الطباعة الثلاثية الأبعاد... 5 مفاهيم خاطئة

تنشئ هياكل داخلية معقدة وهندسات دقيقة لا يمكن بناؤها بالصناعات التقليدية

الطباعة الثلاثية الأبعاد... 5 مفاهيم خاطئة
TT

الطباعة الثلاثية الأبعاد... 5 مفاهيم خاطئة

الطباعة الثلاثية الأبعاد... 5 مفاهيم خاطئة

كأي تقنية أخرى سريعة التطور، يحيط بالطباعة الثلاثية الأبعاد، التي تعرف تقنياً بـ«التصنيع بالمواد المضافة»، عدد من المفاهيم الخاطئة. ففي الوقت الذي تتمحور فيه آخر النقاشات حول الأسلحة النارية المطبوعة بالأبعاد الثلاثية، تعود غالبية القضايا العملية في هذا المجال إلى نشوء تقنيات صناعية جديدة. فقد أدّت الثقافة الناتجة عن الابتكار إلى نشوء بعض المفاهيم المغلوطة التي تلازم هذه الصناعات. وفي ما يلي، ستتعرفون إلى أكثر هذه المفاهيم شيوعاً:
- طباعة تجسيمية
1. الطباعة الثلاثية الأبعاد بطيئة مكلفة. ففي بداياتها، كانت الطباعة الثلاثية الأبعاد بالفعل بطيئة بشكل سيء، وتتطلب معدات باهظة الثمن، ومواد مختارة، إلى جانب كثير من التجارب والأخطاء المضجرة غير اللازمة، الهادفة لتحقيق التحسينات. وفي عام 2015، أوردت مجلة «كوارتز» أن الطابعات الثلاثية الأبعاد «لا تزال بطيئة، غير دقيقة، تطبع منتجاً واحداً في كل مرة، وأن هذا الأمر لن يتغير في وقت قريب».
ولكن مجموعة متنوعة من التقنيات الجديدة المستخدمة في التصنيع بالمواد المضافة أثبتت أنّ هذه الافتراضات خاطئة، إذ تستطيع طابعات «سينغل باس جيتينغ» Single Pass Jetting من «ديسكتوب ميتال»، و«مالتي جيت فيوجن» Multi Jet Fusion من «إتش بي»، و«ديجيتال لايت سينتيزيس» Digital Light Synthesis من «كاربون»، صناعة المنتجات في غضون دقائق، وليس ساعات. وقد أظهرت التجارب المخبرية أنّ كلفة هذه الطابعات تنافسية، مقارنة بالصناعات التقليدية لعشرات أو مئات آلاف الوحدات، فضلاً عن أنّ كثيراً من الطابعات الحديثة تستخدم مواد زهيدة، بدل الاعتماد على المواد الأولية المسجلة الملكية، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الكلفة بشكل سريع ملحوظ.
2. عمل الطابعات الثلاثية الأبعاد محصور بالمنتجات الصغيرة. تأتي الطابعات الثلاثية الأبعاد بمقاسات صغيرة، حيث إنها تحتاج إلى علب محكمة الإغلاق لتعمل كما يجب، مما يجعل غالبيتها مجرد آلات للطبع. وقد اعتبر نيك آلن، أحد أول الداعمين لتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، في إحدى المرات، أن إنتاج أي شيء يفوق قبضة اليد حجماً بكميات كبيرة هو مضيعة للوقت.
إلا أن بعض التقنيات، كـ«بيغ إيريا أديتيف مانوفاكتورينج» (Big Area Additive Manufacturing)، تعمل في الهواء الطلق، وتنتج قطعاً عالية المرونة، وتستخدم لبناء منتجات كبيرة، من السيارة إلى الطائرات المقاتلة. ومن ناحية أخرى، يعتمد أسلوب جديد في البناء على «روبوت طباعة» متنقل، يعمل تدريجياً على إضافة مواد سريعة التصلب لإتمام مهمته. وتجدر الإشارة إلى أن شركة «سبرينغ» الألمانية استخدمت وسائل الطباعة الثلاثية الأبعاد لبناء جسر كامل للمشاة.
