الإعلام المرئي في الجزائر... بث محلي وقانون أجنبي

40 فضائية خاصة مهددة بالإغلاق و«خطوط حمراء» تقيد التغطية

الإعلام المرئي في الجزائر... بث محلي وقانون أجنبي
TT

الإعلام المرئي في الجزائر... بث محلي وقانون أجنبي

الإعلام المرئي في الجزائر... بث محلي وقانون أجنبي

يواجه المشهد السمعي البصري بالجزائر مفارقة غريبة، فالفضائيات الخاصة التي يفوق عددها الأربعين تخضع لقوانين أجنبية، بينما برامجها ذات مضمون جزائري بحت. وتتعمد الحكومة عدم الترخيص لها كمؤسسات إعلامية جزائرية، وإبقائها معلَقة ليسهل من الناحية القضائية إغلاقها. وتم إغلاق فضائيتين بسهولة، لأنهما «تخطَتا الخطوط الحمراء».
«الخطوط الحمراء»، عند السلطات، تتمثل في رئيس الجمهورية والجيش، فهما المؤسستان اللتان يمنع المساس بهما من طرف وسائل إعلام، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمن هو في «وضع غير قانوني» كحالة القنوات التلفزيونية الخاصة، التي يعود إطلاق الأوائل منها إلى 2012.
وظلَّت الحكومة ترفض كسر احتكارها للنشاط سمعي البصري، لتفادي تكرار تجربة تعدد الصحف التي انطلقت عام 1990، على خلفية «الربيع الديمقراطي»، عام 1988. وشهدت تلك الفترة نهاية نظام الحزب الواحد، وبداية تعددية حزبية وإعلامية. غير أنها تخلت عن هذا الرفض منذ أن اندلعت موجة عنف حادة مطلع 2011، تزامنت مع أحداث ما يسمى بـ«الربيع العربي» في تونس ومصر. واشتمت الحكومة رائحة التغيير الذي أطاح بأنظمة شبيهة بالنظام الجزائري، فأطلقت مبادرات محتشمة بعنوان «الإصلاح السياسي» و«الانفتاح»، وبذلك سنَّ البرلمان عام 2014 قانوناً يضبط نشاطاً سمعياً - بصرياً، يتضمن نهاية احتكار الدولة للبث التلفزيوني والإذاعي، لكن الحكومة لم تفَعله في الميدان.
وعرف هذا «الانفتاح الجزئي» انفجاراً في قطاع السمعي البصري، غير أن عشرات الفضائيات التي نشأت اضطرت، أمام رفض الحكومة تفعيل القانون بإصدار نصوصه التطبيقية المرافقة له، إلى بث برامجها من الخارج. وتتعامل السلطات منذ 6 سنوات مع هذه القنوات على أنها مكاتب إعلامية أجنبية، تمنح لها تراخيص تجدد سنوياً تماماً كما يتم التعامل مع مراسلي الصحف والتلفزيونات الأجنبية.
وطلبت «الشرق الأوسط» من صحافيين محترفين، اشتغلوا في هذه الفضائيات، ومنهم من سير بعضها، آراءهم في هذه التجربة. وقال مدني عامر مدير قناة «الخبر»، التي أغلقها ملاكها عام 2016 بعد إفلاسها «الوضع الشاذّ الذي توجد عليه هذه القنوات لا يوجد له نظير في العالم... فوضعها القانوني في الجزائر لا يرقى إلى مرتبة القناة وما يترتب عن ذلك من حقوق وواجبات... بل هي في نظر القانون الجزائري مجرد مكاتب لقنوات أجنبية لا وجود لها أصلاً في دول المنشأ».
وبحسب مدني، الذي اشتغل طويلاً في الإعلام بالإمارات العربية المتحدة، «الترخيص الذي حصل عليه ممثلو (المكاتب) الخمسة التي سُمِح لها بالنشاط في الجزائر، وتحولت بموجبه إلى قنوات، هو مجرد إذن يُمنَح من جهة واحدة ممثلة في وزارتي الخارجية والإعلام وقابل للسحب في أي وقت، بمعنى أن الاعتماد لم يُمنَح لقناة بل هو لمجرد مكتب مراسل أجنبي»، في إشارة إلى 5 قنوات فقط سُمِح لها بالنشاط، دوناً عن غيرها، وهي «النهار» المقرَبة من الحكومة، و«الشروق» و«دزاير تي في»، و«الجزائرية» و«الهداف».
وأضاف مدني: «إن هذا الوضع في نظري، وجد بغرض التحكم والتوجيه بل والسيطرة على هذه المنابر، لكونها لم تؤسَّس على قانون وطني يحدد المهام والواجبات والمرجعيات التي يحتكم إليها في حال نشوء أيِّ خلاف أو نزاع، مع تحديد جهة التقاضي وآلياتها... وقد تعرَّضت بعض المنابر التي حاولت الخروج عن عصا الطاعة، إلى الإغلاق والمتابعات القانونية ومنها على سبيل المثال قنوات الأطلس والوطن وغيرهما». وتابع: «لقد عطل هذا الوضع الشاذ الانطلاقة الفعلية لمنظومة السمعي البصري في البلاد، وتأطيرها بالقوانين والمرجعيات وإطلاق إرادات ومبادرات المهنيين في الساحة، لخلق بيئة حقيقة لممارسة إعلامية مهنية حقيقية تمكن من دخول زمن الاحتراف الحقيقي... وليس إعلام واجهة كما هو حال كل القطاعات في البلاد».
