رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، الانتقادات التي تطال حكومته حول تدهور الوضع الاقتصادي، ووجه أصابع الاتهام إلى الإدارة الأميركية بالوقوف وراء مشكلات بلاده، قائلا إنها تريد إطاحة النظام الإيراني، وفي والوقت نفسه قلل من أهمية العقوبات الأميركية، نافیا أن يكون هناك أي تأثير لخطوات البيت الأبيض في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعد تنفيذ العقوبات على القطاع النفطي الإيراني.
وقال روحاني في هذا الصدد: «يقولون إنه في الرابع من نوفمبر ينتظركم يوم سيئ. وأنا رئيس الجمهورية أقول: لا تأثير له. أميركا طبقت كل العقوبات، لن يحدث شيء في الرابع من نوفمبر» بحسب ما نقل موقع الرئاسة الإيرانية.
ويتزامن موعد الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية التي تستهدف بشكل أساسي مبيعات النفط الإيرانية، مع احتفالات إيران بذكرى احتلال السفارة الأميركية في 4 نوفمبر 1979 واحتجاز 66 دبلوماسيا أميركيا رهائن لفترة 444 يوما في طهران، وهو ما أدى إلى قطع العلاقات الأميركية - الإيرانية منذ ذلك الحين.
واتهم روحاني أميركا بالسعي وراء إطاحة النظام السياسي الإيراني، متهما إدارة دونالد ترمب بالوقوف وراء ما تواجهه إيران من مشكلات، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. ووصف الإدارة الحالية بـ«أسوأ فريق يواجه إيران» وأضاف: «إنهم يفكرون بالحرب، بدأوا حربا نفسية، الخطوة التالية هي الحرب الاقتصادية، قبل إظهار النظام على أنه عاجز»، عادّاً أن الغاية النهائية للسياسية الأميركية «إسقاط شرعية النظام لتغييره».
وتابع الرئيس الإيراني أنه «عندما انسحبت أميركا من الاتفاق النووي، كانت تتوقع أننا سننسحب. ماذا لو غادرنا الاتفاق؟ لعاد الملف النووي إلى مجلس الأمن وتعود العقوبات الدولية، والعالم يقف وراء أميركا، ونبقى وحدنا، لكن النظام تصرف بحكمة ولم يستعجل، ومن دون إرباك قال سنمنح مهلة من أسابيع حتى نرى ما يفعله الآخرون، وهي لا تزال مستمرة».
وإشارة روحاني تحديدا تعود إلى تراجع المرشد الإيراني علي خامنئي عن تهديدات باتخاذ خطوات أكثر تشددا من أي خطوة أميركية تجاه الاتفاق النووي، وكان قد لوح في وقت سابق بإحراق الاتفاق إذا مزقه ترمب، وهو ما لم يحدث بعد إعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي في 8 مايو (أيار) الماضي.
ومع ذلك، قال روحاني إن بلاده بإمكانها الانسحاب من الاتفاق متى أرادت، لكنه أضاف: «الخروج من التخريب. يعني ليس المهم هو الاتفاق النووي؛ وإنما المصلحة الوطنية. من المؤكد أن إيران ستكون المنتصرة وأميركا المهزومة على هذا الصعيد».
كما تفاخر روحاني بالحكم الصادر من محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي الذي ألزم الولايات المتحدة بتقديم ضمانات بألا تشمل العقوبات الأميركية السلع الإنسانية.
وكانت طهران قدمت شكوى رسمية وطالبت بتجميد كل العقوبات الأميركية بعد قرار انسحاب ترمب من الاتفاق، واستندت الشكوى إلى «ميثاق المودة» بين البلدين في 1955. وفسرت كل من واشنطن وطهران قرار المحكمة على أنه هزيمة للطرف الآخر.
وأقر روحاني بأن بلاده تواجه مشكلات بعد الانسحاب الأميركي من «الاتفاق الشامل»، غير أنه عدّ طهران الطرف الفائز لدى «الرأي العام ومجلس الأمن».
ومع ذلك، أثار روحاني تساؤلات حول مواقف الأوروبيين المقبلة قائلا: «ماذا سيكون مصير الدول الأوروبية؟ إذا قطعت الدول الأوروبية علاقاتها معنا فستواجه عقوبات من المحاكم، وإذا واصلت علاقاتها معنا لحد الآن لم يحدث شيء».
وجنبا إلى جنب المواجهة المرتقبة بين طهران وواشنطن، استعرض روحاني في خطابه التقليدي بجامعة طهران أهم القضايا الإيرانية الراهنة؛ في مقدمتها تأزم الوضع الاقتصادي والسياسة الخارجية الإيرانية. وكان لافتا في خطابه عدم تنازله عن مواقفه السابقة في الاتفاق النووي والعلاقات مع الدول الغربية وإدارة حكومته الملفات الداخلية.
في سياق متصل، قلل نائب الرئيس إسحاق جهانغيري من أثر القيود المزمعة. ونسبت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية إليه قوله إن إيران استطاعت إيجاد شركاء جدد لشراء نفطها حتى رغم قرار بعض الدول الكف عن ذلك. وأضاف: «لن تتمكن أميركا بالتأكيد من إيقاف صادرات النفط الإيرانية بالكامل» بحسب ما نقلت عنه وكالة «رويترز».
