ديون مصر للبيع...بأقل سعر

القاهرة تسعى لتغيير تركيبة الدين من حيث آجال الاستحقاق وسط أزمة الأسواق الناشئة

محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)
محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)
TT

ديون مصر للبيع...بأقل سعر

محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)
محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر يتحدث مع وزير المالية محمد معيط بشأن التنسيق بين السياسة النقدية والمالية («الشرق الأوسط»)

تضر أسعار الفائدة المرتفعة، بالموازنة العامة، المترنحة أساسا، وبميزان المدفوعات وبمناخ الاستثمار بوجه عام، لكن لتمويل عجز الموازنة كان لا بد من الحفاظ على المستثمرين الأجانب بالفائدة المرتفعة، ومع وزيادة الضغط على الموازنة خفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة مرتين خلال العام الحالي، لكن المتغيرات العالمية في الأسواق الناشئة، أجبرت «المركزي» على تثبيت الفائدة المرتفعة، في آخر اجتماعاته الشهر الماضي.
فبعد أن كانت المتغيرات الخطرة على الاقتصاد المصري محلية بالكاد (التضخم وتوفير الدولار وجذب استثمارات وخفض عجز الموازنة) انضم متغيران عالميان للتأثير بشكل مباشر في صنع القرار الاقتصادي، تمثلا في ارتفاع أسعار النفط، وأزمة الأسواق الناشئة، التي قرر معها المستثمرون الأجانب بدء موجة تخارج.
يتحرك اقتصاد مصر في دائرة مغلقة، عبارة عن عدة مؤشرات، بعضها يكمل الآخر وبعضها متعارض، فعندما تحاول أن تحقق معادلة توفير الدولار بتعويم الجنيه، يرتفع الدين العام بشكل مطرد، ويصل التضخم في الأسعار لمستويات قياسية، ومع رفع الفائدة لجذب استثمارات أجنبية لزيادة احتياطي النقد الأجنبي، يزيد عجز الموازنة وخدمة الدين الخارجي، وعندما بدأ البنك المركزي تخفيض الفائدة للسيطرة على عجز الموازنة، ظهرت أزمة الأسواق الناشئة، في وقت تحاول فيه مصر إعادة هيكلة الديون.
أحمد شمس رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، يرى أن بقاء أسعار الفائدة مرتفعة يرفع من تكلفة خدمة الدين ويصّعب من الإجراءات المتبعة لتقليل العجز في الموازنة، «لكنها من جهة أخرى ضرورة في المدى القصير للحفاظ على السيولة الدولارية ولاستقرار سعر الصرف، خاصة مع ارتفاع أسعار البترول مؤخراً وما قد يتبعها من عودة مستوى التضخم للارتفاع».
بلغ التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن 16 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي من 14.2 في المائة في أغسطس (آب). وفقا للجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء. ووفقاً لخطة وزارة المالية، عدم تحميل الأجيال القادمة عبء الديون الحالية، بدأت تغيير آجال استحقاق الديون أولاً كخطوة أولى، ومن ثم تخفيضها كنسبة للناتج المحلي.
وتعد الوزارة برنامج إصلاح هيكلي للاقتصاد يستهدف خفض الدين العام إلى 70 في المائة خلال أربع سنوات من مستواه الحالي. وتستهدف خفض الدين الخارجي إلى ما دون الـ80 مليار دولار بحلول 2021، من 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو (حزيران) الماضي. وفقا لوزير المالية محمد معيط.
غير أن نائب الرئيس التنفيذي لشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار محمد متولي، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «خفض حجم الدين للناتج المحلي هدف منطقي ولكن في ظل ارتفاع أسعار الفائدة على الدين وارتفاع تكلفة الدين كنسبة من الميزانية، وهو أمر يبعث على القلق، يصبح وضع خطة متوازية لخفض تكلفة الدين أمراً حتمياً». لكنه يضيف: «قد يكون وضع هدف بألا تزيد خدمة الدين عن 15 في المائة من حجم الميزانية خلال 4 سنوات أمراً منطقياً أيضاً».
وحسب البيان المالي لموازنة 2018 / 2019، من المستهدف أن يصل عجز الموازنة العامة للدولة 8.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تصل تكاليف خدمة الدين 31.4 في المائة من المصروفات العامة.
- إلغاء عطاءات بيع أذون خزانة للتمويل
وصفت رضوى السويفي رئيس قسم البحوث ببنك الاستثمار فاروس، إدارة الإصلاح الاقتصادي في البلاد في ظل التقلبات الحالية في الأسواق الناشئة بـ«المعادلة الصعبة»، نظراً للضغوط التي نتجت عن تلك الأزمة وتؤثر بدورها على مصر.
ونظرا لخفض عجز الموازنة من خلال تخفيض قيمة خدمة الدين، بدأت وزارة المالية بإلغاء عطاءات لبيع أذون خزانة (أدوات الدين قصيرة الأجل لأقل من عام) نظرا لارتفاع الفائدة المطلوبة والتي اقتربت من 20 في المائة، ورغم أن وزير المالية قال وقتها إنه ليس هناك ما يجبر الوزارة على قبول فوائد مرتفعة في عطاءات أدوات الدين، وتشديده على أن إلغاء العطاءات بسبب ارتفاع العائد يثبت قدرة الحكومة على طرح أدوات دين سيادية حسبما تحتاج، دون قبول أي معدل فائدة يطلبه المستثمرون، فإن الوزارة باعت مؤخرا (في عطاء الاثنين الماضي) سندات خزانة لأجل 5 و10 سنوات بقيمة 1.25 مليار جنيه، على الرغم من الارتفاع المستمر للعائد والذي بلغ متوسطه لأجل 5 سنوات 18.41 في المائة، و18.37 في المائة لأجل 10 سنوات، وفقا لما أظهرته بيانات البنك المركزي المصري.
وأوضحت رضوى السويفي لـ«الشرق الأوسط» أنه نظراً للاحتياجات التمويلية قصيرة الآجل لمصر وارتفاع الفائدة في الأسواق الناشئة «عادت وزارة المالية لبيع عطاءات أذون خزانة بأسعار فائدة مقاربة لنفس الأسعار التي رفضتها في وقت سابق».
بنك الكويت الوطني أكد في مذكرة بحثية أنَّ تكلفة الاقتراض ارتفعت بصورة كبيرة على الحكومة المصرية، الأمر الذي دفعها لإلغاء عدد من العطاءات للسندات طويلة الأجل قبل قبولها الإعادة مرة أخرى.
وأوضح أن الفائدة على الأجلين 3 و7 سنوات جاءت متماثلة إلى حد كبير؛ نتيجة رفض جميع العروض للسندات أجل 7 سنوات الأعلى من الفائدة المدفوعة على 3 سنوات، مما يفسر تقارب مستويات العوائد رغم فجوة أجل الاستحقاق.
وأرجع ذلك إلى رغبة مزدوجة من الحكومة والمستثمرين في عدم ضخ اكتتابات طويلة الأجل، مشيراً إلى أنه بالتوازي مع ذلك، تسعى الحكومة لطرح سندات بالعملات الأجنبية في الأسواق الدولية، وتجهز لبعثة ترويجية إلى آسيا وأوروبا لاستكشاف فرص الدين المصري، وهو الأمر الذي حال نجاحه سيخفض متوسط الفوائد على الدين الحكومي.
تستهدف الحكومة الوصول بمتوسط سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومية في موازنة 2018 - 2019 الحالية إلى نحو 14.7 في المائة، مقارنة مع 18.5 في المائة في السنة المالية 2017 - 2018 التي انتهت في 30 يونيو الماضي.
وتبلغ احتياجات مصر التمويلية في موازنة 2018 - 2019 نحو 714.6 مليار جنيه، منها 511.2 مليار في شكل أدوات دين محلية والباقي تمويلات خارجية من إصدار سندات وقرض صندوق النقد الدولي.
يقول شمس، عن تغيير تركيبة الدين من حيث آجال الاستحقاق، إنه «نظرا لارتفاع تكلفة الإقراض للأجل القصير، فمنحني العائد في مصر معكوس، بمعنى أن تكلفة الإقراض للآجال الطويلة أقل من الآجال القصيرة لأسباب خاصة بالسيولة المحلية ومخاطر التضخم على الأجل القصير». مما استدعى وزارة المالية الموافقة على البيع بنفس أسعار الفائدة تقريبا التي رفضتها سابقاً.
وتوقعت السويفي أن تصل مدة إعادة هيكلة تركيبة الديون في مصر من حيث آجال الاستحقاق وانخفاض نسبه إجمالي الدين للناتج المحلي إلى «عامين أو ثلاثة أعوام»، حتى تظهر نتائجها في الاقتصاد، متوقعة «انعكاسها على المؤشرات المالية خلال عام 2020».
وارتفع متوسط أسعار الفائدة على أدوات الدين عن المعدلات المفترضة؛ حيث ناهزت الفائدة على أذون الخزانة 19 في المائة، في ضوء ما تشهده الساحة العالمية من هروب لرؤوس الأموال متأثرة بما تشهده تركيا والأرجنتين، وبالتزامن مع اتجاه الفيدرالي الأميركي إلى تبني سياسة نقدية أكثر انكماشية (الاستمرار في رفع الفائدة).
- تقسيم الديون
ارتفع إجمالي الدين الخارجي لمصر إلى 92.64 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، بزيادة 17.2 في المائة على أساس سنوي. حسبما صرح مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري.
كان الدين الخارجي لمصر بلغ 79.02 مليار دولار في نهاية يونيو العام الماضي، وارتفع إلى 88.2 مليار في نهاية مارس (آذار) الماضي.
وبلغت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي 37.2 في المائة في نهاية السنة المالية 2017 - 2018، التي انتهت في يونيو الماضي. وارتفاع نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يكون عبئاً على الاحتياطي النقدي وعلى الموارد الخارجية للبلاد.
ويصل صافي الاحتياطيات الأجنبية لمصر 44.459 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، مواصلاً ارتفاعه للشهر الثالث والعشرين على التوالي.
والسنوات الثلاث الماضية، زاد الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل (محليا أو خارجيا) مع تحرير سعر الصرف وما تبعه من ارتفاع هائل في مستويات الفائدة وبالتالي تكلفة خدمة الدين. فقد ارتفعت نسبة أذون الخزانة من 31 في المائة من إجمالي الدين العام المحلي في يونيو عام 2015، إلى 38 في المائة من الدين العام المحلي في يونيو 2017، بمعدل نمو 22.5 في المائة، فيما زاد معدل نمو سندات الخزانة 9.4 في المائة خلال الفترة نفسها.
وعلى صعيد الدين الخارجي، تزايدت نسبة الديون قصيرة الأجل من 9 في المائة من إجمالي الدين الخارجي في يونيو عام 2010، إلى 16 في المائة بنهاية يونيو 2017.
وأرجع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، زيادة حجم الدين الخارجي إلى «توسع الدولة في الاقتراض من الخارج خلال الفترة الماضية من أجل سد الفجوة التمويلية وحل أزمة نقص العملة الأجنبية في السوق».
وينقسم الدين الخارجي لمصر إلى 28.42 مليار دولار قروض من مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية و17.4 مليار ودائع من السعودية والإمارات والكويت و14.28 مليار دولار سندات. كما يشمل 10.37 مليار دولار قروض ثنائية و9.89 مليار قروض وتسهيلات متوسطة وطويلة الأجل و12.28 مليار دولار مديونية قصيرة الأجل.
ويصل إجمالي الدين العام المحلي لمصر، وفقا للبنك المركزي، 3.53 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، أي ما يمثل 86.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.41 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما كان يمثل 83.8 في المائة من الناتج المحلي.
وعن التنسيق بين السياسة المالية والنقدية في البلاد، قال متولي إن «السياسة النقدية أصبحت الآن مقيدة بتطورات إقليمية ودولية لا يمكن تجاهلها ويترتب عليها إجراءات تؤثر على السياسة المالية». وأضاف: «من المتوقع أن نرى تباطؤاً في السياسة المالية التوسعية نتيجة السياسة النقدية الانكماشية وما تمثله من عبء ثقيل على ميزانية الدولة».
