موسكو تطالب واشنطن بـ«توضيحات» حول المعاهدة الصاروخية عشية لقاء بوتين وبولتون

لوّحت بخطوات لضمان «توازن القوى» وسط دعوات دولية للحوار

محادثات بين الوفد الأميركي برئاسة جون بولتون ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في موسكو أمس (إ.ب.أ)
محادثات بين الوفد الأميركي برئاسة جون بولتون ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في موسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

موسكو تطالب واشنطن بـ«توضيحات» حول المعاهدة الصاروخية عشية لقاء بوتين وبولتون

محادثات بين الوفد الأميركي برئاسة جون بولتون ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في موسكو أمس (إ.ب.أ)
محادثات بين الوفد الأميركي برئاسة جون بولتون ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف في موسكو أمس (إ.ب.أ)

سيطر ملف الانسحاب الأميركي المحتمل من معاهدة تقليص الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى على محادثات مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جون بولتون في موسكو أمس، فيما كررت موسكو مطالبها بـ«توضيحات أميركية».
ورغم أن مصادر متطابقة من الطرفين الروسي والأميركي أعلنت أن بولتون ناقش خلال لقاء مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف رزمة من الملفات الخلافية، بينها الوضع في سوريا وكوريا الشمالية والبرنامج النووي الإيراني وقضايا مكافحة الإرهاب، فإن موضوع «الأمن الاستراتيجي» برز بقوة على طاولة المفاوضات، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب نية بلاده الانسحاب من المعاهدة الموقعة بين الطرفين في عام 1987، التي وصفتها أوساط روسية بأنها «تشكل ركناً أساسياً في الاستقرار والأمن، ليس فقط في أوروبا بل على المستوى الدولي كله».
ولم يعلن الطرفان بعد المحادثات عن نتائج محددة في مساعي تقريب وجهات النظر حول الملف، لكن الناطق باسم مجلس الأمن الروسي يفغيني أنوخين قال إن الجانبين «أكدا أهمية مواصلة الاتصالات على مستوى مجلسي الأمن، وكذلك على مستوى وزارات ومؤسسات معينة في البلدين لمناقشة قضايا الأمن وتوسيع آفاق بناء الحوار حول القضايا الاستراتيجية».
ولفت بيان أصدره مجلس الأمن الروسي إلى أن الطرفين ركزا على قضايا عدم انتشار الأسلحة المحظورة ومراقبة التسلح، وأنهما تبادلا الآراء حول تمديد معاهدة «ستارت» لمدة 5 سنوات إضافية، وهي المعاهدة الثانية التي كانت واشنطن لوحت بالانسحاب منها.
وكانت واشنطن اتّهمت موسكو بانتهاك بنود المعاهدة عبر تطوير قدرات صاروخية محظورة بموجبها، لكن هذه الاتهامات والتلويح بقرار الانسحاب من المعاهدة قوبل بعاصفة من الانتقادات داخل الأوساط السياسية والبرلمانية الروسية.
وقال الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، إن هذا الملف سوف يناقش خلال اجتماع يتم ترتيبه لبولتون مع الرئيس فلاديمير بوتين، وينتظر أن يتم اليوم (الثلاثاء). وقال بيسكوف إن الجانب الروسي سيطلب توضيحات من واشنطن حول إعلان ترمب نيته الانسحاب من المعاهدة، مؤكداً أن «موسكو لم تنتهك أبداً بنود هذه المعاهدة، على عكس واشنطن التي خرقتها مراراً».
وذكر الناطق الرئاسي الروسي أن بوتين «رفض مراراً وبشكل قاطع تماماً، الاتهامات الأميركية ضد روسيا بشأن انتهاك بنود هذه المعاهدة، وقدّمنا أدلة تدين الولايات المتحدة بتجاوز المعاهدة، عبر القيام بصناعة ونشر صواريخ اعتراضية مضادة يمكن بسهولة إدخال تعديلات عليها لتحويلها إلى صواريخ قصيرة أو متوسطة المدى تحظرها المعاهدة، وكذلك عبر استخدام طائرات من دون طيار يمكن أن تشكل خطراً أكبر من الصواريخ قصيرة أو متوسطة المدى».
