إصابات واعتقالات مع بدء تجريف مناطق في الخان الأحمر

الفلسطينيون تصدوا لجنود الاحتلال ويستعدون لمواجهة الهدم

منظر عام لمنطقة الخان الأحمر وفي الوسط قوات إسرائيلية تعتدي على محتجين في القرية الفلسطينية (إ.ب.أ)
منظر عام لمنطقة الخان الأحمر وفي الوسط قوات إسرائيلية تعتدي على محتجين في القرية الفلسطينية (إ.ب.أ)
TT

إصابات واعتقالات مع بدء تجريف مناطق في الخان الأحمر

منظر عام لمنطقة الخان الأحمر وفي الوسط قوات إسرائيلية تعتدي على محتجين في القرية الفلسطينية (إ.ب.أ)
منظر عام لمنطقة الخان الأحمر وفي الوسط قوات إسرائيلية تعتدي على محتجين في القرية الفلسطينية (إ.ب.أ)

أُصيب 7 فلسطينيين في مواجهات مع القوات الإسرائيلية في قرية الخان الأحمر القريبة من القدس، مع بدء سلطات الاحتلال تجريف الأراضي هناك، استعداداً كما يبدو لتنفيذ قرار هدم وإخلاء القرية البدوية بالقوة.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 7 مواطنين أُصيبوا بجروح وكسور ورضوض، خلال المواجهات التي جرت وجهاً لوجه، كما اعتقلت إسرائيل 4 متضامنين، بينهم فلسطيني وإسرائيليان وهولندي.
وحاول السكان وناشطون فلسطينيون ومتضامنون، منع الجرافات الإسرائيلية من الوصول إلى القرية عبر النفق المؤدي إليها، لكنّ القوات الإسرائيلية دخلت إلى القرية عبر مستوطنة «كفار أدوميم» المجاورة.
واشتبك المتضامنون مع قوات الشرطة الإسرائيلية واعتلوا الجرافات لوقف أي تقدم في المنطقة، لكن الجرافات التابعة للجيش الإسرائيلي شقت طريقاً حول القرية، وشرعت بفتح طرق ترابية حول خيام المواطنين وحظائرهم.
وقال منسق حملة «أنقذوا الخان الأحمر» عبد الله أبو رحمة: «إن المتضامنين حاولوا منع دخول جرافات الاحتلال عبر النفق إلى القرية، ما أسفر عن إصابة 7 مواطنين برضوض، واعتقال 4 آخرين».
وتنوي إسرائيل هدم القرية الفلسطينية الواقعة على الطريق السريع 1 قرب مستوطنتَي معاليه أدوميم وكفار أدوميم، القريبتين من القدس، متذرعةً بأن مباني الصفيح هناك أُقيمت من دون تراخيص، لكنّ الفلسطينيين يقولون إنها تنوي تنفيذ مخطط «إي 1» الاستيطاني، الذي يقوم على 13 ألف دونم مربع ويشق الضفة الغربية إلى نصفين.
ونُشر أول مرة عن المخطط في عام 2012، عندما أمرت الحكومة الإسرائيلية بدفع إجراءات التخطيط الخاصّة بآلاف الشقق السكنية، التي ستكون توسيعاً لمستوطنة معاليه أدوميم في إطار الخطة «إي 1»، وتحديداً في المنطقة التي تربط معاليه أدوميم بالقدس. وكان لافتاً أن هذا القرار صدر في أعقاب اعتراف الهيئة العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطينية مراقبة في الأمم المتحدة.
وحسب تقرير لمنظمة «بتسليم» الإسرائيلية، فإن تنفيذ مخططات البناء في منطقة «إي 1» سيؤدي «إلى خلق تواصل عمراني بين مستوطنة معاليه أدوميم وبين القدس، وسيزيد من حدة عزل القدس الشرقية عن سائر أجزاء الضفة الغربية، وسيمسّ بالتواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها».
وتقول «بتسليم»: إن «تنفيذ مخطط البناء في منطقة (إي 1) يحمل عواقب كبيرة متوقعة على سكان الضفة الغربية برمّتها، فالقدس ملاصقة لأضيق منطقة في الضفة الغربية، التي يصل عرضها إلى 28 كيلومتراً فقط. وسيؤدّي البناء في منطقة (إي 1) إلى تقليص الرواق الضيق أصلاً الذي يربط بين جنوب الضفة وشمالها، كما أنّ تقطيع الحيّز سيصعّب جداً من إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافيّ».وعملياً، كان يجب أن يرحل السكان حسب قرار المحكمة الإسرائيلية بداية الشهر الحالي «أكتوبر (تشرين الأول)»، وهو الموعد الأخير الذي منحته المحكمة للسكان، قبل أن يطلب الجيش منهم هدم منازلهم بأياديهم حتى لا يُضطر إلى التدخل.
وقال عيد أبو داهوك، وهو أحد أهم نشطاء التجمع ورئيس المجلس القروي، إنهم لن يرحلوا. وأضاف: «لم يتم التشاور معنا، ويريدون إرسالنا إلى مكان يقع قرب مكبّ النفايات، وهو لا يتناسب مع أسلوب حياتنا هنا».
ويتضامن مئات من الفلسطينيين مع سكان القرية، ويبيتون هناك استعداداً لمواجهة يمكن أن تندلع في أي لحظة.
وتعهد رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، بأن تبقى الخان في قلب الدولة الفلسطينية.
ولا ينفي الفلسطينيون إمكانية أن تنجح إسرائيل في هدم القرية بالقوة، لكنهم يقولون إنهم سيعيدون بناءها من جديد. ودعا وليد عساف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الموجود في الخان بشكل دائم، إلى أوسع تضامن فلسطيني وعربي ودولي ممكن مع سكان الخان الأحمر.
وكانت دول أوروبية قد رفضت الخطة الإسرائيلية، لكن إسرائيل اتهمتها بالتدخل في شأنها بشكل سافر.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.