الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين

الحرب لا تتعمد التهجير فحسب.. بل تستهدف القدس «قلب» الدولة الفلسطينية

الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين
TT

الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين

الخان الأحمر.. معركة تقاطع مشروعين

يكفي النظر إلى خريطة جوية لفهم لماذا فرضت منطقة الخان الأحمر الفلسطينية نفسها على الأحداث خلال الأسابيع الفائتة. فالمنطقة التي تقع في قلب الدولة الفلسطينية تسمح بتشبيك «مخيف» لمجموعة من المستوطنات الإسرائيلية الضخمة المحيطة، وتقودها جميعاً إلى القدس، مشكلة «حزاماً خانقاً» من المستوطنات حول العاصمة المرجوة للفلسطينيين، وتقطع بلا رحمة الدولة المنتظرة إلى نصفين. وهذا، ناهيك عن أن الترحيل القسري لبدو الجهالين، الذين عاشوا في هذا المكان منذ أكثر من 50 سنة، قد يشكل جريمة حرب أخرى بامتياز ضد شعب أعزل.

من بين تجمعات فلسطينية كثيرة مهددة بالترحيل والهدم في الضفة الغربية، تحولت المعركة حول الخان الأحمر إلى مواجهة رئيسية وذات أولوية، حشد فيها الفلسطينيون كل الطاقات، بما فيها اللجوء إلى القضاء والصمود على الأرض، لإدراكهم أن السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المنطقة ستعني، ضمن أشياء أخرى كثيرة، خسارة التواصل الجغرافي في الضفة الغربية، وعزل القدس عن باقي محيطها العربي. ويضاف لهذين العاملين خسارة مزيد من الأراضي لصالح المستوطنات التي تنمو كالسرطان في المنطقة، وربما أيضاً سيعني هزيمة أخرى جديدة في معركة طويلة.
أمام هذا الواقع المعقد، لم يجد الفلسطينيون بداً من خوض معركة قد تبدو خاسرة أمام القوة العسكرية الإسرائيلية المتحكمة، دفاعاً عن الحلم الذي لم يتحقق حتى الآن... أي «الدولة الفلسطينية في حدود 1967».

الخان قبل إسرائيل
قبل أن تحتل إسرائيل الضفة الغربية عام 1967 بنحو 15 سنة، وصل عرب الجهالين إلى المنطقة القريبة من القدس، آتين من منطقة عراد التي هجروا منها، واستقروا في 12 تجمعاً قريباً من القدس، على الطريق إلى أريحا.
أحد هذه التجمعات يُسمى «الخان الأحمر»، ويقع على «الطريق السريع» قرب مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم الإسرائيليتين القريبتين من القدس.
في البداية، ضمن المهجرون أراضي للسكن والرعي، لكن إسرائيل قررت أن تقيم هناك مستوطنة كفار أدوميم، فجرى تهجيرهم إلى المكان الذي يعيشون فيه اليوم، وهو ببساطة مجموعة من بيوت الصفيح والخيم المتناثرة في سفح جبل على بُعد نحو كيلومترَين إلى جنوب مستوطنة كفار أدوميم، وتقطنه 21 أسرة، بواقع 146 شخصاً.
وإضافة إلى البيوت البدائية جداً، يوجد هناك مسجد ومدرسة شيدا عام 2009، ويدرس في المدرسة أكثر من 150 طالباً، نصفهم من تجمعات مجاورة. وهذه المدرسة بنتها جمعية «تيرا فينتو» الإيطالية، بطريقة بناء يُستخدم فيها طين الوحل وعجلات السيارات، ومول بناؤها عبر إيطاليا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي. واليوم، باتت هذه المدرسة بعد انتهاء الدوام خيمة صمود كبيرة، ينام فيها عشرات الفلسطينيين المصممين على مواجهة جرافات إسرائيل، حين تصل لتنفيذ قرار هدم الخان الذي أصدرته محكمة إسرائيلية.