وشدد بيسكوف على أن بلاده «ملتزمة ببنود المعاهدة، وترى أن نية الانسحاب من هذه الوثيقة مسألة مثيرة للقلق، وخطوات من هذا النوع يمكن أن تجعل العالم أكثر خطورة». لكن بيسكوف أشار في الوقت ذاته إلى أن إعلان ترمب قرار الانسحاب من المعاهدة لم يلتزم «إجراءات الانسحاب المنصوص عليها في الوثيقة الموقعة بين الجانبين»، موضحاً: «لقد تم التعبير عن نيات، ولكن هذا لم يدعم باتخاذ الإجراءات الضرورية لذلك».
وقال بيسكوف إن «دولاً كثيرة في آسيا ومناطق أخرى تقوم بتطوير الأنظمة المماثلة التي يمكن اعتبارها صواريخ متوسطة وقصيرة المدى. لكن روسيا والولايات المتحدة هما الدولتان اللتان تتحملان مسؤولية الاستقرار ومسؤولية الأمن في العالم».
في غضون ذلك، لوحت أوساط عسكرية وبرلمانية روسية بـ«خطوات جوابية قوية»، وسارعت الخارجية الروسية إلى وصف الانسحاب الأميركي منها بأنه «عملية ابتزاز كبرى» تنوي واشنطن القيام بها، بهدف «حملنا على تقديم تنازلات في ملفات الأمن الاستراتيجي»، وفقاً لتعليق نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف.
في حين علق الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف على قرار ترمب بأنه «يخلو من الحكمة». وبدا غورباتشوف الذي وقع مع الجانب الأميركي هذه المعاهدة في عام 1987 غاضباً، وقال إن الإدارة الأميركية تقوض بذلك أحد أهم أركان الأمن الاستراتيجي في أوروبا. وذكّر بأن توقيع المعاهدة احتاج إلى مفاوضات شاقة وطويلة في ذلك الوقت، وأنها كانت «انتصاراً سياسياً مهماً».
ورغم تجنب موسكو توضيح الخطوات الجوابية المحتملة رسمياً، لكن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ قسطنطين كوساتشيف شدد على أن لدى «موسكو خطوات عملية للرد على واشنطن»، موضحاً بذلك أن الرد لن يكون على قرار الانسحاب فقط، بل سيشمل إجراءات مستقبلية تضمن لموسكو «أن تكون جاهزة لمواجهة خطوات ستقوم بها واشنطن بعد أن تتحرر من القيود التي كانت المعاهدة تفرضها على الطرفين».
وحملت هذه التصريحات إشارات واضحة إلى أن موسكو «ستطلق برامج واسعة لتطوير تقنيات صاروخية متوسطة وقصيرة المدى، وستعمل على نشرها في مناطق كانت المعاهدة تضع قيوداً عليها»، وفقاً لتعليق خبير عسكري وصفته وسائل إعلام بأنه مقرب من وزارة الدفاع.
وذكّر كوساتشيف بتصريحات سابقة للرئيس بوتين، قال فيها إن «لدى روسيا جاهزية عسكرية وتقنية تامة بهذا الخصوص، وسيكون الرد فورياً». بينما قال وزير الخارجية سيرغي لافروف في وقت لاحق، إن بلاده ستعمل في كل الأحوال على ضمان «توازن القوى» في حال انسحبت واشنطن من المعاهدة. وكانت واشنطن وجهت في يوليو (تموز) 2014، اتهامات إلى موسكو بانتهاك المعاهدة، وكررت بعد ذلك الاتهامات مراراً، لكن موسكو قالت إنه ليس لدى الأميركيين أدلة على هذه الانتهاكات. وأكدت أن التقنيات الصاروخية الجديدة التي تصنعها موسكو لا تخالف في مداها وقدراتها بنود المعاهدة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حذرت الخارجية الأميركية من أن واشنطن ستتخذ «إجراءات اقتصادية وعسكرية» حال عدم عودة موسكو إلى تنفيذ التزاماتها بموجب المعاهدة.
وكان للقرار الأميركي أصداء دولية، أبرزها الموقفان الأوروبي والصيني. وقد شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أهمية معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى التي وقعت خلال الحرب الباردة، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي، وفق ما أعلن مكتبه أمس. وأورد مكتب ماكرون أنه خلال الاتصال الذي جرى الأحد «شدد الرئيس على أهمية هذه المعاهدة، خصوصاً بالنسبة إلى الأمن الأوروبي واستقرارنا الاستراتيجي».
من جهته، دعا الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة وروسيا أمس، إلى «مواصلة» الحوار بهدف «الحفاظ» على معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى. كذلك، دعت الصين الولايات المتحدة إلى «التروي» في موضوع انسحابها من المعاهدة، معتبرة أن «الانسحاب من جانب واحد ستكون له آثار سلبية متعددة».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».