مقتنيات السادات التاريخية تجتذب زوار الإسكندرية

البدلة العسكرية المخضبة بدمائه الأبرز

مقتنيات السادات التاريخية تجتذب زوار الإسكندرية
TT

مقتنيات السادات التاريخية تجتذب زوار الإسكندرية

مقتنيات السادات التاريخية تجتذب زوار الإسكندرية

«عاش من أجل السلام ومات من أجل المبادئ»... هذه هي العبارة التي تمنى الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات أن تُكتب على قبره عند وفاته، لكن تم تدوينها على صدر المتحف الخاص به في مكتبة الإسكندرية. محمد أنور السادات، الذي تحل ذكرى مئوية ميلاده هذا العام، رئيس أثار الجدل كثيراً خلال فترة حكمه، ولُقب بـ«رجل الحرب والسلام». «الشرق الأوسط» زارت متحفه خلال احتفالات مصر بذكرى انتصار حرب «أكتوبر»، لتلقي الضوء على أهم محتوياته ووثائقه النادرة.
أنشئ «متحف السادات»، الذي يعد الوحيد من نوعه في مصر، عام 2008 على مساحة 260 متراً، وجذب نحو مليون زائر منذ افتتاحه وحتى الآن، بحسب ما قاله عمرو مصطفى شلبي، مدير «متحف السادات».
بمجرد الولوج إلى المتحف يدهشك تنوع مقتنياته وبساطتها في الوقت ذاته؛ ففي الواجهة يوجد تمثال نصفي للرئيس الراحل، صممه الدكتور جابر حجازي خصيصاً لمكتبة الإسكندرية. ودوّنت في جانب التمثال عبارة قالها السادات في خطاب النصر بالبرلمان المصري إبان حرب أكتوبر: «ربما جاء يوم نجلس فيه معاً؛ لا لنتفاخر ونتباهى، ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل آلام الهزيمة وحلاوة النصر».
بجوار التمثال، يوجد قسم خاص بالأوسمة والنياشين التي تقلدها الرئيس الراحل؛ أبرزها «قلادة الجمهورية» وهي قلادة من الذهب الخالص منحها إياه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هو ومعظم قيادات ثورة 1952، فضلاً عن مجموعة من السيوف التذكارية؛ منها سيف من الشيخ زايد آل نهيان رئيس الإمارات، بالإضافة إلى سيف من بدو العريش أهداه الأهالي له بعد انتهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ولا يخلو «متحف السادات» من وثائق تتعلق باتهامه باغتيال أمين عثمان، بالإضافة إلى أوراق بخط يده عبارة عن خواطر دونها خلال فترة سجنه.
وبعيداً عن النهاية القاسية للسادات والجانب العسكري الصارم الذي اشتهر به، يبرز القسم الأوسط في المتحف؛ الجانب العائلي والشخصي البسيط للسادات الإنسان. وتكشف خطاباته الشخصية بخط يده عن جانب إنساني رقيق ومرح خفي، فهو يداعب بناته من زوجته الأولى في ثلاثة خطابات تثير ضحكات الزائرين، ويتساءل عن غاية الحياة، ويسجل إيمانه العميق بالله، وهو ما يكشفه أيضاً تسجيله للقرآن الكريم الذي يعرض المتحف مقتطفات قصيرة منه.
يشير مدير «متحف السادات» إلى أن ملابس السادات المعروضة، خصوصاً المنزلية والجلباب، تكشف بساطته، فكانت محلية الصنع موقعة باسم «سويلم»؛ الترزي الذي كان يقوم بتفصيل ملابس للرئيس.
وفي الركن المجاور للمجموعة العائلية تظهر فترة ما بعد ثورة يوليو (تموز) 1952، مروراً بتوليه رئاسة البرلمان المصري، وأمانة المؤتمر الإسلامي، وكذلك صور تتعلق بحرب اليمن، وزيارته الأولى للقدس عام 1955.
في السياق نفسه، يبرز المتحف محطات أخرى مهمة من حياة الرئيس الراحل، وهي انتصارات «أكتوبر»، من خلال صور عبور خط بارليف، واجتماعات غرفة عمليات القوات المسلحة، وأوراق خاصة بتحركات القوات المسلحة لاستعادة سيناء، بجانب مجموعة من البدلات العسكرية المتنوعة للرئيس الراحل.
وتعد فترة مفاوضات معاهدة السلام مع إسرائيل المحطة ما قبل الأخيرة داخل المتحف، وتتمثل في وثائق وصور لزيارته للقدس عام 1977، بالإضافة إلى 3 مسارج (إسلامي ومسيحي ويهودي) مهداة من عمدة بلدية القدس؛ في إشارة للتعايش بين الأديان، بجانب صور ووثائق لمفاوضات كامب ديفيد، بالإضافة إلى جائزة نوبل للسلام.
وفي نهاية الجولة، يتوقف الزمن بالزائر أمام أهم مقتنيات المتحف على الإطلاق، وهي البدلة العسكرية التي اغتيل وهو يرتديها خلال العرض العسكري أثناء وجوده في المقصورة الأمامية يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981، وهي معروضة داخل صندوق زجاجي، وتظهر عليها بوضوح الثقوب جراء الطلقات النارية، خصوصاً أعلى الكتف، بينما صبغت الدماء الوشاح الأخضر، كما تسجل الساعة المحفورة على ظهرها «آية الكرسي» لحظات الغدر، بينما تكشف صورة ضوئية لإحدى الصحف أحكام الإعدام للقتلة.
ويوضح مدير «متحف السادات» بمكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط» كواليس تسلمه البدلة الشهيرة أثناء تجهيز المتحف، قائلاً: «عندما وصلت إلى منزله، استقبلتني زوجته جيهان السادات وأخبرتني بأنها ستفاجئني بشيء لن أتوقعه، وبالفعل كانت مفاجأة لم تخطر على بالنا، وهي احتفاظها بالبدلة العسكرية التي كان يرتديها الزعيم الراحل لحظة اغتياله، وكانت على حالتها، وقررت أن تهديها لمكتبة الإسكندرية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».