لم يكن وصول رجل الأعمال دونالد ترمب إلى البيت الأبيض عادياً ولا تقليدياً بكل المقاييس، فالرجل الذي كان ديمقراطياً ثم صار جمهورياً لم يكفّ يوماً عن إثارة الجدل، سواء في أعماله أو زيجاته أو اشتغاله بالسياسة... حتى انتخابه لا يزال موضع تحقيق في تدخّل روسي محتمل لمصلحته فيه.
ترقّب العالم هذه الرئاسة التي توقّع لها كثيرون الفشل، مبررين ذلك بأن ترمب لا يملك خبرة في السياسة، وبأنه انفعالي يتّخذ قراراته من دون درس وافٍ. وعلى الرغم من مشكلات متوقعة وأخرى طارئة، لا يمكن الحكم على الرئيس الأميركي بأنه فشل، بل على العكس يجدر القول إنه نجح في مجالات عدة، خصوصاً منها الاقتصادية التي تشكل في نهاية المطاف الجزء الحاسم من عملية الاختيار والحكم السياسيين لدى المواطن الأميركي.
في أي حال، تشكّل انتخابات منتصف الولاية التي تُجرى في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل امتحاناً كبيراً لترمب ومقياساً لمدى رضى الأميركيين عنه، خصوصاً انها تشمل كل المقاعد البالغ عددها 435 في مجلس النواب، و35 مقعدا من أصل 100 في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى حاكمية 39 ولاية وإقليماً وعدد آخر من المناصب.
بنظرة استعادية، نرى أن ترمب ورث اقتصاداً واعداً من باراك أوباما الذي نجحت إدارته في استيعاب آثار أزمة 2008 – 2009 وإرساء الأسس للخروج منها. ثم جاء الرئيس الجديد واتخذ قرارات جريئة لم ينبرِ لها سلفه الديمقراطي، فخفض الضرائب المفروضة على الشركات من 35 إلى 21 في المائة وتمسك بسياسة الفوائد المنخفضة تشجيعا للاستثمار وأنفق الكثير على البنى التحتية، فكانت النتيجة تحقيق أرقام قياسية على أكثر من صعيد: التضخم 2.2 في المائة، النمو الاقتصادي في الفصل الثاني من السنة 4.2 في المائة بأعلى وتيرة منذ أربع سنوات، معدل البطالة 3.7 في المائة، وهو الأدنى منذ ديسمبر (كانون الأول) 1969. وعلاوة على ذلك، قفزت البورصة بنسبة 27 في المائة وسط طفرة في أرباح الشركات. واكتملت صورة التعافي الاقتصادي بارتفاع الأجور بمتوسّط 2.9 في المائة على أساس سنوي إلى أعلى مستوى منذ أبريل (نيسان) 2009.
يقول لاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني وكبير مستشاري ترمب: "أعتقد أن التطور المهم هذه السنة هو تحقيق قفزة اقتصادية اعتقد معظم الناس أنها مستحيلة... في أقل من سنتين تحققت هذه الأرقام، وهذا أمر لا يمكن محوه". ويضيف: "عندما ننظر إلى مؤشرات الثقة نستنتج شيئاً ما. مقاربتنا هي أننا لا نعاقب الأعمال والشركات، لا نعاقب النجاح، بل نريد أن نجعل ممارسة الأعمال التجارية وإقامة المشاريع وتوظيف الناس أسهل. وأعتقد أن هذه المقاربة كان لها تأثير إيجابي وملموس للغاية".
في موازاة ذلك، يواصل ترمب خوض حروب تجارية على نطاق واسع. وهنا لا يمكن الحسم والجزم بما إذا كان سيحقق انتصارات فيها كلها. غير أنه حقق فوزاً لا لبس فيه عندما ألغى اتفاقية "نافتا" التي كانت قائمة منذ ربع قرن، وفرض على شريكي بلاده فيها المكسيك وكندا التفاوض على اتفاق ثلاثي جديد وإقراره بشروط وبنود اعتبرها أكثر إنصافاً للولايات المتحدة.