بداية الحكاية
لا يوجد وقت محدد لبدء المضايقات الإسرائيلية لأهل المنطقة. فقبل سنوات كثيرة، حولت السلطات حياة السكان إلى جحيم، رافضةً ربط التجمع بشبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق، ومانعةً بناء المنازل والمباني العامة، ومحددةً مساحات الرعي، وفارضةً واقعاً يشكو من نقص كبير في خدمات الصحة والتعليم والرفاه. ولسنوات كثيرة أيضاً، رفضت إسرائيل منح ولو ترخيص واحد لتشييد أي مبنى في المنطقة، فاضطر بدو الجهالين لبناء منازل من الصفيح، أو نصب خيم متنقلة، في مواجهة قرارات الهدم والمصادرة.
في المقابل، رصدت مؤسسات حقوقية أنه منذ عام 2006 حتى نهاية مايو (أيار) 2018، هدم 26 مبنى سكنياً، وتُرك 132 شخصاً بلا مأوى، بينهم 77 من الأطفال والفتيان. وخلال هذه الفترة، رفع سكان التجمع عدداً من الالتماسات إلى محكمة العدل العليا، محاولين منع تهجيرهم، لكن بنهاية مايو، حكم قضاة المحكمة بأنه يحق للدولة هدم منازل سكان تجمع الخان الأحمر، وتهجيرهم من المكان.
وفي بداية يوليو (تموز)، وصل مندوبو الإدارة المدنية، برفقة عناصر من الشرطة، ومعهم آليات ثقيلة، وباشروا التحضير لهدم مباني تجمع خان الأحمر، وترحيل سكانها، لكن أبناء الخان، متضامين، ناموا أمام الجرافات. وبعد يومين، لجأ السكان لرفع التماس للمحكمة العليا. وفي اليوم نفسه، أصدرت المحكمة أمراً مؤقتاً بوقف إجراءات الهدم إلى حين البت في الالتماس.
لكن الدولة الإسرائيلية قدمت رداً لاحقاً للمحكمة، أكدت فيه إصرارها على ترحيل السكان فوراً إلى الموقع الأصلي المحاذي لمزبلة أبو ديس. وأضافت في الرد أنها مستعدة للسعي في وقت ما مستقبلاً لإنشاء بلدة جديدة لسكان التجمع في موقع صحراوي، يقع جنوب غربي أريحا، لكنها اشترطت لأجل ذلك أمرين:
1 - أن ينتقل إلى البلدة الجديدة (إضافة لسكان تجمع خان الأحمر) سكان ثلاثة تجمعات مجاورة له. وبموجب هذا الشرط، سيرتفع عدد السكان الذين يقتضي ترحيلهم إلى الضعف، وربما أكثر، ليربو على 400 شخص.
2 - أن يُخلي جميع السكان منازلهم دون اعتراض، وأن يوقعوا على تصاريح يشهدون فيها بأنهم يغادرون منازلهم بالتراضي.
وقد رفض السكان ذلك، وردوا في الشهر التالي رسمياً بأنهم متمسكون بمنازلهم وحقوقهم، ومصرون على رفض هدم تجمعهم وترحيلهم عنه. وفي تعقيبهم على خطة الإسكان البديل التي قدمتها الدولة للمحكمة، كشف السكان إلى أي حد تفتقر الخطة إلى حُسن النية، وكونها غير لائقة ولا قابلة للتّطبيق، لأن الموقع المقترح لا تفصله عن منشأة لتطهير مياه المجاري سوى بضع مئات من الأمتار. ومن أجل شق الشوارع التي يفترض أن تصل إليه، ينبغي مصادرة أراض فلسطينية.
ثم إن الدولة تضع الإجراء القضائي الحالي موضع السخرية، حين تربط ترحيل تجمع خان الأحمر إلى بلدة جديدة مع ترحيل تجمعات فلسطينية أخرى، فتكشف بذلك عن غايتها الحقيقية، ألا وهي القضاء على وجود كل التجمعات الفلسطينية الواقعة في الأراضي الممتدة شرق مدينة القدس، وصولاً إلى منتصف الطريق للأردن. وبذا، تدقّ الإسفين الاستيطاني الذي سيشق الضفة، ويقسمها نصفين، تبعاً لمسار «جدار الفصل» الذي تخطط لإنشائه في المنطقة.
وعملياً: كان يجب أن يرحل السكان، بحسب قرار المحكمة الإسرائيلية، بداية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهو الموعد الأخير الذي منحته المحكمة للسكان، قبل أن يطلب الجيش منهم هدم منازلهم بأياديهم حتى لا يضطر للتدخل، لكن لا يبدو أن ذلك سيحصل في أي لحظة. ووفق عيد أبو داهوك، وهو أحد أهم نشطاء التجمع ورئيس المجلس القروي (السلطة أعلنت المنطقة قرية جديد في إطار مواجهة إسرائيل): «لن نرحل... سنبقى هنا». وأمام كل جماعة متضامنة تصل إلى المنطقة، يقول عيد المعروف بـ«أبو خميس» معلقاً: «نحن بوابة القدس الشرقية... إذا سقطت الخان الأحمر، سيسقط الأقصى أيضاً، وكذلك العملية السلمية كلها».
ولا ينوي «أبو خميس» الامتثال لقرارات الهدم الإسرائيلية، مهما كلف الثمن، مبرراً: «لم يجرِ التشاور معنا، ويريدون إرسالنا إلى مكان يقع قرب مكب النفايات، وهو لا يتناسب مع أسلوب حياتنا هنا. أيضاً سكان أبو ديس حذرونا من المجيء». ويحمل حديث «أبو خميس» رسائل يحاول من خلالها أيضاً مخاطبة الرأي العام، بعيداً عن تسييس القضية. ولم يشأ السكان الدخول في تفاصيل حول الخطة الإسرائيلية المرعبة المعروفة، بـ«إي 1» (E1).

الأسباب المعلنة والمخفية
تدعي إسرائيل أن أبنية الخان الأحمر، وهي بمعظمها منازل من الصفيح والخيام، بنيت من دون تصاريح، وتشكل تهديداً على السكان بسبب قربها من «الطريق السريع»... وبهذه الحجة، تريد هدمها. لكن في حقيقة الأمر ثمة مخططاً كبيراً وراء ذلك، يدركه الفلسطينيون أكثر من غيرهم، هو مخطط «إي 1»، إذ يقول رئيس الوزراء الفلسطيني، الدكتور رامي الحمد الله، إن المخطط الإسرائيلي للمنطقة خطير للغاية، مضيفاً: «إنهم يهدفون إلى تنفيذ مشروع (إي 1)، في انتهاك واضح وصارخ للقانون الدولي، ولكل المواثيق والصكوك الدولية».
ويشرح: «هذا العدوان المنظم على التجمعات البدوية تغيير للوقائع على الأرض، وتقويض لحل الدولتين، ولإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ومتواصلة جغرافياً، من الخان الأحمر وجبل البابا وسوسيا إلى أم الجبال وأم الخير (مناطق بدوية مهددة)... هناك، تتجذر معركة حماية الأرض والوجود الفلسطيني. هذه الأراضي امتداد طبيعي لأرضنا المحتلة، وجزء لا يتجزأ من دولة فلسطين التي لن تقوم إلا والخان الأحمر وكل التجمعات البدوية في قلبها».
لكن ما هو مخطط «إي 1» الذي استنفر الفلسطينيين؟ يقول الفلسطينيون إنه مخطط استيطاني ضخم، هدفه «تشبيك» المستوطنات الإسرائيلية في قلب الضفة الغربية، وهو يقوم على 13 ألف دونم مربع. ونُشر أول مرة عن المخطط عام 2012، عندما أمرت الحكومة الإسرائيلية بدفع الإجراءات التخطيطية الخاصة بآلاف الشقق السكنية التي ستكون توسيعاً لمستوطنة معاليه أدوميم، في إطار الخطة «إي 1»، وتحديداً في المنطقة التي تربط معاليه أدوميم بالقدس. وكان لافتاً أن هذا القرار صدر بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية مراقبة في الأمم المتحدة.
ووفق تقرير لمنظمة «بتسليم» الإسرائيلية، فإن تنفيذ مخططات البناء في منطقة «إي 1» سيؤدي «إلى خلق تواصل عمراني بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس، وسيزيد من حدة عزل القدس الشرقية عن سائر أجزاء الضفة الغربية، وسيمس بالتواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها».

