نظرة سياسية إلى ظاهرة الإنجيليين في البرازيل

نظرة سياسية إلى ظاهرة الإنجيليين في البرازيل
TT

نظرة سياسية إلى ظاهرة الإنجيليين في البرازيل

نظرة سياسية إلى ظاهرة الإنجيليين في البرازيل

> التقدم الضخم المفاجئ الذي حققه مرشّح اليمين المتطرف جايير بولسونارو في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة البرازيلية، واقترابه كثيراً من الفوز النهائي في الجولة الثانية، يُلزِمان بالتوقف عند ظاهرة الشعوبية التي تنتشر كالنار في الهشيم منذ سنوات في شتّى أنحاء العالم، وبخاصة في بلدان الأنظمة الديمقراطية العريقة في أوروبا الغربية وأميركا.
لا يختلف المحللون في تشخيص أسباب الظاهرة الشعوبية، لكنهم لا يتفقون حول مدى قدرتها على الصمود والترسّخ، وحول سبل مواجهتها وعلاجها قبل أن تُحدث أضراراً لا تعوَّض على صعيدي الاستقرار والسلم الدوليين.
مما لا شك فيه أن الإنهاك الذي أصاب الأحزاب السياسية التقليدية، التي انهار بعضها خلال السنوات الأخيرة، ترك فراغاً كان لا بد أن تملأه أحزاب أو حركات جديدة. وهذا الإنهاك أصاب أيضا المجتمعات الديمقراطية التي سئمت وعود السياسة العاجزة في عصر «العولمة» التي أخضعت كل شيء لمقتضيات معادلات الاقتصاد المالي، ناهيك من تفشّي الفساد بين الطبقة السياسية في ظروف الأزمات الاجتماعية الحادة والمتمادية. وهو ما دفع بأعداد كبيرة من محازبي اليمين واليسار إلى هجرة الأحزاب والنقمة عليها.
وتشكّل البرازيل منذ سنوات مختبراً مثاليّاً لتكرار التجربة الشعوبية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة واستشراء الفساد السياسي الذي شلّ مؤسسات الدولة وتفشّي أعمال العنف بصورة غير مسبوقة.
هذا هو المشهد الذي صعد فيه نجم بولسونارو في أقل من سنة، من غير أن يدرك خصومه عمق المدى الذي تغلغلت فيه أفكاره بين المواطنين... من دون اكتراث بجرعة اللاديمقراطية في مضمونها أو لجنوحها العنصري. لكن الظاهرة الشعوبية التي يقودها بولسونارو في البرازيل ما كان لها أن تبلغ هذا المستوى من التأييد وبهذه السرعة من دون رافعة الكنيسة الإنجيلية اليمينية التي باتت تشكّل قطباً اجتماعياً واقتصاديا وسياسيا مهماً في البرازيل. ولقد أدرك بولسونارو منذ البداية أنه لن يتمكن من مواصلة مشروعه نحو الرئاسة من دون ضمان دعم هذه الكنيسة، نظراً لضعف قاعدته التنظيمية وعجزه عن بناء تحالفات برلمانية.
وتجدر الإشارة إلى أن البرازيل التي تُعتبر خزان الكنيسة الكاثوليكية في العالم - إلى جانب المكسيك - تشهد انتشاراً واسعاً لنشاط الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية المتشددة منذ أواخر القرن الماضي، مدعوماً بسخاء من نظيرتها الأميركية... الناشطة هي أيضا في كل أنحاء أميركا اللاتينية. واليوم يُقارب عدد الأتباع البروتستانت في البرازيل ما يعادل 28 في المائة من مجموع السكان بعد أن كانت هذه النسبة دون الـ10 في المائة في العقد الأخير من القرن العشرين.
وتملك الطائفة الإنجيلية في البرازيل راهناً أكثر من 14 ألف كنيسة موزّعة على كل الولايات البرازيلية، ويرأسها الأسقف أدير ماسيدو، الذي يدير ثروة تقدّر بنصف مليار دولار ويملك ثاني أهم محطة للتلفزيون في البرازيل. وهذه المحطة كرّست معظم أنشطتها لتغطية حملة بولسونارو.
كذلك يرأس بلدية ساو باولو (كبرى مدن البرازيل) حاليّا أسقف إنجيلي سابق فاز بنسبة 60 في المائة في الجولة الأولى على منافسه اليساري فرناندو حداد المرشح الحالي عن حزب العمّال لرئاسة الجمهورية. ولقد بنت الكنيسة الإنجيلية في المدينة أخيراً معبدا مستوحى من هيكل سليمان، يتسع لعشرة آلاف شخص ادّعى أسيدو أنه جاء بحجارته من القدس.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.