سحر {شاي ما بعد الظهيرة}... من القصور إلى البيوت

تقليد تحتفل به الملكة والزوار يتمتعون به في حديقتها

«فورتنوم أند مايسون» من بين أجمل الأماكن لتناول الشاي بعد الظهر في لندن
«فورتنوم أند مايسون» من بين أجمل الأماكن لتناول الشاي بعد الظهر في لندن
TT

سحر {شاي ما بعد الظهيرة}... من القصور إلى البيوت

«فورتنوم أند مايسون» من بين أجمل الأماكن لتناول الشاي بعد الظهر في لندن
«فورتنوم أند مايسون» من بين أجمل الأماكن لتناول الشاي بعد الظهر في لندن

كانت الساعة الرابعة عصراً في الحديقة الجميلة المتسعة في قصر باكنغهام عندما ترددت نغمات نشيد «فليحفظ الرب الملكة» في جنبات القصر الأيقوني حيث تسكن العائلة المالكة البريطانية. كان هناك أكثر من ثمانية آلاف ضيف أتوا من كل أنحاء المملكة المتحدة والعالم.
نزلت الملكة إليزابيث الثانية، التي تعد أشهر امرأة في العالم، على درج القصر متوجهة إلى الحديقة ملقية التحية على الحشود الذين تشرفوا بحضورها. استضافت الملكة وحفيداها دوق كامبريدج، الأمير ويليام، والأميرة يوجيني، واحدا من أكثر الفعاليات التي يتم التشوق إليها وانتظارها خلال العام وهو حفل الحديقة في القصر. يتم تنظيم أربع من تلك الحفلات في الحديقة على الأقل خلال فصل الصيف، وتستقبل الملكة والعائلة المالكة فيها آلاف الأشخاص الذين يعملون من أجل مساعدة الآخرين في المملكة المتحدة ودول الكومنولث.
تقوم الملكة بتوجيه الدعوات من أجل المشاركة في هذا التقليد البريطاني الخاص بشاي ما بعد الظهيرة، والذي ظهر في حياة العائلة المالكة خلال القرن التاسع عشر. ويعد حضور واحدة من حفلات الحديقة في قصر باكنغهام من فرص العمر التي لا تتكرر. وفي الوقت الذي تواصل فيه باقي مدينة لندن يومها المشحون بالعمل، يسترخي الضيوف في قصر باكنغهام ويستمتعون بالطعام الفاخر، حيث يتم تقديم شطائر صغيرة مثل شطائر اللحم المقدد، والجبن أو الخيار كمقبلات، إلى جانب المعجنات الإنجليزية الشهيرة والكعك مثل كعكة فيكتوريا الإسفنجية. ولمن يعانون من آلام أو مشكلات في الأسنان يمكنهم الاختيار من بين مجموعة متنوعة من الحلوى الأخرى مثل موس الشوكولاته. بحسب التقاليد الإنجليزية يجب على المرء تناول الأصناف الحادقة أولا ثم الحلوة مع احتساء الشاي.
ويعد احتساء شاي ما بعد الظهيرة هذه الأيام نشاطاً اجتماعياً محبباً لكل من السائحين والسكان المحليين في لندن على حد سواء. وتوجد كثير من الأماكن في العاصمة البريطانية إنجلترا لتناول الشاي، لكن أشهرها وأكثرها تميزاً هو «فورتنوم أند مايسون»، الذي تأسس عام 1705، وبدأ في تقديم شاي ما بعد الظهيرة عام 1926. ويتم تقديم الشاي 363 يوماً خلال العام في مساحة أنيقة ومميزة في ذلك المحل الجميل الذي يقع في ميدان بيكاديلي بوسط لندن.
وتروي دكتورة أندريا تانر، مسؤولة الأرشيف في «فورتنم أند مايسون»، في حوار خاص لصحيفة «الشرق الأوسط»، تاريخ شاي ما بعد الظهيرة.