- منتجات متنوعة
3. منتجات الطابعات الثلاثية الأبعاد سيئة النوعية. يدرك أي شخص يحمل سلسلة مفاتيح مصنوعة بالطباعة الثلاثية الأبعاد أن أصعب جزء في هذه التقنية هو ضمان خروج المنتج بشكل جيد. فعندما يصار إلى طباعة طبقة فوق طبقة أخرى، لا يحصل المرء على النتيجة المرضية التي يحصل عليها عبر الصناعة التقليدية. وكان ليام كيسي، الرئيس التنفيذي لشركة «بي سي إتش إنترناشيونال» (PCH)، قد صرّح عام 2015 بأن أي جهاز يستخدمه الناس اليوم لن ينال رضا المستهلكين إذا ما تمّت صناعته بواسطة الطباعة الثلاثية الأبعاد.
إلا أن بعض التقنيات، كـ«ديجيتال لايت سينتيزيس»، تقدم تصميمات عالية الجودة منذ بداية عملية الصنع، لأنها لا تعتمد مبدأ الطبقات، بل تقدّم منتجات تتألف من وحدة متراصّة، تنشأ بسلاسة من المادة السائلة، تماماً كما يفعل الروبوت المعاد تجميعه في أفلام «ترمينيتور». كما تعمل طابعات صناعية أخرى على بناء أنظمة آلية هجينة تدمج بين المنتجات المطبوعة بالأبعاد الثلاثية مع لمسات نهائية تقليدية.
عندما ننظر إلى موضوع النوعية من زاوية أوسع، نرى أن الصناعة بالإضافة قد تساهم في تحسين المنتجات التقليدية، لأن الطباعة الثلاثية الأبعاد تستطيع إتمام بناء هياكل داخلية معقدة، وهندسات دقيقة لا يمكن بناؤها عبر الصناعات التقليدية؛ تعمل شركة «بوينغ» اليوم مثلاً على تثبيت دعامات مصنوعة بالإضافة في طائراتها. وتأتي هذه الدعامات بوزن أقل بكثير من نظيراتها التقليدية، ولكنها أكثر قوة منها، لأنها تتميز بتصميم يشبه خلية النحل لم يكن صنعه ممكناً من قبل. كما تعمل شركة «أديداس» حالياً على صناعة حذاء جري بمشابك مركبة أقوى وأفضل لامتصاص الصدمات من الأحذية التقليدية.
- أعضاء صناعية
4. الطباعة الثلاثية الأبعاد تنتج أعضاء صناعية. تعتبر الطباعة البيولوجية واحدة من أهم مجالات الصناعة بالإضافة. يموت آلاف الناس سنوياً وهم ينتظرون العثور على قلوب وكلى وغيرها من الأعضاء لزراعتها مكان أعضائهم التالفة. ومن هنا، فإن تعميم فكرة الأعضاء الصناعية سيساهم في القضاء على واحد من أسباب الوفاة الرئيسية في الولايات المتحدة.
حتى اليوم، تم إحراز تطور ملحوظ في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد المتخصصة في الأطراف الصناعية وتقويم الأسنان، حتى أنّ معظم التقنيات السمعية المساعدة تنتجها اليوم الصناعة بالإضافة. ولكن لماذا لم تشمل هذه التطورات صناعة الأعضاء؟ توقع مقال نشرته شبكة «سي إن إن» عام 2014 أن تصبح الأعضاء المطبوعة حقيقة في وقت قريب، على اعتبار أن التشغيل الدقيق لهذه الآلات يستطيع إنتاج أنظمة الأوعية الدموية المطلوبة لإحياء الأعضاء. كما كانت مجلة «سميثسونيان» بدورها قد أعلنت عام 2015 أن «الأطباء سيصبحون قريباً قادرين على طباعة عضو بشري عند الطلب».