وفي جزء آخر من خطابه، أبدى روحاني ارتياحه لتعرض حكومته للانتقادات الداخلية، وأشار إلى إيجابيات الانتقادات، إلا إنه دعا إلى أخذ الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد بعين الاعتبار.
وبهذه المناسبة، وجه رسالة إلى خبراء الاقتصاد والأكاديميين الذين ينتقدون سياسات حكومته في وسائل الإعلام وقال: «لدينا الآن أساتذة يكتبون مقالات اقتصادية ويدلون بتصريحات وانتقادات، ولدينا فريق آخر من الأساتذة لم تنشر لهم أي حوارات أو حديث مع الصحف ويكتبون لي رسائل باستمرار»، مضيفا: «كتابة الرسائل مؤثرة. الأستاذ الذي لديه نقد على الصعيد الاقتصادي ويكتب رسالة مباشرة لي فسأقرأها بدقة وأرسل رسائل شكر».
ومع ذلك، قال روحاني إنه لم يعثر على ما هو مفيد من رسائل خبراء وأكاديميين حول الوضع الاقتصادي، وقال: «إذا كان لديكم حل أفضل (للاقتصاد) فقدموه. أنا قرأت رسائل الأساتذة عدة مرات، لكني لم أستطع الاستفادة منها».
وأتهم روحاني منتقدي سياساته الاقتصادية بـ«إحباط الناس»، وقال إن «البعض يقول لا تعالج بالأقوال»؛ وردا على هذه النقطة، قال: «نعم إن علاج الأمور بالأقوال ليس مؤثرا، لكن العلاج بالتفاؤل مؤثر، وهو ما نحتاجه الآن في مجتمعنا... التفاؤل بالغد». وقال في الوقت نفسه إن «النقد مفيد، شرط ألا يكون مفرطا، وهو كالملح مفيد بقدر ما هو ضروري، ولا يمكن التأقلم معه إن زاد على حده».
ويأتي خطاب روحاني بعد أيام قليلة من خطاب للمرشد الإيراني علي خامنئي أمام كبار المسؤولين الإيرانيين؛ بمن فيهم روحاني، أوصى فيه بتقديم حلول «جدية» و«طارئة» لحل المشكلات الاقتصادية والمعيشية في إيران، نافيا أن تكون بلاده في «مأزق اقتصادي».
ودعا روحاني إلى مواقف «إيجابية» من المشكلات التي تواجه فريقه الحكومي على الصعيد الاقتصادي، موضحا بالقول: «أرى أسعار السلع كل يوم، وأعرف كيف يعيش الناس؛ خصوصا من يتلقون رواتب ثابتة (من الحكومة)».
وازدادت الانتقادات على مدى العام الأخير لسلوك إدارة روحاني الاقتصادي، ويقول منتقدو سياساته على الصعيدين الداخلي والخارجي، إنه يقدم وعودا من دون تقديم خطط عملية.
ولجأ روحاني إلى أسلوبه المعتاد في السرد والتشبيه للدفاع عن حكومته ضد الانتقادات، لافتا إلى أنها «تطورات إيجابية أعقبت صعود حكومته». وقال ضمنا إن حكومته لا تواجه «أوضاعا مثالية» لافتا إلى أن «أوضاع البلاد ليست واحدة».
ومن دون أن يتطرق لتراجع سعر الدولار، قال روحاني إنه مع انتخابه للرئاسة في 2013 وقبل إعلان تشكيلة الحكومة بشهرين «انخفض سعر الدولار وأصبحت السوق هادئة وازداد الأمل، في وقت لم نقم فيه بأي عمل». وتابع أن الإيرانيين «كانوا يأملون في مستقبل أفضل من خلال التعاون مع العالم، متفائلين بأوضاع أكثر هدوءاً، وأجواء أكثر أماناً وليست أمنية».
في غضون ذلك، قدمت وكالات أنباء إيران الرسمية روايات متباينة حول حضور الطلاب خطاب روحاني. وأجمعت الروايات المتباينة على أجواء أمنية مشددة، وانتشار قوات خاصة تابعة للشرطة في محيط جامعة طهران. وتناقلت وسائل إعلام ناطقة بالفارسية في خارج إيران تسجيلات نشرها ناشطون تظهر طلاباً يرفعون لافتات احتجاجية، فيما اتهمت وكالات «الحرس الثوري» الإدارة المسؤولة عن خطاب روحاني بمنع الجمعيات الطلابية من دخول المكان. وقالت وكالة «فارس» إن الجامعة منعت الطلاب المنتقدين لسياسات روحاني، فيما وجهت تهماً للمسؤولين بتخصيص المقاعد لأنصار روحاني.
روحاني يتهم الإدارة الأميركية بالعمل على إطاحة النظام الإيراني
نائب الرئيس يشكك في قدرة واشنطن على إيقاف مبيعات نفط بلاده
روحاني يتهم الإدارة الأميركية بالعمل على إطاحة النظام الإيراني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة