حوض اليرموك بعد «داعش»: الخدمات خارج وعود النظام... والكهرباء غائبة منذ 6 سنوات

الألغام ومخلفات المعارك تعيق استثمار السكان أراضيهم الزراعية

من آثار المعارك في حوض اليرموك («الشرق الأوسط»)
من آثار المعارك في حوض اليرموك («الشرق الأوسط»)
TT

حوض اليرموك بعد «داعش»: الخدمات خارج وعود النظام... والكهرباء غائبة منذ 6 سنوات

من آثار المعارك في حوض اليرموك («الشرق الأوسط»)
من آثار المعارك في حوض اليرموك («الشرق الأوسط»)

يخيم هدوء الأعمال العسكرية على مناطق الجنوبية في سوريا، بما فيها مناطق (حوض اليرموك بريف درعا الغربي) التي كان يسيطر عليها ذراع تنظيم داعش «جيش خالد ابن الوليد»، بعد أعمال عسكرية لقوات النظام وبدعم جوي روسي استمرت لمدة شهرين ونصف الشهر، واتفاقيات مع فصائل المعارضة جنوب سوريا، استطاع النظام السوري في نهاية يوليو (تموز) الماضي، السيطرة على كامل جنوب غربي سوريا الخاضع سابقاً لاتفاقية وقف إطلاق نار بتوافق «روسي - أردني - أميركي».
وبعد معارك استمرت 15 يوماً ضد «جيش خالد ابن الوليد» مع قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المعتدلة التي كانت موافقة حديثاً في جنوب سوريا على التسويات والمصالحة مع النظام السوري، وبإسناد جوي روسي، انتهى وجود تنظيم داعش في مناطق (حوض اليرموك) جنوب غربي سوريا، بعد أن سلم عدد منهم نفسه للقوات التي اقتحمت المنطقة، وانسل آخرون بين المدنيين الفارين خلال المعارك التي كانت مشتعلة في المنطقة، بينما تم نقل عدد منهم بعد عملية تفاوض مع النظام السوري إلى البادية السورية.
اليوم، بعد فرض سيطرة النظام السوري على المنطقة تنتشر حواجز بين بلدات حوض اليرموك التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، أبرزها بلدات تسيل والشجرة ونافعة وجلين ومساكن جلين، وتتبع هذه الحواجز إلى قوات النظام السوري مع عناصر من الفصائل المعارضة سابقاً التي باتت تعرف باسم «فصائل التسويات» بريف درعا الغربي، وقوات روسية تقوم بدوريات ضمن المنطقة.
وبحسب مصادر من أهالي حوض اليرموك بريف درعا الغربي لـ«الشرق الأوسط»، فإن غالبية الأهالي المهجرة من قراها وبلداتها في حوض اليرموك عادت إلى منازلها الآن، وسط نقص حاد بالخدمات الصحية، والبنية التحتية؛ فالمعارك ضد تنظيم داعش في المنطقة خلفت دماراً هائلاً، سواء بالأبنية السكنية أو المرافق العامة كالمدارس والنقاط الطبية، وانعدام الكهرباء وتدمير عدد كبير من المنازل والمدارس، وتعرض منازل المدنيين لعمليات التعفيش والسرقة.
توضح المصادر، أن النظام السوري أجرى عمليات التسوية في مناطق حوض اليرموك للمطلوبين أمنياً أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية كباقي مناطق جنوب سوريا، وأن الكثير من عناصر التنظيم سابقاً من أبناء بلدات حوض اليرموك وبخاصة اليافعون منهم، أجروا تسويات في فرع «الأمن العسكري»، ومنهم من ذهب للخدمة لدى جيش النظام السوري.
ولم يتم إدخال الخدمات إلى المنطقة أو ترميم المدارس وإصلاح البنية التحتية، كالكهرباء التي لا تزال لم تصل إلى بلدات في حوض اليرموك منذ 6 سنوات، وحتى توزيع مادة الخبز والطحين غير منظمة، حيث تصل مادة الطحين إلى مناطق دون أخرى.
أما التعليم، فلم يتم ترميم المدارس بعد في مناطق حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، والإقبال على التعليم بات أفضل رغم الاعتماد في العملية التعليمية على مدارس تعرضت للتدمير بشكل جزئي، باعتبار أن معظم المدارس كانت قد أغلقت أو فرضت عليها الرقابة أثناء سيطرة تنظيم داعش على المنطقة؛ ما تسبب في تصاعد ظاهرة التسرب التعليمي في المنطقة.
تعرف بلدات حوض اليرموك بكونها من أفضل المناطق الزراعية في جنوب سوريا، يعتمد معظم الأهالي فيها على الزراعة، لكن بسبب سيطرة التنظيم وانحسار الإنتاج الزراعي خلال السنوات السابقة ضمن مناطق الحوض، والطوق العسكري على المنطقة من قبل فصائل المعارضة سابقاً، وصعوبة وصول المواد الأولية للزراعة والمساعدة عليها، كانت أسباب منعت النشاط الزراعي في المنطقة، وامتدت آثاره إلى هذه الأيام؛ ما يفسر الحالة الاقتصادية السيئة التي يعاني منها أهالي بلدات حوض اليرموك، فضلاً عن انتشار للحواجز الأمنية التابعة للنظام السوري بين بلدات حوض اليرموك، بعضها يتواجد عليها عناصر من فصائل التسويات بريف درعا الغربي.

وعود الوفد الروسي
وفد روسي زار بلدة «تسيل» بريف درعا الغربي في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بهدف الاطلاع على وضع الأهالي بعد سيطرة قوّات النظام السوري على المنطقة، طلب إلى وجهاء وكبار بلدة «تسيل» بتسجيل شكاوى المدنيين واحتياجاتهم، إضافة إلى قوائم تشمل أسماء المعتقلين. وقد طالب الأهالي بدخول الخدمات الصحية والإعمار للمدارس والمنازل التي دمرت نتيجة الأعمال العسكرية في المنطقة ضد تنظيم داعش، ودخول المحروقات، ولا سيما البنزين والمازوت، وتخليص المنطقة من مخلفات الحرب كالقنابل العنقودية والألغام والعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش في المنطقة.
وأفادت المصادر، بأنه بعد زيارة الوفد الروسي للمنطقة تم تقديم الأمور الخدمية بشكل مقبول من باب التعليم وتوفير الكتب المدرسية والمحروقات، بينما بقي موضوع المعتقلين وإعادة إعمار المباني المدمرة، معلقاً بوعود من الوفد الروسي بأنه «سيتم العمل عليه»، إضافة إلى أنهم وعدوا بكبح أي خروقات من قوات النظام السوري في المنطقة وحواجزها، في حين أنه لا تزال عدد من الحواجز المنتشرة في حوض اليرموك تتقاضى مبالغ مالية من المدنيين تبدأ من 500 ليرة سورية إلى 3000 ليرة سورية، مقابل تسهيل عبور سيارات الخضراوات أو المواد الغذائية أو إدخال أدوات منزلية يدفعها المدنيون، إما بطلب من العنصر الذي يتواجد على الحاجز أو من الشخص من تلقاء نفسه بعد معرفة المدنيين أنه حاجز يتقاضى مبلغاً مالياً مقابل تسهيل العبور.
ما يؤرق المدنيين في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش في حوض اليرموك غربي درعا، انتشار الألغام والعبوات الناسفة التي خلفها وجود تنظيم داعش، وحصدت أرواح عشرات المدنيين من مناطق الحوض مؤخراً، إضافة أن عدداً من قوات النظام قتل أيضاً أثناء قيامهم بعمليات تفكيك عبوات ناسفة زرعها تنظيم داعش في المنطقة، وباتت هذه الحوادث هاجساً أبعد المزارعين في معظم قرى وبلدات حوض اليرموك، من استثمار أراضيهم الزراعية خوفاً على حياتهم، ولا سيما مع انتشار القنابل العنقودية من مخلفات المعارك بين النظام والتنظيم.
وتبقى تهمة الانتماء لتنظيم داعش الأكثر انتشاراً بين الشباب في مناطق حوض اليرموك، بعد استخدامها ذريعة لاعتقال العشرات من أبناء المنطقة ومناطق (اللجاة شمال درعا). وكان تنظيم داعش يسيطر على بلدات وقرى حدودية (عدوان والمزيرعة وجلين والشجرة وبيت آرة وكويا ومعرية وعابدين ونافعة وعين ذكر وتل الجموع)، تقع عند المثلث الحدودي أقصى (جنوب غربي سوريا على الحدود السورية - الأردنية - الإسرائيلية).
و«جيش خالد بن الوليد» كان ذراعا لتنظيم داعش جنوب غربي سوريا تشكل في مايو (أيار) 2016، نتيجة اندماج ثلاث جماعات متطرفة من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب غربي سوريا، هي (جيش الجهاد، لواء شهداء اليرموك، وحركة المثنى الإسلامية). وقتل مؤسس التنظيم بريف درعا الغربي المعروف باسم «أبو علي البريدي» الملقب بـ«الخال»، أواخر عام 2015 بعد عملية نفذتها «جبهة النصرة» في مواقع التنظيم في أعقاب احتدام المعارك بين «النصرة» و«لواء شهداء اليرموك» و«جيش الجهاد» في حينها بعد أن أعلن لواء شهداء اليرموك بقيادة أبو علي البريدي تقربه من تنظيم داعش في منتصف عام 2014. هذا إضافة إلى قتل عدد من قادة جيش خالد أثناء تواجده في منطقة الحوض، نتيجة غارات للتحالف الدولي التي كانت تستهدف مواقع «داعش» في وادي اليرموك، بينما شهدت المنطقة طوقاً عسكرياً نفذته فصائل المعارضة لمنع تمدد التنظيم جنوب غربي سوريا، كما أنها أطلقت في حينها، معارك عدة ضد «جيش خالد» لاستعادة المناطق التي سيطر عليها التنظيم في وادي اليرموك، لكنها لم تحقق نتائجها.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.