يخيم هدوء الأعمال العسكرية على مناطق الجنوبية في سوريا، بما فيها مناطق (حوض اليرموك بريف درعا الغربي) التي كان يسيطر عليها ذراع تنظيم داعش «جيش خالد ابن الوليد»، بعد أعمال عسكرية لقوات النظام وبدعم جوي روسي استمرت لمدة شهرين ونصف الشهر، واتفاقيات مع فصائل المعارضة جنوب سوريا، استطاع النظام السوري في نهاية يوليو (تموز) الماضي، السيطرة على كامل جنوب غربي سوريا الخاضع سابقاً لاتفاقية وقف إطلاق نار بتوافق «روسي - أردني - أميركي».
وبعد معارك استمرت 15 يوماً ضد «جيش خالد ابن الوليد» مع قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المعتدلة التي كانت موافقة حديثاً في جنوب سوريا على التسويات والمصالحة مع النظام السوري، وبإسناد جوي روسي، انتهى وجود تنظيم داعش في مناطق (حوض اليرموك) جنوب غربي سوريا، بعد أن سلم عدد منهم نفسه للقوات التي اقتحمت المنطقة، وانسل آخرون بين المدنيين الفارين خلال المعارك التي كانت مشتعلة في المنطقة، بينما تم نقل عدد منهم بعد عملية تفاوض مع النظام السوري إلى البادية السورية.
اليوم، بعد فرض سيطرة النظام السوري على المنطقة تنتشر حواجز بين بلدات حوض اليرموك التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، أبرزها بلدات تسيل والشجرة ونافعة وجلين ومساكن جلين، وتتبع هذه الحواجز إلى قوات النظام السوري مع عناصر من الفصائل المعارضة سابقاً التي باتت تعرف باسم «فصائل التسويات» بريف درعا الغربي، وقوات روسية تقوم بدوريات ضمن المنطقة.
وبحسب مصادر من أهالي حوض اليرموك بريف درعا الغربي لـ«الشرق الأوسط»، فإن غالبية الأهالي المهجرة من قراها وبلداتها في حوض اليرموك عادت إلى منازلها الآن، وسط نقص حاد بالخدمات الصحية، والبنية التحتية؛ فالمعارك ضد تنظيم داعش في المنطقة خلفت دماراً هائلاً، سواء بالأبنية السكنية أو المرافق العامة كالمدارس والنقاط الطبية، وانعدام الكهرباء وتدمير عدد كبير من المنازل والمدارس، وتعرض منازل المدنيين لعمليات التعفيش والسرقة.
توضح المصادر، أن النظام السوري أجرى عمليات التسوية في مناطق حوض اليرموك للمطلوبين أمنياً أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية كباقي مناطق جنوب سوريا، وأن الكثير من عناصر التنظيم سابقاً من أبناء بلدات حوض اليرموك وبخاصة اليافعون منهم، أجروا تسويات في فرع «الأمن العسكري»، ومنهم من ذهب للخدمة لدى جيش النظام السوري.
ولم يتم إدخال الخدمات إلى المنطقة أو ترميم المدارس وإصلاح البنية التحتية، كالكهرباء التي لا تزال لم تصل إلى بلدات في حوض اليرموك منذ 6 سنوات، وحتى توزيع مادة الخبز والطحين غير منظمة، حيث تصل مادة الطحين إلى مناطق دون أخرى.
أما التعليم، فلم يتم ترميم المدارس بعد في مناطق حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، والإقبال على التعليم بات أفضل رغم الاعتماد في العملية التعليمية على مدارس تعرضت للتدمير بشكل جزئي، باعتبار أن معظم المدارس كانت قد أغلقت أو فرضت عليها الرقابة أثناء سيطرة تنظيم داعش على المنطقة؛ ما تسبب في تصاعد ظاهرة التسرب التعليمي في المنطقة.
تعرف بلدات حوض اليرموك بكونها من أفضل المناطق الزراعية في جنوب سوريا، يعتمد معظم الأهالي فيها على الزراعة، لكن بسبب سيطرة التنظيم وانحسار الإنتاج الزراعي خلال السنوات السابقة ضمن مناطق الحوض، والطوق العسكري على المنطقة من قبل فصائل المعارضة سابقاً، وصعوبة وصول المواد الأولية للزراعة والمساعدة عليها، كانت أسباب منعت النشاط الزراعي في المنطقة، وامتدت آثاره إلى هذه الأيام؛ ما يفسر الحالة الاقتصادية السيئة التي يعاني منها أهالي بلدات حوض اليرموك، فضلاً عن انتشار للحواجز الأمنية التابعة للنظام السوري بين بلدات حوض اليرموك، بعضها يتواجد عليها عناصر من فصائل التسويات بريف درعا الغربي.