من جهته، قال الإعلامي مروان لوناس، الذي خاض تجربة قصيرة بـ«الشروق تي في»، ويعمل حالياً بالإذاعة العمومية: «يجب التأكيد على أن الحكومة ما كانت لتسمح بتأسيس القنوات التلفزيونية الخاصة، لولا ضغط رياح الربيع العربي مطلع 2011 حيث دفعتها الأحداث والتطورات التي عاشتها دول مثل تونس ومصر إلى التراجع عن قرار أرثوذكسي، كان لا يملّ المسؤولون من تكراره، وهو أن البلد غير جاهز لفتح القطاع السمعي البصري أمام الخواص».
وأشار لوناس إلى أن «رياح (الربيع العربي) قلبت الموقف الحكومي رأساً على عقب، فقد جاء ذلك في سياق حالة مؤقتة من الانفتاح المفاجئ للسلطات، حيث عادت كي تمنح تراخيص النشاط للأحزاب والمنظمات، وسمحت ببعض الحراك السياسي للتنفيس عن الشارع وكي لا تنتقل إليها العدوى».
وأوضح الإعلامي أن «هذا الوضع الشاذّ المقصود والمتعمد من السلطات، يهدف إلى إحكام القبضة على عمل القنوات والتضييق عليها بأي وسيلة كانت وفي أي وقت كان، وهذا لا يتم إلا إذا ساد الغموض وعدم وضوح الرؤية وغابت القوانين الناظمة».
وذكر إدريس ربوح المحلل السياسي المتخصص في قضايا دولية، أن «وضع الإعلام السمعي البصري، خصوصاً القنوات الفضائية الخاصة، مرتبط بشكل كبير، بتعثر التحول الديمقراطي في الجزائر، وعدم رغبة صناع القرار ببروز قنوات مستقلة تمارس الإعلام الحر، وتنقل الحقائق للشعب الجزائري دون أن يخاف الصحافي أو صاحب القناة، من أي متابعات أو متاعب مع السلطة الحاكمة»، مشيراً إلى أن الإعلاميين «يتحملون المسؤولية بخصوص عدم تنظيم أنفسهم والدفاع عن حقوقهم، وأهمها ممارسة المهنة دون ضغوط سواء من رب العمل الذي هو أسير موارد الإشهار والإعلانات، التي يأتي أغلبها من مؤسسات الدولة أو من السلطة مباشرة، والتي لا تتوقف عن مضايقة الصحافي. وتدرك السلطة، بتاريخها الطويل في الهيمنة على وسائل الإعلام، خطورة وجود قطاع سمعي بصري قوي ومستقل».
وأضاف ربوح: «تدرك السلطة أن وجود قنوات محلية تخضع للقانون الجزائري، سيدفع أصحابها والعاملين فيها إلى المطالبة بمزيد من الحريات.وللسلطة تجربة مع الصحافة المكتوبة، التي خرجت من رحم صحافة القطاع العمومي، لكنها اكتسبت مساحات واسعة من الحرية بفضل تضحيات الصحافيين وصلت إلى حد استشهاد كثير منهم، بل إن الصحافة المكتوبة العمومية في نهاية الثمانينات أي في خريف عهد الحزب الواحد، كانت بدأت تتنفس هواء الحريات». وتابع: «طرف آخر يتحمل هذا الوضع الشاذ، الذي تعيشه القنوات الخاصة، هو الأحزاب السياسية المعارضة التي كان يؤمل فيها إحداث التغيير المنشود، أو على الأقل إحداث التوازن المطلوب مع السلطة، لدفعها لاحترام الحريات الإعلامية، لأن هذه الأحزاب ستكون أكبر المستفيدين من ذلك، وهذا ما نلاحظه يومياً، إذ إن القنوات الفضائية الخاصة، هي التي تستضيف جميع الأحزاب، في حين أن القنوات العمومية ونشرة الثامنة وغيرها، هي ملكية خاصة لمن يملك السلطة، وهذا يتنافى مع مبدأ الخدمة العمومية وحق المواطن في إعلام عمومي حر».
وقال الإعلامي الجزائري المقيم بتونس، عثمان لحياني، الذي يشتغل بفضائية أجنبية، «أعتقد أن السلطة في الجزائر ما زالت غير مستعدة، بعد ست سنوات على نشأة القنوات المستقلة، لفتح السمعي البصري وتنظيمه، بدليل أنه منذ صدور قانون الإعلام عام 2012، تأخر صدور قانون السمعي البصري إلى غاية 2014، ثم ظل معطلاً بسبب عدم صدور المرسوم التنفيذي. هذا الأخير ظل معطلا أيضاً بسبب تأخر تنصيب هيئة السمعي البصري، والأخيرة ظل وجودها صورياً حتى الآن لعدم صدور دفتر الشروط الذي يضبط صلاحياتها».
وأشار إلى أن «هذا الوضع يدفع مجموع القنوات إلى البث من الخارج، لكونها لا تحوز على رخصة البث، وما زال يحول دونها مسألتان: واحدة قانونية وأخرى فنية. قانونية من حيث إن دفتر الشروط المنظم لعمل القنوات لم يصدر بعد، وعليه لا يمكن لسلطة ضبط السمعي البصري منح رخص للقنوات وإدماجها في القانون الجزائري لتصبح قنوات جزائرية، وهناك مسألة ثانية تتعلق بعدم استعداد هيئة البث الفضائي لتشغيل خطوط بث القنوات المستقلة. ولذلك يمكن اعتبار مجموع القنوات العاملة في الجزائر، بين قنوات مرخصة تحت صيغة مكاتب قنوات أجنبية، أو قنوات في وضع غير قانوني بالمطلق، وهذا أسلوب سياسي في إدارة المشهد الإعلامي، بحيث تبقى كل القنوات تحت سطوة الوضع الغامض، وتبقى المبادرة بيد الحكومة في إغلاق أو التسامح مع القنوات وفقاً لخطها الإعلامي ومعالجتها للقضايا الكبرى».


