 1990، بعدما مات هانسون نتيجة التهاب رئوي أصابه وهو في عمر 53، أدى «الطائر الكبير» عرضاً خلال الجنازة على شرفه. كان هانسون بطل سبايني، فهو من غيّر حياته. كانت طبقة صوت «الطائر الكبير» مثالية حتى في السطور الحزينة الأخيرة التي قال فيها: «ثمّ نظر إلى السّماء وقال: شكرا أيها الضفدع كيرميت»، ونحن بدورنا نقول: شكرا أيها «الطائر الكبير».