نحو سباق تسلّح يرسم الخطوط الجديدة للنفوذ الدولي

بعد إعلان ترمب نيته الانسحاب من معاهدة «النووي المتوسط المدى»

الرئيس الأميركي رونالد ريغان - إلى اليمين - والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يوقّعان المعاهدة في البيت الأبيض يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 1987 (ويكيبيديا)
الرئيس الأميركي رونالد ريغان - إلى اليمين - والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يوقّعان المعاهدة في البيت الأبيض يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 1987 (ويكيبيديا)
TT

نحو سباق تسلّح يرسم الخطوط الجديدة للنفوذ الدولي

الرئيس الأميركي رونالد ريغان - إلى اليمين - والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يوقّعان المعاهدة في البيت الأبيض يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 1987 (ويكيبيديا)
الرئيس الأميركي رونالد ريغان - إلى اليمين - والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يوقّعان المعاهدة في البيت الأبيض يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) 1987 (ويكيبيديا)

وضع إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترمب نيّته الانسحاب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى المبرمة عام 1987 والتي وقعها الرئيس الأميركي رونالد ريغان وزعيم الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، العالم في مواجهة معادلة جديدة، قد تصل في حدها الأقصى إلى الانخراط في سباق نووي.
ترمب الذي لا يتردد في اتخاذ قرارات جريئة ومفاجئة، اتّهم روسيا بأنّها "تنتهك منذ سنوات عديدة" معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى. وأضاف: "لا أعرف لماذا لم يتفاوض الرئيس (باراك) أوباما عليها أو ينسحب منها. نحن لن نسمح لهم بانتهاك اتفاقية نووية وتصنيع أسلحة في حين أنّنا ممنوعون من ذلك".
وسبق قرار ترمب بيومين، كلام لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شكك في الفرضية القائلة إن انتشار الأسلحة النووية وتوازن الرعب يضمنان عدم حصول حرب نووية، بل قال إن "فرضية استحالة الحرب النووية التي صيغت في العهد السوفياتي بالتعاون مع الولايات المتحدة تحتاج إلى التأكيد في الظروف الراهنة". وتحدّث في هذا السياق عن عمل دول حلف شمال الأطلسي على "تكديس الأسلحة على حدودنا والتوجه نحو تحديث البنية التحتية الخاصة بطرق النقل لضمان سرعة وصول المعدات العسكرية الأميركية الثقيلة".
وربط لافروف هذه التطورات بالعقيدة النووية الأميركية الجديدة التي اعتمدتها وزارة الدفاع "البنتاغون" و"يجري بموجبها خفض الحد من استخدام الأسلحة النووية وتصنيع أسلحة نووية صغيرة جداً مع نية واضحة لجعل هذا النوع من الأسلحة وسيلة محتملة لخوض الحرب. وهذا ما ينسف من الناحية النظرية كل الاتفاقات القائمة التي تعتبر هذه الأسلحة بموجبها أدوات للتخويف وللردع المتبادل لا لممارسة العمليات العسكرية".
وتنص وثيقة البنتاغون على أن واشنطن ستواصل استثمار الأموال في تصميم الأسلحة النووية ذات القدرات الصغيرة، بالإضافة إلى تحديث مكونات "الثلاثي النووي"، أي الصواريخ العابرة للقارات والغواصات الاستراتيجية والقاذفات.
*ما سبب القرار؟
لن تنفع على الأرجح مناشدات زعماء الدول في ثني ترمب عن قراره، وإن كان من بين هؤلاء "صديقه" الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وسيتواصل بالطبع التراشق بين واشنطن وموسكو وتبادل التهم بانتهاك المعاهدة.
لكن بعيداً عن هذا يجدر السؤال: لماذا اتخذ الرئيس الاميركي هذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات؟
يجب أولاً أن نذكر أن توقيع المعاهدة بين ريغان وغورباتشوف عام 1987 كان لحظة فاصلة في كتابة الفصل الأخير من الحرب الباردة، في أوج موجة الانفتاح التي أطلقها الزعيم السوفياتي وأفضت في النهاية إلى انفراط عقد الاتحاد السوفياتي والمعسكر الذي يدور في فلكه. وساعدت المعاهدة التي وقّعت في واشنطن ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يونيو (حزيران) 1988، في التخلص من آلاف الصواريخ المنصوبة على اليابسة والتي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.
يقول محللون إن وراء قرار ترمب مساعدين نافذين في الإدارة من "الصقور"، مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون الموجود حالياً في موسكو. ويستندون في ذلك إلى كون الاتهامات الأميركية والأطلسية لموسكو بانتهاك المعاهدة قديمة ومتكررة، لكنها لم تفضِ إلى قرار انسحاب. ويعتبر المحللون أن ترمب خدم الروس باتخاذه هذه الخطوة، إذ أعطاهم المبرر للتخلص من المعاهدة.
ومن أصحاب هذا الرأي ستيفن بايفر، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والخبير الحالي في "معهد بروكينغز"، الذي يقول إن الولايات المتحدة ستُلام على إنهاء المعاهدة، و بما أن "البراهين الأميركية على الانتهاك الروسي لها مصنفة سريّة ولن تُكشف، فإن السجال العلني سيقتصر على تبادل الاتّهامات".
ويضيف بايفر أن انتهاء المعاهدة هو عسكرياً لمصلحة الروس، لأنهم يملكون صواريخ متوسطة المدى لا تملك مثلها الولايات المتحدة حالياً، الأمر الذي سيدفع بالأخيرة إلى تصنيع ما تحتاج إليه، وبالتالي سينطلق سباق تسلّح نووي جديد تبدأه واشنطن من موقع متأخّر.
يوافق الأميرال المتقاعد جون كيربي، المحلل العسكري والدبلوماسي في شبكة "سي إن إن" التلفزيونية، على أن القرار حقق لموسكو بعض المكاسب. ويقول: "هذا يمنح بوتين نصرا ويسمح له بالتعجيل في تطوير قدراته"، مضيفا أنه "سيكون الآن قادرا على انتهاك المعاهدة علانية".
وليس أوضح في هذا المجال من الكلام الرسمي الروسي الذي ورد على لسان المتحدث باسم الكرملين ديكتري بيسكوف الذي قال اليوم (الإثنين) إن الخطوة الأميركية ستجعل العالم أكثر خطورة، وإن روسيا ستضطر للتحرك من أجل استعادة توازن القوة العسكرية إذا انسحبت واشنطن من المعاهدة وشرعت في تطوير صواريخ جديدة.

