غوتيريش متفائل بتسوية «لا تزال حية» لتوحيد قبرص

الرئيس اليوناني يزور نيقوسيا ويرحب بموقف الأمين العام للأمم المتحدة

غوتيريش متفائل بتسوية «لا تزال حية» لتوحيد قبرص
TT

غوتيريش متفائل بتسوية «لا تزال حية» لتوحيد قبرص

غوتيريش متفائل بتسوية «لا تزال حية» لتوحيد قبرص

بدا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره حول قبرص متفائلاً بالتوصل إلى اتفاق يوحد الجزيرة الواقعة في البحر الأبيض المتوسط المقسمة منذ السبعينات من القرن الماضي، من دون أن يحدد موعداً لذلك، وذلك رغم مرور أكثر من عام على فشله في التوصل إلى تسوية للنزاع القبرصي. وأكد غوتيريش في الوثيقة المرسلة إلى الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن والتي حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية، أن «آفاق التوصل إلى تسوية شاملة بين سكان الجزيرة ما زالت حية».
وفي منتصف عام 2017، تعثرت مفاوضات إعادة توحيد جزيرة قبرص بسبب خلافات حول تقاسم السلطة والترتيبات الأمنية.
وقبرص مقسمة منذ عام 1974 عندما غزتها القوات التركية واحتلت 37 في المائة من أراضي الجزيرة، وفشلت الجولات المتكررة من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في إيجاد حل حتى الآن، وكانت الجولة الأخيرة من المفاوضات في يوليو (تموز) 2017 بمنتجع كران مونتانا في سويسرا.
يأتي هذا التقرير قبل محادثات مغلقة في مجلس الأمن مقرر عقدها في نهاية الشهر، وفي وقت تنتهي فيه ولاية قوات حفظ السلام أوائل العام المقبل. وبالنسبة لغوتيريش الذي عين في بداية الصيف مستشارةً حول هذه القضية بهدف إحياء جهود السلام، فإن «إطار النقاط الست» الذي تم تطويره في عام 2017 يبقى صالحاً. غير أن الأمين العام قال: «أُدرك أن هناك حاجةً إلى أفكار جديدة» للمضي قدماً. ومنذ تعيينها كثفت جين هول لوت، المسؤولة السابقة في وزارة الداخلية الأميركية، الاتصالات مع طرفَي النزاع، من دون تحقيق خرق حتى الآن.
وخلص التقرير إلى أن الأمين العام أشار إلى أنه «من خلال هذه المشاورات، وكذلك مناقشاته الخاصة مع زعماء الجزيرة، يعتقد أن فرص التوصل إلى تسوية شاملة بين الطرفين في الجزيرة لا تزال قائمة، رغم التاريخ المعروف لجهود الأمم المتحدة في الوساطة. وأعلن غوتيريش أنه سيعطي تعليماته لمبعوثته لمواصلة المناقشات لمعرفة مدى التقارب الحقيقي حول القضايا الرئيسية واستعداد الأطراف لإدخال المقترحات الجديدة جزءاً من حل شامل نحو مستقبل مشترك يمكن أن يتخيلوه. وأكد الأمين العام على أن جميع القبارصة يستحقون مستقبلاً مشتركاً يمكن أن يجلبه شيء واحد فقط: اتفاقية دائمة ذات آفاق واضحة»، قائلا: «يمكنني أن أرى بوضوح أن الدعم المستمر لآفاق عملية لا نهاية لها ودون نتيجة، هو أمر من الماضي وليس الحاضر... إن الإجماع واسع النطاق على أن الوضع الراهن الذي لا يتغير، أي عدم التوصل إلى حل بشأن القضية القبرصية، غير قابل للاستمرار».
من جانبه، قال الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس إن الجانب القبرصي اليوناني سوف يستجيب بشكل إيجابي للمحاولة المحتملة من جانب الأمم المتحدة لتحديد نيات الأطراف المعنية في المشكلة القبرصية، معرباً عن أمله في أن تستجيب تركيا والقبارصة الأتراك بالطريقة نفسها.
وأشار الرئيس القبرصي إلى أن إطار غوتيريش يعكس الجهود المكثفة التي يبذلها الجانب القبرصي اليوناني، مضيفاً أنه للمرة الأولى أقر الأمين العام للأمم المتحدة بأن الدولة العادية لا يمكنها العمل في ظل نظام الضمانات، خصوصا في ما يتعلق بقضايا الأمن وجيش الاحتلال.
من جانب آخر، قام الرئيس اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس، أمس الثلاثاء، بزيارة إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا تلبية لدعوة من رئيس البرلمان القبرصي ديمتريس سيلوريس، وذلك من أجل المشاركة في اجتماع مشترك لأعضاء البرلمان اليوناني ومجلس النواب القبرصي. وألقى الرئيس اليوناني كلمة خلال الاجتماع، الذي عقد تحت عنوان: «الجمهورية الرئاسية مقابل الجمهورية الرئاسية البرلمانية»، بالإشارة إلى أن نظام الحكم في اليونان جمهوري برلماني وفي قبرص جمهوري رئاسي. كما التقى الرئيس اليوناني الرئيس القبرصي. وقال بافلوبولوس إنه يجب التوصل إلى حل للمشكلة القبرصية قريباً ووضع حد للقضايا العالقة، وأضاف أثناء لقائه رئيس مجلس النواب القبرصي ديمتريس سيلوريس، أنه يقف إلى جانب قبرص حتى يتم التوصل إلى حل عادل، موضحا أنه لا يتخيل أن يقوم الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بالسماح لهذه المشكلة بأن تكون معلقة وأن تكون دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ترزح تحت الاحتلال الأجنبي. وأضاف الرئيس اليوناني: «علينا جميعاً واجب حل هذه المشكلة قريبا»، مشيراً إلى أن هذه قضية تتعلق بالديمقراطية نفسها في أوروبا وحول العالم، وأن الأخطار التي تتعرض لها الديمقراطية والسيادة الوطنية لا تزال موجودة وأنها تزداد وضوحاً. وأشار كذلك إلى أنه على الرغم من أن اليونان وقبرص ليستا دولتين كبيرتين وقويتين، إلا إنهما تلعبان دوراً في تاريخ أوروبا وثقافتها. وأشار إلى أن الانتخابات الأوروبية التي ستجرى في مايو (أيار) المقبل مهمة للغاية بسبب وجود خطر من الحركات الشعوبية السائدة.
وفي حديثه خلال فعاليات سياسية نظمتها بلدية مورفو، أكد أناستاسياديس مجدداً أنه سيواصل بذل كل جهد ممكن لإعادة توحيد قبرص، مشيراً إلى أن مورفو يجب أن تكون جزءاً من التسوية، مشددا على أن تسوية المشكلة القبرصية يجب أن تكون عادلة وقابلة للاستمرار وعملية ويجب أن توحد البلاد.
وأضاف أناستاسياديس أن الأمين العام للأمم المتحدة قد عبر للمرة الأولى عن موقفه بأن الخريطة التي سيقدمها الجانب القبرصي التركي يجب أن تشمل مورفو، وأن تسوية الأراضي ينبغي أن تهدف إلى عودة غالبية اللاجئين إلى بيوتهم، تحت إدارة قبرصية يونانية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