مقالات ذات صلة

«SRMG Labs» تتألق في جوائز «كليو» العالمية

يوميات الشرق شهد حفل توزيع جوائز «كليو» تكريم مبادرة «صوت الأرض» بـ7 جوائز مرموقة play-circle

«SRMG Labs» تتألق في جوائز «كليو» العالمية

حققت «SRMG Labs»، وكالة الخدمات الإبداعية والإعلانية التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، إنجازاً قياسياً بفوزها بجوائز «كليو» العالمية المرموقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تناول اللقاء تطورات المشهد الإعلامي المتغير وسبل تنويع المحتوى الإبداعي التنافسي لتلبية تطلعات المتابعين (تصوير: سعد الدوسري)

«الأبحاث والإعلام» ووزير الإعلام الباكستاني يبحثان آفاق التعاون الإعلامي

استقبلت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في مقرّها بالرياض، وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار، لبحث فرص التعاون في المجال الإعلامي وتطوير المحتوى.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق فوز أيمن الغبيوي عن مسار «التقرير الصحافي» بجائزة «المنتدى السعودي للإعلام» (إندبندنت عربية)

«إندبندنت عربية» تحصد ثامن جوائزها في عامها السابع

فازت «إندبندنت عربية»، الجمعة، بجائزة «التقرير الصحافي» في «المنتدى السعودي للإعلام» 2025، عن تقرير «مترو الرياض... رحلة فلسفية للتو بدأت فصولها».

الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 20 فبراير 2025 تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدّث خلال فعالية شهر تاريخ السود في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن (د.ب.أ) play-circle

ترمب عن وكالة «أسوشييتد برس»: «منظمة يسارية راديكالية»

اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكالة «أسوشييتد برس» بأنها «منظمة يسارية راديكالية»، في أحدث انتقاداته حيالها على خلفية عدم التزامها بتغيير اسم «خليج المكسيك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق 
إحدى جلسات المنتدى السعودي للإعلام (المنتدى)

«المنتدى السعودي» يبحث دور الإعلام في تشكيل الهويات الثقافية

شهدت أعمال اليوم الثاني من «المنتدى السعودي للإعلام» في نسخته الرابعة بالرياض، أمس، جلسات نقاش وورش عمل أثرتها مشاركة إعلاميين وأكاديميين وخبراء ومتخصصين

عمر البدوي (الرياض)

زيد بن كمي نائباً لمدير شبكة «العربية»

الزميل زيد فيصل بن كمي
الزميل زيد فيصل بن كمي
TT

زيد بن كمي نائباً لمدير شبكة «العربية»

الزميل زيد فيصل بن كمي
الزميل زيد فيصل بن كمي

أعلنت شبكة «العربية» الإخبارية عن تعيين الصحافي السعودي زيد فيصل بن كمي نائباً لمدير عام قناتي «العربية» و«الحدث»، بهدف «تعزيز الأداء التحريري وتطوير استراتيجياتها الإعلامية وفق أعلى المعايير المهنية».

ويُعد زيد بن كمي من الصحافيين السعوديين البارزين، إذ بدأ مسيرته قبل 25 عاماً كمراسل وصحافي متنقلاً بين الصحافة المكتوبة والمرئية، ما أكسبه خبرة واسعة في مختلف أشكال العمل الإعلامي.

وشغل مناصب قيادية عدة في مؤسسات إعلامية مرموقة، منذ كان مديراً لتحرير صحيفة «الشرق الأوسط» في السعودية، قبل أن ينتقل إلى لندن عام 2015 لتولي منصب مساعد رئيس التحرير. وفي عام 2024، أصدرت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام قراراً بتعيينه نائباً لرئيس التحرير، ما عزز من دوره في تطوير المحتوى التحريري وإدارة الفرق الصحافية على المستويين الإقليمي والدولي.

إلى جانب عمله الصحافي، عمل زيد بن كمي محاضراً زائراً في جامعات سعودية، ومستشاراً إعلامياً لعدد من المؤسسات. كما شارك في العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية والمحلية، مما ساهم في إثراء خبرته الإعلامية. كما تم انتخابه عضواً في مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين.

وقال المدير العام لقناتي «العربية» و«الحدث» ممدوح المهيني إن انضمام زيد بن كمي إلى فريق القيادة في الشبكة «يأتي في إطار استراتيجية تعزيز المحتوى الإخباري وتوسيع نطاق التغطية، مع التركيز على الابتكار الإعلامي والتطور الرقمي، خاصة أن الزميل زيد بن كمي يتمتع بخبرة مهنية كبيرة في إدارة وتطوير المؤسسات الإعلامية، ونتطلع إلى الاستفادة من رؤيته وخبرته في المرحلة القادمة لتعزيز مكانة القناتين كمنصات إخبارية رائدة على المستويين العربي والدولي».

وتتمنى أسرة «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» وصحيفة «الشرق الأوسط» للزميل زيد التوفيق والنجاح في مهمته الجديدة.