ولكن لا يزال على العلماء أن يتجاوزوا المشكلة الأساسية في مسألة الإحياء. فصحيح أنه يمكننا أن نطور نسيجاً لدعم الأنسجة الحية، وأن نضيف نوعاً من «حبر الخلية» مستمد من خلايا المتلقي الجذعية لصناعة النسيج، ولكننا لم ننجح بعد في إنتاج شبكة مجهرية من الأوعية الشعرية لتغذية هذا النسيج بالأكسيجين.
ويركّز أكثر الأعمال الواعدة في هذا المجال حالياً على إنتاج الجلد الصناعي، الذي يعتبر مصدر اهتمام كبير لشركات التجميل التي تبحث عن مخزون غير محدود من الجلد لاختبار منتجاتها الجديدة. ويعتبر الجلد العضو الأسهل للصناعة لأنه ثابت نسبياً، ولكن النجاح المطلق في هذا المجال لا يزال يحتاج إلى سنوات. أما الأعضاء الأخرى، فلا تزال على بعد عقود من التنفيذ الحقيقي، فحتى لو تمكنا من حل مشكلة الأوعية الشعرية، فقد تصل تكلفة طباعة كل عضو إلى مستويات قياسية.
5. المستخدمون الأفراد سيسيطرون على الطباعة الثلاثية الأبعاد. في كتابه «ميكرز: ذا نيو انداستريال رفولوشن» (الصنّاع: الثورة الصناعية الجديدة)، الصادر عام 2012، الذي حقق مبيعات عالية، حاجج كريس أندرسون بأن الطباعة الثلاثية الأبعاد ستكون مركز القيادة في اقتصاد غير مركزي ينتج فيه الأشخاص كميات صغيرة من الأشياء للاستخدام المحلي، من الطابعات المنزلية أو في الورش الجماعية. وفي كتابه الصادر عام 2017 «ديزاينينغ رياليتي: هاو تو سورفايف أند ثريف إن ثيرد ديجيتال رفولوشن» (حقيقة التصميم: كيف نستمرّ وننمو في الثورة الرقمية الثالثة»، صور أندرسون المستقبل بشكل مشابه لما تحدث عنه في كتابه الأول، على أنه عبارة عن مدن مكتفية ذاتياً، يغذيها مجتمع «المختبرات المذهلة».
إلا أن الواقع جاء مغايراً، لأن قلة هم الأفراد الذين اشتروا طابعات ثلاثية الأبعاد، حتى أن معظمها اشترته الشركات والمؤسسات التعليمية، ومن غير المتوقع أن يشهد هذا الاتجاه أي تغيير. ومع الوقت، قد تصل الطباعة الثلاثية الأبعاد إلى مستوى مناقض للذي تحدث عنه أندرسون في رؤيته: عالم تتعزز فيه قوة الشركات الصناعية، وليس الناس العاديين، بواسطة هذه التقنية. فبواسطة الطباعة الثلاثية الأبعاد، يمكن للشركات أن تصنع منتجاً محدداً في أحد الأشهر، ومن ثم أن تغير صناعتها إلى نوع آخر من المنتجات في الشهر التالي، في حال تراجع الطلب على الأول، إذ يستطيع مصنع «جنرال إلكتريك»، في الهند مثلاً، أن يعدل مخرجاته من قطع المعدات الطبية أو التوربينات، بحسب الطلب.

- أستاذ الاستراتيجية في كلية «تاك» للأعمال بجامعة «دارتموث» (خدمة واشنطن بوست)


مقالات ذات صلة

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

الخليج «منتدى حوكمة الإنترنت» التابع للأمم المتحدة تستضيفه السعودية بدءاً من اليوم الأحد وحتى 19 من الشهر الجاري (الشرق الأوسط)

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

صادقت 15 دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الرقمي، على إطلاق مبادرة استراتيجية متعددة الأطراف لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت».

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.