اتهام الجيش لـ«هيئة الدستور» بالرشوة «يربك» المشهد السياسي الليبي

مطالب للمدعي العسكري بالتحقيق مع المسماري

صورة أرشيفية تجمع غالبية أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور الليبي
صورة أرشيفية تجمع غالبية أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور الليبي
TT

اتهام الجيش لـ«هيئة الدستور» بالرشوة «يربك» المشهد السياسي الليبي

صورة أرشيفية تجمع غالبية أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور الليبي
صورة أرشيفية تجمع غالبية أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور الليبي

زادت الاتهامات التي وجهتها القيادة العامة للجيش الوطني الليبي إلى «الهيئة التأسيسية للدستور» بـ«عدم النزاهة والحصول على رشوة» حكومية، من تعقيدات المشهد في هذا البلد الذي ظل يعاني الانقسام منذ قرابة 8 سنوات، وسط مطالب للمدعي العام العسكري بالتحقيق فيما أورده العميد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش، من اتهامات.
وكان المسماري قد صعّد من انتقاداته لـ«مشروع الدستور»، وقال إن الهيئة «تلقت 15 مليون دينار دعماً من رئيس المجلس الرئاسي فائز السرّاج قبل إجراء التصويت على المسودة بشهر». ولفت إلى أن ديوان المحاسبة بطرابلس قال في تقريره الأخير إن المبلغ «يعد رشوة».
وأضاف المسماري في مؤتمر صحافي أقيم في بنغازي، أن «القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر وصف هذا الدستور بالمعيب، ويحض على زعزعة الاستقرار الاجتماعي والمناطقي، ويدفع الليبيين إلى مزيد من الشقاق»، واعتبر أن «الإخوان لجأوا إلى الدستور لأنهم يعلمون صعوبة التوافق عليه، بالتالي فهو يطيل عمرهم في المشهد، وبدل أن نحل مشكلتنا في سنة أو اثنتين، سندخل في 10 سنوات مقبلة دون حل».
واستغرب الدكتور البدري الشريف، عضو الهيئة التأسيسية، من اتهامات المسماري، وقال في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن هيئة الدستور المنتخبة قبل نحو 4 أعوام، تتكون من 60 شخصاً، وتمثل أقاليم ليبيا الثلاثة بالتساوي، مبرزاً أنها «تتمتع باستقلالية، ولا تتبع أي سلطة في البلاد».
ودافع الشريف عن أعضاء الهيئة التأسيسية، وقال «إنهم أبعد ما يكونون عن الفساد، ويتمتعون بالأمانة والصدق... وأعضاؤها مستاءون جداً من اتهامات الناطق باسم (عملية الكرامة)، وكان أولى به عدم التدخل في هذا الأمر».
وكان مجلس النواب، المكون من 200 نائب، قد أقر في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، قانون الاستفتاء على مشروع الدستور، وتعديل الإعلان الدستوري ليتوافق مع نصوص القانون، عبر توقيع أكثر من 135 عضواً من المجلس بالموافقة، وهو ما أطلق عليه معارضو الدستور بـ«التوقيع عن بُعد».
وفي حديثهم إلى «الشرق الأوسط»، عبر عدد كبير من أعضاء هيئة الدستور عن غضبهم مما وصفوه بـ«إقحام الجيش نفسه في هذا المعترك». إذ قال ضو المنصوري، عضو الهيئة، إن اتهام المسماري لأعضاء الهيئة التأسيسية بتلقيهم رشوة «يعد سابقة خطيرة»، مشيراً إلى أن حديثه «حمل في طياته صدى للمفاهيم الديكتاتورية، التي يرغب معظم الليبيين في إحداث قطيعة معها».
وأضاف المنصوري في بيان نشره عبر صفحته على «فيسبوك»، مساء أول من أمس: «بصفتي عضواً بالهيئة، فإنني أتوجه للمدعي العام العسكري بفتح تحقيق شفاف في هذه الادعاءات الرعناء لأعضاء الهيئة، وما يترتب على ذلك من حق في التعويض عن جريمة التشهير، وهي مكتملة الأركان».
ورد المنصوري على ما وصفه المسماري بأن الذين صوتوا على المشروع هم 38 عضواً فقط، وقال إن الناطق باسم الكرامة «تناسى أن جلسة التصويت على المشروع كانت علنية وموثقة بالصوت والصورة، وقد سبق أن عرضت مثل هذه (الأقاويل) أمام أعلى سلطة قضائية في ليبيا، وتصدت لها بأحكام قضائية نهائية».
كما عبر المنصوري عن تحفظه على «التصريحات المتعاقبة للتابعين لعملية الكرامة في الشأن السياسي عبر وسائل الإعلام». وقال إن هذا الأمر «يشكل خطراً محدقاً برغبة الليبيين في قيام دولة مدنية، عنوانها الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والمساءلة والشفافية»، مستدركاً أن «هذه هي المبادئ التي تضمنها مشروع الدستور، الذي يدعو المتحدث العسكري إلى رفضها، كأننا أمام سلطات توزع صكوك الغفران على المواطنين باعتبارهم قاصرين».
لكن المسماري ذهب في المؤتمر الصحافي إلى أن «الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الليبية المقاتلة، بدأت في دعم فكرة الدستور أولاً»، لكنه أوضح أن «الجيش مع خيارات الشعب الليبي إذا أراد الذهاب إلى الاستفتاء على الدستور. فنحن نثق بأنه سيقول لا، وبعد أول جولة رفض يقول فيها الشعب الليبي لا، نذهب إلى انتخابات برلمانية ثم رئاسية، حسب مخرجات إعلان باريس، دون العودة إلى لجنة الدستور ومجلس النواب ومجلس الدولة، وهذا هو رأي المؤسسة العسكرية».
وأقرت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي «مسوّدة الدستور» بأغلبية الأصوات في يوليو (تموز) العام الماضي، ورفعتها في حينها إلى البرلمان في طبرق (شرق) لإقرارها، وسط رفض واسع من قبل قبائل وأطراف مختلفة، من بينهم أنصار «التيار الفيدرالي» في (إقليم برقة)، فضلاً عن ملاحقتها بدعاوى قضائية أمام محاكم ليبية مختلفة، تطالب ببطلان التصويت عليها.
وتندر معارضو الدستور على ما وصفوه بـ«توقيع بعض النواب عن بُعد» على قانون الاستفتاء، وعدوه تجاوزاً للائحة الداخلية للبرلمان، التي تنظم التصويت على مشاريع القوانين. غير أن رئيس مجلس النواب عقلية صالح قال إن «ما حدث (في جلسة إقرار قانون الاستفتاء) ليس تصويتاً، ولم يكن هناك تصويت أصلاً، بل تقديم مقترح، ووافق عليه عدد من النّواب، وهو قد قدّم كتابيّاً، ويجوز أن يقدّم حتّى شفوياً، وهذا شيء دارج في عرف البرلمانات، وليس بالأمر الغريب».
وانتهى صالح في حوار مع «مركز الأداء الاستراتيجي» (ستراكتيجيا) أمس، قائلاً: «مسألة التصويت على قانون الاستفتاء، أو التعديل الدستوري، لا تتم إلا من خلال إبداء النواب بمختلف توجّهاتهم ورؤاهم ضمن قاعة البرلمان»، الأمر الذي وصفه بعض السياسيين بأنه زاد أزمة الدستور التباساً وتعقيداً.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.