تسعى المصارف اللبنانية إلى فتح كوة في جدار الأزمة العقارية المتفاقمة، بهدف حماية محفظتها الائتمانية لأصحاب المشروعات والمطورين، البالغة نحو 10 مليارات دولار. وأيضا التعويض جزئيا عن أرباح التمويل للمستهلكين، بعد الانكماش الحاد في حركة القروض ذات الوجهة العقارية، بسبب وقف برامج التمويل المدعومة والارتفاعات المطردة التي تطرأ على معدلات الفوائد. بينما يترقب أهل القطاع كوة ثانية تمر عبرها استثمارات وافدة.
وتستفيد المصارف من مضمون تسهيلات جديدة منحها لها البنك المركزي، وتقضي بتمديد مهلة تصفية العقارات المستملكة، استيفاء لديون مصرفية قائمة من 5 سنوات إلى 20 سنة. وهذا ما يمنح المصرف الممول هامشا مرنا لمعالجة التسليفات الممنوحة لمطورين عقاريين، وتحولت بفعل الأزمة العقارية المستجدة إلى ديون «موقوفة» أو «مشكوك في تحصيلها». وهذه عملية تضمن للبنك مضاهاة الديون بالعقارات وفق القيمة السوقية الأدنى، وعدم الاضطرار إلى تصريفها سريعا عبر حجز مخصصات توازي 5 في المائة سنويا.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن عددا من البنوك انخرط فعلا في هذا الخيار الذي يعيد الاعتبار إلى المحفظة الائتمانية العقارية. وقد تلقت هيئة أسواق المال طلبات لإنشاء صناديق استثمارية عقارية، ينتظر الإعلان عن بواكيرها المرخصة خلال أسابيع قليلة. ومن المرجح أن تشهد بعض الصناديق مساهمات من أكثر من بنك، بينما تفضل البنوك الكبرى إدارة صندوقها الخاص.
وشهدت محفظة الديون المصرفية المخصصة للمطورين العقاريين تحولا متسارعا من تصنيف الدين المنتج، إلى خانة الصعوبات. ثم تطورت بعض الحالات إلى التعثر، وبلوغا إلى إفلاس واقعي أو احتيالي لمستثمرين كبار ومؤسسات كانت تشكل علامة فارقة في القطاع. وبدا المشهد التمويلي العقاري مقلقا للغاية في الآونة الأخيرة، إذ إنه من شأن استفحال الأزمة القائمة، وهو الاحتمال الأرجح، أن يضم شرائح ديون جيدة إلى انعدام القدرة على السداد، وبالتالي تسجيل ارتفاع خطير في مؤشر الديون المشكوك في تحصيلها لدى القطاع المصرفي.
وبحسب تحليلات مصرفية فإن: «تحرك مصرف لبنان يمكن أن يمنح فرصة قوية لاحتواء وضع عقاري صعب كان مرشحا لمزيد من التدهور، بسبب انكماش الطلب التجاري المرتبط بارتفاع فوائد التمويل، ووقف برامج الدعم للقروض السكنية، بما شمل المؤسسة العامة للإسكان التي توجه برامجها إلى ذوي المداخيل المتدنية والمتوسطة. كما يفتح المجال أمام ضخ تمويلات مصرفية إضافية لاستكمال مشروعات قائمة وملتزمة بحجوزات مسبقة، وهي ذات جدوى استثمارية فعلية، وتحوز إقبالا سابقا أو مرتقبا في الطلب».
وبموجب التسهيلات الجديدة، تعززت مرونة المصارف في إدارة محفظة تمويلاتها العقارية. ففي حال الاستملاك استيفاء للدين الموقوف أو المتعثر، يمكنها الاحتفاظ بالعقار لمدة تصل إلى 20 عاما، متحملة حصة واحدة كمؤونة من أصل 20 حصة تماثل قيمة العقار. وعند إتمام البيع في أي مرحلة فإنها تستعيد الدين كاملا، ومن حقها تحقيق الربح الذي تنتجه أسعار السوق، وأيضا تحرير كامل المؤونات المرصودة التي تتحول تلقائيا إلى أرباح صافية. أما في حال ضخ تمويل إضافي، فإن هذا الخيار يخضع لجدوى المشروع ومعاونة العميل – المطور، في التخلص من تراكم الضغوط المالية، وبالمحصلة إنقاذ المشروع والتمويل معا.
وقد شهد القطاع العقاري في لبنان مزيدا من التراجع الملحوظ خلال الشهر الثامن من العام الحالي؛ بحيث انكمش عدد معاملات المبيع العقاريّة بنسبة 14.39 في المائة خلال شهر أغسطس (آب) 2018، لتصل نسبة الانخفاض التراكمي إلى 20.16 في المائة في ثمانية أشهر، وتراجعت قيمة معاملات المبيع العقاريّة بنسبة 20.57 في المائة إلى 5.15 مليار دولار في الفترة ذاتها.