الموقف والرد الفلسطينيان
يتنوع الرد الفلسطيني بين قانوني ودعم مباشر للمنطقة، إضافة إلى تحركات دولية، إذ يقول المكتب الوطني التنسيقي للمناطق المسماة «ج»، التابع لرئاسة الحكومة الفلسطينية، إن قضية الخان الأحمر هي الأولى من هذا النوع، ذلك أنه استنفِذَت جميع الخيارات القانونية أمام المحاكم الإسرائيلية، مما سيساهم في خلق سابقة قانونية للسلطات الإسرائيلية للتعجيل بهدم تجمعات بأكملها في الضفة الغربية، بهدف مواصلة المخطط الاستيطاني «إي 1»، أو ما يعرف أيضاً بـ«مخطط القدس الكبرى».
ومقابل ذلك، أقرت الحكومة الفلسطينية إحداث هيئة محلية باسم قرية الخان الأحمر في محافظة القدس، كما افتتحت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية العام الدراسي في ما يعرف بـ«مدرسة الإطارات» في تجمع الخان الأحمر، التي تخدم 174 طالباً وطالبة من أبناء تجمع الخان الأحمر، والتجمعات البدوية القريبة والأغوار. ولقد عملت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» على إطلاق حملة «أنقذوا الخان الأحمر»، ووفرت الهيئة كل الاحتياجات اللوجيستية والغذائية لأبناء التجمع والمعتصمين، وقدمت خدمة توفير سندات ملكية ووثائق قانونية داعمة للمرافعات القضائية عن قرية الخان الأحمر، بما فيها سندات الملكية للأرض، وسند تأجير من قبل أصحاب الأراضي من قرية عناتا للمواطنين المقيمين على أراضي القرية، وتأمين طاقم محامين للدفاع عن قضية الخان الأحمر أمام المحاكم الإسرائيلية.
وفوق كل ذلك، فتحت وزارة الصحة عيادة صحية تعمل على مدار 24 ساعة في التجمع، بالإضافة إلى عيادة متنقلة تقوم بتقديم الخدمات الصحية لأهالي التجمع يومين في الأسبوع. أما وزارة الزراعة والبيطرة فزودت الخان الأحمر بالاحتياجات الأساسية، من علف وأدوية للمواشي، وأقرت سلطة المياه إجراءات احترازية، بالتعاون مع المؤسسات العاملة في المجال الإنساني.
ليس هذا فحسب، بل قدمت السلطة الفلسطينية، بتاريخ 12 سبتمبر (أيلول) 2018، بلاغاً جديداً للمدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، بشأن جرائم الاحتلال في ما يتعلق بالتهجير القسري، وهدم قرية الخان الأحمر. وقال الدكتور صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن الشكوى تضمن بناء على طلب من الضحايا إتاحة الفرصة للقاء يجمع المدعية العامة للجنائية معهم لشرح تفاصيل ما يحدث في الخان الأحمر، وتحديداً المجلس المحلي للخان. وأشار عريقات إلى أن البلاغ الذي قُدم أكد على أهمية قيام المدعية بإصدار تحذير إلى إسرائيل لمنع هدم وتهجير سكان الخان الأحمر قسرياً.

احتجاج دولي أيضاً
لم يقف الأمر عند الاحتجاج الفلسطيني، بل احتج الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، ودول مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، على خطة هدم الخان، وطالبوا إسرائيل بالعدول عن خطة الهدم التي تعتبر تهجيراً غير مبرر، ولها تداعيات على حل الدولتين، كما وصفت منظمات حقوقية الخطة الإسرائيلية بأنها «جريمة حرب».
وفي المقابل، أرسل وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان رسالة إلى سفراء 8 دول أوروبية لدى إسرائيل، متهماً حكومات هذه الدول بـ«التحيز المتعمد» في ملف هدم وإخلاء الخان الأحمر. وقال ليبرمان في رسالته إن «موقف هذه الدول من قضية الخان الأحمر بمثابة تدخل صارخ بالشؤون السيادية لإسرائيل». وكان ليبرمان يشير إلى الإعلان الذي صدر في نهاية الشهر الماضي عن فرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا والسويد وبولندا وبريطانيا، الذي حذرت فيه حكوماتها إسرائيل من «عواقب وخيمة» لهدم الخان الأحمر.
اليوم، يحاول الفلسطينيون بكل قوة ممكنة التصدي لخطة هدم التجمع البدوي، ويعتصم هناك مئات من الناشطين الذي حولوا المكان إلى قبلة لكل متضامن مع سكان المنطقة. وقد تعهد الحمد الله بأن يظل الخان الأحمر «على الخريطة في قلب الدولة الفلسطينية»، لكن الفلسطينيين يدركون أنهم في النهاية قد يخسرون هذه المعركة أمام الجرافات الإسرائيلية المتأهبة، ويقولون إنهم سيحاولون بناء المكان مرة أخرى.

موقف القانون الدولي واضح

> موقف القانون الدولي واضح تجاه موضوع الخان الأحمر، فهو يقول بلا مشروعية هدم الممتلكات العامة والخاصة (المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة)، وتعتبره جريمة حرب (المادة 8 «2» «أ» «4» من نظام روما الأساسي). بالإضافة إلى ذلك، يشكل التهجير القسري انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة (المادة 49 (1) و147)، فضلاً عن كونه جريمة ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي (المادة 7 «1» «د» و7 «2» «د»).


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.