«لقد بدأ هذا التقليد مع آنا، دوقة بيدفورد السابعة في بداية القرن التاسع عشر. وكان من المعتاد آنذاك تقديم وجبة العشاء، (الوجبة الرئيسية) بين الساعة الثامنة والتاسعة مساء وكانت الدوقة تشعر بالجوع في فترة ما بعد الظهيرة. ولسدّ جوعها أمرت بإعداد شاي إلى جانب بعض الخبز والزبد والكعك وجلبها إلى غرفتها. اشتهر الأمر إلى حد جعل السيدات الآخريات يحذون حذوها، وبات يتم تقديم تلك الوجبة الخفيفة في غرفة الاستقبال بدلاً من الغرف الخاصة. كان يتم إرسال الدعوات إلى تلك المناسبة إلى الأقارب والأصدقاء مع تحديد الموعد المحدد لتقديم الشاي. كان يصاحب ذلك في بعض الأحيان بعض الفقرات الترفيهية، لكن في أكثر الأحيان كان يقتصر الأمر على الأحاديث الخفيفة مع تناول الشاي والكعك. إذا تم تسلم الدعوات يكون من المتوقع حضور الضيف إلا في حال تقديم الاعتذارات بالطبع. وكان هناك شخص واحد على الأقل يقيم ذلك الحفل يومياً مما وطّد العلاقات والروابط الاجتماعية سريعاً نظراً لالتقاء السيدات بانتظام».
وتشرح دكتورة أندريا كيف انتشر ذلك التقليد في إنجلترا وتوضح قائلة: «انتشرت عادة احتساء الشاي تدريجياً، وانتقلت من المنازل إلى المجتمع بوجه عام، وأصبحت حفلات الشاي من العادات الراسخة وسرعان ما ظهرت غرف الشاي وحدائق الشاي في كل مكان. وتراجعت حفلات المنازل خلال العصر الإدواردي مع تزايد الرغبة في السفر والارتحال، لذا بدأ تقديم الشاي الساعة الرابعة وأصبحت قاعات الشاي الجديدة في الفنادق الفخمة هي الأماكن المفضلة لتناول شاي ما بعد الظهيرة. كثيراً ما كان يصاحب ذلك عزف بعض الموسيقى الخفيفة، وأحياناً الرقص. اكتسبت رقصات الشاي شعبية وانتشرت حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها بدأت في الاختفاء تدريجياً لتعاود الظهور مرة أخرى هذه الأيام. ليس من الضروري تناول الشاي في الخامسة مساء، حيث يمكن تناوله أي وقت، وحتى كوجبة غداء». وتضيف أندريا قائلة: «قائمة الأصناف خالدة وهي مكونة من الشطائر الرفيعة، إلى جانب الخيار وهو ضروري، والمعجنات مع المربى والكريمة المتخثرة، والكعك. يمكن اختيار الشاي من بين أنواع مختلفة تنبت في مختلف أنحاء العالم منها الهند وسريلانكا والصين».
وتقدم لنا أندريا تانر بصفتها خبيرة بعض النصائح للاستمتاع بشاي ما بعد الظهيرة على النحو الصحيح فهو تقليد له قواعد ينبغي اتباعها. وتوضح قائلة: «ينبغي تناول الحشوات ذات النكهات الخفيفة أولا، ووضع الشطيرة في طبقك بين كل لقمة صغيرة وأخرى. ينبغي طي المعجنات بشكل مزدوج بيديك دون استخدام السكين. يمكن تقطيع النصف الأول إلى عدة قطع باليدين، ووضع كميات صغيرة من الكريمة والمربى في طبقك ثم فردها بالملعقة على المعجنات. هناك طريقتان لوضع الكريمة والمربى وكلاهما صحيحة: الأولى هي طريقة كورنوال (المربى ثم الكريمة)، وطريقة ديفون (الكريمة ثم المربى). بعد تناول المعجنات، يتم البدء في تناول الكعكات الصغيرة، أو شرائح الكعك باستخدام الشوكة المخصصة للمعجنات أو الكعك، مع وضع الشوكة بين كل قضمة والأخرى».
وقد ذهبت كل من الملكة ودوقة كورنوال ودوقة كامبريدج خلال عام 2012 إلى «فورتنوم أند مايسون» لافتتاح صالون الشاي الجديد «دياموند جوبيلي» حيث يتم تقديم شاي ما بعد الظهيرة. ولا يمكن دعوتنا جميعاً إلى تناول شاي ما بعد الظهيرة في قصر باكنغهام، لكن يقدم لك «فورتنم أند مايسون» فكرة عن شكل هذا الحدث، ويمنحك فرصة لتجربة ومعايشة هذا التقليد البريطاني الخالص.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».