تجدر الإشارة إلى أنّ حصّة الأجانب من عمليّات المبيع العقاريّة قد زادت إلى 1.95 في المائة حتى الشهر الثامن من العام الحالي، انطلاقا من 1.85 في المائة في نهاية عام 2017، وهذا ما ينفي تأثير العامل الخارجي في الأزمة العقارية عموما.
واستناداً إلى إحصاءات نقابة المهندسين، تراجعت مساحات البناء المرخّصة بنسبة 23.67 في المائة، خلال الأشهُر الثمانية الأولى من العام الحالي.
وإذ كشفت الإحصاءات المجمعة التي أصدرتها مديرية الشؤون العقارية، أن نسبة تملك الأجانب من أفراد وشركات (أغلبهم من الأشقاء العرب) لا تتجاوز 4 في المائة في مجمل المساحات العقارية المرخصة في كل لبنان، فهي فتحت بابا جانبيا إضافيا لتنشيط القطاع العقاري وانتشاله من أزمته الثقيلة من طريق التحفيزات. وهذا ما كانت الحكومة قد سعت إليه عبر تخصيص مادة في الموازنة العامة للسنة الحالية، تمنح إقامة دائمة لكل أجنبي يشتري عقارا بنحو 500 ألف دولار، وثارت حينها موجات تشكيك وشائعات أدت إلى إثارة المخاوف من ارتفاع هذه النسبة ونفخها بشكل حاد، الأمر الذي دفع المجلس الدستوري إلى إبطال المادة. بينما يقدم كثير من الدول في الجوار، مثل اليونان وقبرص ومالطا وتركيا ومصر تحفيزات مماثلة، ويصل بعضها إلى منح جنسية فورية أو إقامة تمهد لحق قانوني بحيازة الجنسية.
وستعمل إدارات المصارف تلقائيا على تثمير هذه الإشارة، بهدف إعادة جذب جزء من الاستثمارات الخارجية وتوجيهها إلى العقارات التي شهدت انخفاضات حادة في أسعارها، تجاوزت نسبتها 35 في المائة في قطاع الشقق السكنية الفاخرة. ومن المرجح، وفقا لترقبات خبراء ووسطاء عقاريين، تسجيل موجة انخفاض جديدة خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي، وبما يصل إلى نحو 20 في المائة، وذلك بضغط من وجود آلاف الشقق الفارغة في نطاق العاصمة، والضغوط الناشئة من تراكم الفوائد وعدم استعداد البنوك لتمديد المستحقات، في ظل ارتفاع كامل منظومة الفوائد على الاستثمار والتمويل.
وتتميز أغلب المصارف اللبنانية بتفاعلها المباشر والتواصلي مع شبكة علاقات تاريخية ومتجددة مع مجتمع الأعمال الخليجي عموما، وفي السعودية والإمارات خصوصا. ولدى معظم المصرفيين صداقات وعلاقات ممتدة من جيل إلى جيل، مع مجموعة كبيرة من المستثمرين ورجال الأعمال. وكثيرون منهم خاضوا تجربة أو أكثر في مجال الاستثمار العقاري في لبنان، وبينهم من يملك قصورا وفيلات ومساكن خاصة في لبنان. لذا فإنهم يدركون جيدا الصعوبات القائمة وخلفياتها، وقد يجدون في الصناديق العقارية المستجدة فرصة مناسبة، وخصوصا إذا تمت من خلال مبادرات مصرفية ؛ حيث لهم علاقات وثيقة مع أغلبها، ويملكون مساهمات مباشرة وتوظيفات في كثير منها.
ويمثل الاستثمار العقاري وجهة تاريخية آمنة في توجهات المستثمرين الخليجيين التي كانت تتدفق إلى لبنان. وقد استمدت علامة إضافية بعد الفورة العقارية التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، والتي حققت ربحية عالية لكل مالكي العقارات. لكن لبنان فقد فعليا كثيرا من عوامل الجذب، وبالأخص ما يتعلق بالحضور السياحي والاستثماري الخليجي، الذي طالما تصدر قائمة الوافدين إلى لبنان والمستثمرين في اقتصاده وقطاعاته. و«هذه نقطة ضعف أساسية معلومة الأسباب وممكنة المعالجة»، يؤكد مسؤول مصرفي: «ينبغي على الحكومة اللبنانية العتيدة وضعها في مقدمة جدول أعمالها لتحقيق أهدافها الاقتصادية، واستعادة النمو الذي ساهم الخليجيون في بلوغه متوسط 9 في المائة سنويا بين 2007 و2010، قبل أن ينحدر إلى نحو 1.5 في المائة في السنوات الثماني الأخيرة».
المصارف اللبنانية تتجه لتملك العقارات استيفاء لديون متعثرة
بعد إجازة تصفيتها خلال 20 عاماً وترقب جذب استثمارات خارجية
المصارف اللبنانية تتجه لتملك العقارات استيفاء لديون متعثرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة