الرأسمالية يمكن أن تكون تجارة وأخلاقاً

بيرلشتاين يكتب عن فضائلها على الإنسانية

الرأسمالية يمكن أن تكون تجارة وأخلاقاً
TT

الرأسمالية يمكن أن تكون تجارة وأخلاقاً

الرأسمالية يمكن أن تكون تجارة وأخلاقاً

صدر في الأيام الأخيرة كتاب «هل تعيش الرأسمالية الأميركية؟» وهو يركز على الجوانب الإنسانية للرأسمالية أكثر من تركيزه على أرقام وتحليلات اقتصادية.
مؤلفه هو ستيفن بيرلشتاين كاتب عمود حائز على جائزة بولتزر في صحيفة «واشنطن بوست»، ثم صار أستاذاً في جامعة جورج ماسون (ولاية فرجينيا، بالقرب من واشنطن العاصمة). ومما يقال عنه: «إذا استطاع أحد إنقاذ الرأسمالية من الرأسماليين، فهو ستيفن بيرلشتاين. يرفض التخلي عن الرأسمالية مقابل الذين يقولون إن الأخلاق والعدل لا علاقة لهما بالنظام الاقتصادي». عن الأخلاق والعدل، يقول بيرلشتاين: «تجربتنا الحديثة التي امتدت 30 عاما، قوضت القيم الأساسية المطلوبة لجعل الرأسمالية والديمقراطية تعملان يدا في بيد». وأشار الكتاب إلى التجربة التي بدأها الرئيس السابق رونالد ريغان بشعاره: «لتخرج الحكومة من جيوبنا» (قصد حرية التجارة من دون قوانين حكومية). ومعه، ظهرت نظريات، وكتبت كتب، وتحدث سياسيون عن أشياء مثل: «الطمع الجيد» (ليس كل الطمع شراً)، و«المستثمرين الإنسانيين» (ليس همهم زيادة أرباحهم).
يرفض الكتاب هذه الشعارات، ويجادل بأن الرأسمالية يمكن أن تكون «تجارة وأخلاقا» في وقت واحد، وأنها ذات طبيعتين:
في جانب، على الأقل خلال المائة عام الماضية، ساهمت الرأسمالية في تطوير العالم، ربما خارج أميركا أكثر من داخلها. وانفتحت دول في العالم الثالث، كانت تعيش في عصور شبه بدائية، على الحضارة، والعلم، والديمقراطية. وأخرجت أكثر من مليار شخص من درجة الفقر، خصوصاً في دول العالم الثالث. في جانب آخر، احتكرت معظم فوائد النمو الاقتصادي أقلية، هي الرأسماليين. ثم صاروا يريدون التأثير على جوانب الحياة الأخرى، السياسية والاجتماعية. في الولايات المتحدة تنفرد نسبة 10 في المائة من السكان بنسبة 60 في المائة من الثروة. وحدثت تطورات متشابهة في كثير من دول العالم.
هكذا، تحول النصر النقدي إلى فساد نقدي (وكان يمكن ألا يحدث ذلك). حاول هؤلاء تجنب الضرائب، بل تجنب الحكومات. وضغطوا على موظفيهم وعمالهم، بل ظلموهم، و«صار الأميركيون (وغيرهم) يفقدون الثقة في أن اقتصاد السوق الحر هو أفضل نظام»، كما قال الكتاب.
يتحدى الكتاب النظريات التي تدرس في كليات إدارة الأعمال، والتي تمارسها مجالس الإدارة في جميع أنحاء العالم. ويذكّر الناس بأن آدم سميث، مؤلف كتاب «ثروة الأمم» (وأبو الرأسمالية) كان إنسانيا، أيضا. يكتب: «من دون الثقة الاجتماعية في رأس المال، لن تعيش الرأسمالية مع الديمقراطية». وجادل سميث في أن المساواة في الدخول والفرص يمكن أن تتحقق من دون عرقلة التطور الاقتصادي.
ويقدم الكتاب اقتراحات محددة:
أولا: تأمين صحي لكل المواطنين (ليس ربما عطفا عليهم، ولكن لأن الذي يتمتع بصحة طيبة ينتج أكثر من غيره، ويساعد النظام الرأسمالي).
ثانيا: تعليم مجاني، أو شبه مجاني (أيضا، ليس من باب العطف، ولكن، لأن الأكثر تعليما ينتج، ويبدع، ويخترع، أكثر من غيره، ويساعد النظام الرأسمالي).
ثالثا: إغراء الشركات بتخفيضات في الضرائب، ليس لإثراء نفسها، وشراء شركات أخرى (كما صار يحدث بعد تخفيضات الضرائب التي دعا لها، ونفذها، الرئيس دونالد ترمب). ولكن، حسب إشراكها موظفيها وعمالها في أرباحها، وحسب مساهماتها الاجتماعية.
لا يدخل الكتاب في جدل اقتصادي مع ترمب والجمهوريين الذين يؤمنون (أو صاروا يؤمنون) بنظريته. ويعترف الكتاب بأن ترمب نجح في تحسين الوضع الاقتصادي. في الأسبوع الماضي، حققت إدارة ترمب أرقاما عالية لم ينشرها الكتاب، منها أن سوق الأوراق المالية (في دو جونز) وصل إلى رقم قياسي: 26,000، ومنها أن نسبة البطالة وصلت إلى رقم قياسي: 4 في المائة فقط.
لا ينكر الكتاب هذه التطورات، ويضيف: «لكن...». و«ربما...»، و«يا ليت...».
من بين هذه أن اقتصاد ترمب حقق رقما قياسيا آخر: وصلت ديون الحكومة الأميركية إلى 20 تريليون دولار تقريبا. عن هذه الديون، يقول الكتاب، إنها ليست أخلاقية، وهي بذخ هذا الجيل على حساب الأجيال القادمة. وثانيا: أنها ليست اقتصادية لأن كثرة ديون الحكومة تقلل إنجازاتها. وأخيراً ليست سياسية، لأن الناخبين، في نهاية المطاف، سيؤمنون بالنقطتين السابقتين، ويسقطون من ليس يؤمن بهما.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».