*الأبعاد الأخرى
بعيداً عن الظاهر والآنيّ، يشير محللون آخرون إلى أن نية الخروج من المعاهدة مع موسكو لا تتعلق بروسيا وحدها، بل يجب العودة في هذا السياق إلى العقيدة النووية الأميركية التي صدرت في فبراير (شباط) الماضي. ففي مقدمتها كتب وزير الدفاع جيم ماتيس أنه منذ آخر مراجعة للموقف النووي عام 2010، تغيرت البيئة الاستراتيجية العالمية، فكوريا الشمالية تستفزّ المجتمع الدولي، وروسيا والصين تحدّثان أسلحتهما وتتخذان إجراءات أكثر جرأة تتصل بقواتهما العسكرية التقليدية.
وأضاف ماتيس: "يجب أن ننظر إلى الواقع ونرى العالم كما هو، وليس كما نرغب في أن يكون. هذه المراجعة تعكس التقييم العملي والواقعي للتهديدات التي نواجهها والشكوك المحيطة بالبيئة الأمنية المستقبلية".
وفي قراءة بين السطور لوثيقة وزارة الدفاع الأميركية، قال البروفسور في جامعة يال بول براكن، إن الخطوات الروسية والصينية تؤثر سلباً في النفوذ الأميركي في غرب المحيط الهادئ وجنوب آسيا والشرق الأوسط. "وإذا كان ثمة صورة تتكوّن مؤدّاها أن الولايات المتحدة لم تستثمر الأموال في تحديث قواتها النووية، فعندئذ يمكن أن تكون العواقب الاستراتيجية خطيرة".
ويلفت براكن إلى أن الولايات المتحدة ركّزت جهودها العسكرية والأمنية في السنوات العشر الأخيرة على مكافحة الإرهاب، وأهملت سباق التسلّح القائم في واقع الحال ولا يتوقف أبداً. لذا، يأتي تصور البنتاغون وما أعلنه ترمب في شأن معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى في هذا الإطار، وبالتالي ما ستفعله واشنطن في هذا الصدد هو محاولة اللحاق بمنافسَيها الأساسيين قبل تجاوزهما في مرحلة لاحقة.
سباق تسلح نووي وغير نووي جديد إذاً؟
واشنطن تبدو مصممة على التشدد حيال روسيا والصين، وعلى تعويض ما فاتها من تعزيز لترسانتها. لكن يجب ألا ننسى الاستراتيجية التي يعتمدها دونالد ترمب، وبنجاح في غالب الأحيان كما ثبت حتى الآن، وهي "سياسة حافة الهاوية"، بمعنى أنه سيمضي في سباق تسلّح بهدف جلب روسيا والصين إلى طاولة المفاوضات لرسم خطوط جديدة للنفوذ والعلاقات، على اعتبار أن معادلات أواخر القرن العشرين لم تعد صالحة في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.



اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.