أما الحروب التجارية على جبهات أخرى، فلم تتضح نتائجها بعد، وخصوصاً مع الصين. لكن يسجّل البعض لترمب أنه قرر خوضها بلا تردد، فيما يعتبر بعض آخر أنها حروب لا طائل منها وستؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي. ولربما كان الهدف من هذه المواجهات عقد اتفاقات جديدة، ثنائية أو سوى ذلك، تكون كفة الميزان فيها مائلة لمصلحة الولايات المتحدة. وهنا لا يتوانى ترمب عن الذهاب في المواجهة حتى النهاية، ممارساً سياسة حافة الهاوية، ومراهناً على أن الخصم سيتراجع في النهاية ويرضخ.
نبقى في الداخل الأميركي، حيث قد يقول البعض إن كثرة الاستقالات من فريق ترمب السياسي تثبت ضعفه وتخبطه، فيرد آخرون أن هذه الاستقالات أتاحت له تطوير فريقه وتحصينه بجعل أفراده أكثر انسجاماً معه وبعضهم مع بعض. ومن أنصار الرأي الثاني الكاتب ديفيد غراهام من مجلة "ذي أتلانتيك" الذي يلفت إلى نجاح الرئيس في تثبيت نيل غورساتش وأخيراً بريت كافانو في المحكمة العليا، ضامناً بقاء الأعضاء المحافظين خمسة مقابل أربعة ليبراليين. يضاف إلى ذلك أن ترمب عيّن في 2017 و2018 عدداً كبيراً من القضاة الفدراليين في محاكم عدة على امتداد البلاد، ملتزمين سياسته أو قريبين منها.
وكذلك، تصدى ترمب لمسألة الهجرة كما لم يفعل رئيس من قبله. ولئن لم ينجح في بناء سور على حدود بلاده مع المكسيك، فإنه نجح في تشديد القيود على الهجرة والحد من الهجرة غير الشرعية. ويكفي هنا أن نذكّر بأن الرئيس وقّع في غضون أسبوع من توليه منصبه أمرا تنفيذيا يلغي أولويات الاحتجاز التي حددتها إدارة أوباما المنتهية ولايتها. باختصار، سمح البيت الأبيض للأجهزة المعنية بالقبض على أي مهاجر غير قانوني، علماّ أن هدفه المعلن هو ترحيل 3 ملايين شخص من المقيمين بصورة غير مشروعة فيما العدد الإجمالي لهؤلاء يقارب 11 مليوناً.
*امتحان الانتخابات
بعد كل التغييرات الداخلية التي أجراها دونالد ترمب، ها هو يقف الآن على أعتاب الانتخابات النصفية البالغة الأهمية لكي يستطيع مواصلة ولايته بفاعلية، وبالتالي الاستعداد للانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020.
هنا يجدر السؤال: هل سيترجم ترمب "انتصاراته" الداخلية والخارجية – الأخيرة لم نتطرق إليها لقة تاثيرها في الواقع على قرار الناخب الأميركي - فوزاً للحزب الجمهوري في الانتخابات؟ وهل سينال أسلوبه الجذري في مقاربة المسائل السياسية والاقتصادية موافقة الناس أم رفضهم؟
الصورة راهناً غير واضحة، فنسبة تأييد الناخبين للرئيس لا تتعدى 42.5 في المائة، والهوامش بين الجمهوريين والديمقراطيين صغيرة في عدد من الولايات. لذلك سيكون على الجمهوريين إظهار وحدتهم في الأسابيع الفاصلة عن الانتخابات والاستفادة خصوصاً من تثبيت بريت كافانو قاضياً في المحكمة العليا رغم مزاعم الاعتداء الجنسي، فيما سيعمد ترمب إلى دعمهم في لقاءات عدة سيشدد فيها على المنجزات الاقتصادية التي تحققت، داعياً الأميركيين إلى مواصلة المسيرة معه، ومدركاً أن الناخب إنما يقترع بناءً على محتويات جيبه...