المصريون والدواجن المجمدة... قرار حكومي لا تهضمه البطون

مساعٍ لتفعيل قانون يحظر بيع الطيور الحية في القاهرة

جانب من إحدى مزارع الدجاج (أ.ف.ب)
جانب من إحدى مزارع الدجاج (أ.ف.ب)
TT

المصريون والدواجن المجمدة... قرار حكومي لا تهضمه البطون

جانب من إحدى مزارع الدجاج (أ.ف.ب)
جانب من إحدى مزارع الدجاج (أ.ف.ب)

صُدم قطاع غير قليل من المصريين، أخيراً، بتوجيهات حكومية لتفعيل قانون وقرارات صدرت قبل تسع سنوات تقضي جميعها بحظر بيع وتداول الدواجن الحية في القاهرة الكبرى. ورغم دفاع وزارة الزراعة المعنية بتنظيم عمليات بيع وتداول الثروات الحيوانية والداجنة، بأن التفعيل يأتي في إطار «المحافظة على صحة المواطنين والبيئة من التلوث»، فإن قطاعاً كبيراً من المواطنين المعنيين أبدوا اعتراضاً على الإجراء، خاصة وأنه سيتم استبدال طريقة البيع بالذبح في مجازر كبرى وعرض الدواجن للبيع مجمدة.
والقانون محل الجدل أصدرته مصر عام 2009 بالمواكبة مع انتشار فيروس إنفلونزا الطيور في البلاد، بغرض تحجيم عمليات انتقال الطيور بين المحافظات، ومحاولة السيطرة على تفشي المرض بحصر عمليات الذبح في مجازر تخضع لرقابة بيطرية مشددة، غير أنه وبتراجع الفيروس دولياً ومحلياً لم يجرِ تفعيل القانون رغم بقائه.
هبة حسين، أم لثلاثة أطفال، وتقيم في محافظة الفيوم (80 كيلومتراً جنوب غربي القاهرة)، واحدة ممن عبروا عن رفضهم لتعميم بيع الدواجن المجمدة، قالت في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «ما تربينا عليه هو أن رؤية الطائر على صورته الحية قبل ذبحه والاطمئنان لحالته الصحية، شرط أساسي لشرائه، لكن الدواجن أو غيرها من المجمدات لا نعرف على أي صورة كانت».
وأضافت: «مهما كانت المبررات لبيع الطيور مجمدة، فهذه ثقافة مصرية لغالبية ربات البيوت خاصة في مدن الصعيد والريف والدلتا، حيث تعوّدوا على تربية الطيور في منازلهم». وأعربت السيدة الثلاثينية عن رفضها تطبيق القرار، بقولها: «بصراحة المصريين لن يبلعوه بسهولة، وإذا لزم الأمر سنعود لتربية الطيور في منازلنا حفاظاً على صحتنا».
ووفق بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» فإن متوسط نصيب الفرد من لحوم الدواجن والطيور في عام 2016 بلغ 10.1 كيلوغرام في السنة، متراجعاً بذلك عن معدلات العام السابق التي بلغت 10.7 كيلوغرام للفرد سنوياً. وقال المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة، حامد عبد الدايم لـ«الشرق الأوسط» إن «القانون قائم منذ سنوات، وحتى الآن لم نحدد موعداً لبدء التفعيل، واخترنا أن تكون البداية في العاصمة كمرحلة أولى لزيادة عدد المجازر فيها، وإمكانية تداول الدواجن في صورتها المجمدة بشكل أفضل لضمان تحقيق الهدف الرئيسي، وهو الحفاظ على صحة المواطنين».
وتُسجل ذاكرة من تجاوز أعمارهم الخمسين عاماً ظهور «الفراخ المستوردة» للمرة الأولى في المجتمع المصري في أواسط سبعينات القرن الماضي إبان عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، ضمن ما عُرف حينها بـ«الأمن الغذائي»، والتي انتهى رمزها الأهم رجل الأعمال، توفيق عبد الحي، مُتهماً باستيراد مئات الأطنان من الدواجن الفاسدة مما اضطره إلى الهرب خارج البلاد لأكثر من 20 سنة، ورغم «السمعة السيئة» التي أحاطت بالظاهرة فهي لا تزال قائمة.
أحمد المنصوري، هو شاب ثلاثين يملك مع شقيقه محلاً لبيع الدواجن الحية في إحدى مناطق محافظة الجيزة، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يُخطر بشكل رسمي بشأن التوقف عن بيع الطيور الحية، غير أنه أفاد بأنه سيلتزم بالأمر حال تطبيقه.
وبشأن المصاعب المتوقعة جراء ذلك قال المنصوري: «أولها رغبة الزبون في الشراء، فهو يشعر بالاطمئنان عندما يرى الطائر سليماً، لكنها مسألة ستزول بمرور الوقت». وأضاف: «المشكلة الأكبر في حجم العمالة، فأنا شخصياً كمحل متوسط الحجم أعتمد على سبعة عمال سأضطر للاستغناء عن نصفهم المتخصصين في عمليات الذبح والتنظيف، وسأكتفي بشخص للبيع وتسلم واردات المذبح المجمدة، وآخر للحسابات». وأوضح أن هناك تكلفة أخرى تتمثل في شراء ثلاجات أكبر لحفظ المنتجات، «وهو ما لم أكن أعتمد عليه بشكل كبير من قبل».
ورد متحدث الزراعة المصرية بأنهم «يتواصلون حالياً مع جهاز المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لتمويل عمليات شراء بائعي الدواجن لثلاجات الحفظ وتقسيطها بطريقة سهلة لتحفيز التحول». وتشير تقديرات اتحاد الغرف التجارية المصري إلى أن حجم إنتاج الدواجن في مصر يبلغ مليار دجاجة سنوياً، فيما يمثل ذلك نحو 90 في المائة من حجم الاستهلاك، ويتم تغطية الفجوة عن طريق الاستيراد.
برلمانياً، ينتقد النائب وعضو لجنة الزراعة، رائف تمراز ما قال إنه «الإعلان المفاجئ دون تمهيد عن حظر بيع الدواجن الحية»، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أنه «مع التفهم لدوافع الحفاظ على البيئة وصحة المواطنين، كان ينبغي أن تكون هناك حملة توعية لتبصير المستهلكين بفوائد الخطوة».
وأشار إلى أنه يساند الانتظار على مسألة التفعيل، وأنه تقدم في هذا الصدد بطلب مناقشة لوزراء الزراعة والتموين والاستثمار، وسيتم طرحه على الجلسة العامة للبرلمان «في غضون عشرة أيام».
وأكد عبد الدايم أن «الزراعة تدرس المقترحات البرلمانية بشأن حملات التوعية، بغرض ضمان أفضل تطبيق للقانون».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.