المؤرخ النويري في أميركا

موروث التأليف الموسوعي في الأدب العربي بالإنجليزية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

المؤرخ النويري في أميركا

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

النويري؛ هل نذكره؟ إنه شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (677 - 733هـ / 1278 - 1332م) الأديب والمؤرخ المصري، صاحب كتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب». وهو الآن موضوع كتاب صادر عن مطبعة جامعة أميركية من أكثر المطابع الأكاديمية نيلاً للاحترام. الكتاب هو «العالم في كتاب: النويري والموروث الموسوعي الإسلامي» من تأليف إلياس مهنا (مطبعة جامعة برنستون، 232 صفحة).
Elias Muhanna، The World in a Book: Al - Nuwayri and the Islamic Encyclopedic Tradition، Princeton University Press.
يحمل كتاب النويري اسم «فنون الأدب». وكما يقول مايكل كوبرسن، أستاذ الأدب العربي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس في «ملحق التايمز الأدبي»، (3 أغسطس/ آب 2018)، فإن النويري يستخدم كلمة «أدب» هنا بالمعنى الواسع الذي كان سائداً في عصره. فقد كانت الكلمة تغطي رقعة كبيرة من الموضوعات: الشعر والنحو وتاريخ الأدب في الجاهلية والطب عند الروم وثقافات الفرس والهنود والمسيحية واليهودية. وكانت هذه المعارف المتنوعة في مبدأ الأمر يجري تناقلها شفاهة من خلال الجلوس إلى أستاذ أو معلم أو شيخ في أروقة المسجد أو المدرسة. ثم بدأت تنتقل إلى صفحات الكتب مع زيادة عدد النسّاخ والوَرّاقين حتى إن ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي شكا من كثرة الكتب وضيق الوقت بما لا يسمح بمتابعتها كلها. وكان هذا مؤشراً على اتساع دائرة الثقافة وانتشارها بين مختلف فئات المجتمع وتنامي الشعور بضرورة الأخذ من كل شيء بطرف.
عمل النويري في خدمة المماليك في مصر وسوريا، ثم تفرغ لكتابة السفر الذي يحمل اسمه اليوم؛ موسوعة من واحد وثلاثين مجلداً تبدأ بالسماوات وما تحويه، وتنتهي بتاريخ المماليك (الترك كما يسميهم)، وصولاً إلى عصره. وبين هذين الطرفين يتحدث عن الحيوانات والنباتات والعطور والموسيقى والشعر والسياسة. ونظراً لضخامة حجم الكتاب، فإن طباعته في القاهرة بدأت في عام 1924 ولم تكتمل إلا في 1997. وفي عام 1710 عكف قس هولندي يدعى يوحنا هيمان على دراسة مخطوط للكتاب وصل إلى مدينة ليدن في هولندا. ويبدو أن العمل كان أكبر من طاقته، فإنه لم يهمش سوى مجلدين منه قبل أن يتوفى عام 1737.
سبق لإلياس مهنا أن ترجم مقتطفات من كتاب النويري. وهو هنا يضع الكتاب في سياق أوسع: هو موروث التأليف الموسوعي في اللغة العربية عبر القرون. إنه يدرس تصميم الكتاب، وكيف نظم النويري محتوياته، وموقفه من المصادر التاريخية والأدبية التي اعتمد عليها. لقد نسخ النويري كتابه بأكمله مرتين، وهو جهد لا شك في مشقته. وامتدت شبكته لتحيط بآداب أخرى، فهو يورد مثلاً أغاني فارسية مترجمة إلى اللغة العربية مما كان ينشد في قصور الخلفاء والأمراء.
والانطباع الذي يخرج به قارئ الكتاب هو أن الثقافة العربية كان لها فضل السبق في الربط بين أنساق معرفية مختلفة ومحاولة صهرها في بنية ثقافية مكتملة، وذلك قبل أن يتجه كتّاب الغرب ودارسوه في عصر النهضة الأوروبية إلى مثل هذه الأعمال الموسوعية التي تحاول أن تجمع شتات معارف متفرقة. وكتاب «العالم في كتاب» إذ يصدر اليوم في الولايات المتحدة الأميركية، فهو جهد أكاديمي قيم يحسب لمؤلفه إلياس مهنا، ويتيح الفرصة لقارئ الإنجليزية - اللغة الأولى في عالمنا اليوم - كي يطّلع على جانب مهم من الثقافة العربية الإسلامية في أبهى تجلياتها.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».