وأوضحت السويفي أن «نقطة توازن» هي ما تجمع السياسة النقدية والمالية في البلاد، في الوقت الحالي، نظراً لأن ارتفاع الفائدة يضغط على الموازنة، وانخفاض الفائدة يضغط على ميزان المدفوعات، وقد يُخرج السوق من التنافسية مع الأسواق الأخرى بالنسبة للاستثمارات في المحافظ المالية، وبالتالي «أتوقع ثبات أسعار الفائدة لوقت طويل قد يصل إلى عام، مع الأخذ في الاعتبار أزمة الأسواق الناشئة، والمعطيات المحلية».
- تقليل تكلفة التمويل ومخاطره
اتجاه المالية نحو أدوات الدين قصيرة الأجل يهدف إلى تحقيق أحد اعتبارات إدارة الدين العام والمتعلق بتقليل تكلفة التمويل، وهو أمر مطلوب مراعاته نظرا لانعكاس هذه التكلفة على مصروفات خدمة الدين في الموازنة العامة.
نائب الرئيس التنفيذي لشركة إتش سي محمد متولي، يقول هذا التغيير «تطور طبيعي ومنطقي في ظل حجم الدين والنسبة الكبيرة للديون قصيرة الأجل فيه مما يستوجب اتباع قواعد الإدارة الرشيدة للأصول والالتزامات بتنويع وإطالة آجال الاستحقاق».
وتوقعت رضوى السويفي نجاح خطة وزارة المالية في هيكلة الديون، نظراً لأن المستهدف في النمو أكبر من حجم الاحتياجات التمويلية التي تعتزم الحكومة الحصول عليها.
البيان المالي للموازنة العامة للعام المالي الحالي يشير إلى مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكدا أن كل ارتفاع في معدل الفائدة بنسبة 1 في المائة يتسبب في ارتفاع عجز الموازنة بمقدار 4 - 5 مليار جنيه.
وأخطر ما يمثله الاعتماد على مصادر ديون قصيرة الأجل هو الحاجة إلى إيجاد مصادر تمويل سريعة لتسديد أقساط هذه الديون، خاصة في ظل تراجع النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يزيد من أعباء الدين على صعيد الخدمة والسداد باللجوء إلى الاستدانة لسداد القروض.
لذلك جاءت أهمية مراعاة تركيبة الدين المحلي من حيث آجال الاستحقاق وأن يكون التمويل لأنشطة إنتاجية تستطيع تسديد أعباء الدين وخدمته في الأجل المناسب.
وقد صاحب الاعتماد على أدوات الدين قصيرة الأجل ارتفاع نسبة إجمالي الدين العام في مصر من 93.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2015 إلى 105.9 في المائة في مارس 2017، وكان جزء من الزيادة في الدين لتمويل أعباء ديون سابقة، مع ارتفاع خدمة الدين كنسبة من الناتج المحلي من 7.9 في المائة في موازنة 2014 / 2015 إلى 9.3 في المائة في موازنة 2017 / 2018.
- هروب الاستثمارات الأجنبية
خرج نحو 6.5 مليار دولار من مصر خلال 4 أشهر، مما ساهم في انخفاض قيمة استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل، لتسجل 15.01 مليار دولار بنهاية يوليو (تموز) الماضي. وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.
وتأتي تلك السحوبات لأول مرة منذ تعويم الجنيه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، نتيجة الأزمة التي تواجه الأسواق الناشئة بسبب قوة الدولار والعقوبات الأميركية على تركيا، وتدهور الاقتصاد الأرجنتيني والفنزويلي.
ووفقا لتقرير البنك المركزي فقد سجلت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة، ذروتها في مارس لتصل إلى 21.5 مليار دولار.
وتوقع معهد التمويل الدولي مؤخرا خروج نصف استثمارات الأجانب في محافظ الأوراق المالية بنهاية العام المالي الحالي لتسجل 9.5 مليار دولار مقابل 18.4 مليار دولار نهاية العام المالي الماضي.
المعهد يقول أيضا إن التراجع في تلك الاستثمارات قد يستمر حتى نهاية العام المالي 2020 لتنخفض إلى 6.2 مليار دولار، وإن ذلك سيكون بالتزامن مع زيادة طفيفة في التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى 8.9 مليار دولار بنهاية العام بزيادة 600 مليون دولار على نهاية العام السابق.
وعن المخاطر التي قد تؤثر على مصر نتيجة أزمة الأسواق الناشئة، يقول متولي: «ارتفاع تكلفة إعادة التمويل بسبب ارتفاع سعر الفائدة على السندات الأميركية التي هي مرجع الأساس في تسعير الديون الجديدة لكل الدول والشركات»، وارتفاع تكلفة التمويل وانخفاض شهية المستثمرين الأجانب تجاه الأسواق الناشئة بوجه عام يزيد من عجز الحساب الجاري وقد يضع ضغوطا جديدة على سعر الفائدة وقيمة العملة».
ويضيف رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، أحمد شمس، أن «أزمة الدين الخارجي للأسواق الناشئة أدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية من هذه الأسواق وانهيار لعملات تلك الدول»، موضحاً أن تأثير ذلك على مصر «يتلخص في استمرار أسعار الفائدة مرتفعة لوقت أطول مما كان متوقعا، وارتفاع تكلفة جزء من الدين الخارجي على مصر، حيث يزداد معامل المخاطرة مع خروج الأموال الساخنة في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الفائدة على الدولار».
لكن شمس استبعد حدوث أزمة ديون في مصر، نتيجة تلك المعطيات، قائلا: «لا أعتقد بحدوث هذا (أزمة)، فالدين الخارجي لمصر رغم ارتفاعه مؤخراً (فإنه) ما زال في الحدود المقبولة (نحو 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) ونصفه تقريباً يأتي من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأسعار فائدة قليلة مقارنة بالدول التي اقترضت مباشرة من السوق».
كما استبعدت رضوى السويفي بلوغ حجم الديون في مصر حد الأزمة قائلة: «لا يوجد قلق في هذا الصدد»، مقارنة بالأسواق الناشئة المشابهة. موضحة أن «حجم الديون الخارجية لمصر كنسبة للناتج المحلي الإجمالي ما زالت في المناطق المقبولة والواقعية، خصوصا أن النسبة قصيرة الأجل لا تتعدى الـ20 في المائة».
بدأت مصر برنامج إصلاح اقتصادي، عام 2015، واتفقت مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار، يتطلب للحصول عليه إجراءات إصلاحية عنيفة، لكنه ركز أولاً على الإصلاح المالي، فيما يخص السياسة النقدية والمالية، لكن الإصلاح الاقتصادي المتمثل في هيكلة الجهاز الإداري للدولة وبنود الموازنة وزيادة الإنتاجية بالتركيز على الصناعة، ما زال المرحلة الأصعب. وعن نسبة عجز الموازنة ومستوى الدين في البلاد، يقول شمس إن «نسبة عجز الموازنة والتي نتوقعها في حدود الـ10 في المائة هذا العام ما زالت كبيرة مقارنة بمتوسط الأسواق الناشئة، وإن كانت قد تحسنت من 12 في المائة منذ عامين بعد برنامج الإصلاح المالي الذي اتبعته الحكومة».
تابع: «تستطيع الحكومة تمويل هذا العجز عن طريق السيولة المحلية وإن كان لهذا أثر سلبي على أسعار الفائدة والتمويل المتاح للقطاع الخاص».
إن التطورات التي تشهدها تكلفة الاقتراض الآن تستدعي من المالية مراجعة كافة مستهدفاتها فيما يخص عجز الموازنة والاحتياجات التمويلية، ودراسة كيف سيؤثر ذلك على أوجه الإنفاق المختلفة، خاصة وأن السنوات الثلاث الماضية قد شهدت تزايد نسبة مدفوعات خدمة الدين على حساب الإنفاق الاستثماري والأجور مما حمل السياسة المالية توجها انكماشيا، الأمر الذي يؤثر بدوره على أداء الاقتصاد الحقيقي.


مقالات ذات صلة

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

لبنان

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.