وعود الوفد الروسي
وفد روسي زار بلدة «تسيل» بريف درعا الغربي في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بهدف الاطلاع على وضع الأهالي بعد سيطرة قوّات النظام السوري على المنطقة، طلب إلى وجهاء وكبار بلدة «تسيل» بتسجيل شكاوى المدنيين واحتياجاتهم، إضافة إلى قوائم تشمل أسماء المعتقلين. وقد طالب الأهالي بدخول الخدمات الصحية والإعمار للمدارس والمنازل التي دمرت نتيجة الأعمال العسكرية في المنطقة ضد تنظيم داعش، ودخول المحروقات، ولا سيما البنزين والمازوت، وتخليص المنطقة من مخلفات الحرب كالقنابل العنقودية والألغام والعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش في المنطقة.
وأفادت المصادر، بأنه بعد زيارة الوفد الروسي للمنطقة تم تقديم الأمور الخدمية بشكل مقبول من باب التعليم وتوفير الكتب المدرسية والمحروقات، بينما بقي موضوع المعتقلين وإعادة إعمار المباني المدمرة، معلقاً بوعود من الوفد الروسي بأنه «سيتم العمل عليه»، إضافة إلى أنهم وعدوا بكبح أي خروقات من قوات النظام السوري في المنطقة وحواجزها، في حين أنه لا تزال عدد من الحواجز المنتشرة في حوض اليرموك تتقاضى مبالغ مالية من المدنيين تبدأ من 500 ليرة سورية إلى 3000 ليرة سورية، مقابل تسهيل عبور سيارات الخضراوات أو المواد الغذائية أو إدخال أدوات منزلية يدفعها المدنيون، إما بطلب من العنصر الذي يتواجد على الحاجز أو من الشخص من تلقاء نفسه بعد معرفة المدنيين أنه حاجز يتقاضى مبلغاً مالياً مقابل تسهيل العبور.
ما يؤرق المدنيين في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش في حوض اليرموك غربي درعا، انتشار الألغام والعبوات الناسفة التي خلفها وجود تنظيم داعش، وحصدت أرواح عشرات المدنيين من مناطق الحوض مؤخراً، إضافة أن عدداً من قوات النظام قتل أيضاً أثناء قيامهم بعمليات تفكيك عبوات ناسفة زرعها تنظيم داعش في المنطقة، وباتت هذه الحوادث هاجساً أبعد المزارعين في معظم قرى وبلدات حوض اليرموك، من استثمار أراضيهم الزراعية خوفاً على حياتهم، ولا سيما مع انتشار القنابل العنقودية من مخلفات المعارك بين النظام والتنظيم.
وتبقى تهمة الانتماء لتنظيم داعش الأكثر انتشاراً بين الشباب في مناطق حوض اليرموك، بعد استخدامها ذريعة لاعتقال العشرات من أبناء المنطقة ومناطق (اللجاة شمال درعا). وكان تنظيم داعش يسيطر على بلدات وقرى حدودية (عدوان والمزيرعة وجلين والشجرة وبيت آرة وكويا ومعرية وعابدين ونافعة وعين ذكر وتل الجموع)، تقع عند المثلث الحدودي أقصى (جنوب غربي سوريا على الحدود السورية - الأردنية - الإسرائيلية).
و«جيش خالد بن الوليد» كان ذراعا لتنظيم داعش جنوب غربي سوريا تشكل في مايو (أيار) 2016، نتيجة اندماج ثلاث جماعات متطرفة من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب غربي سوريا، هي (جيش الجهاد، لواء شهداء اليرموك، وحركة المثنى الإسلامية). وقتل مؤسس التنظيم بريف درعا الغربي المعروف باسم «أبو علي البريدي» الملقب بـ«الخال»، أواخر عام 2015 بعد عملية نفذتها «جبهة النصرة» في مواقع التنظيم في أعقاب احتدام المعارك بين «النصرة» و«لواء شهداء اليرموك» و«جيش الجهاد» في حينها بعد أن أعلن لواء شهداء اليرموك بقيادة أبو علي البريدي تقربه من تنظيم داعش في منتصف عام 2014. هذا إضافة إلى قتل عدد من قادة جيش خالد أثناء تواجده في منطقة الحوض، نتيجة غارات للتحالف الدولي التي كانت تستهدف مواقع «داعش» في وادي اليرموك، بينما شهدت المنطقة طوقاً عسكرياً نفذته فصائل المعارضة لمنع تمدد التنظيم جنوب غربي سوريا، كما أنها أطلقت في حينها، معارك عدة ضد «جيش خالد» لاستعادة المناطق التي سيطر عليها التنظيم في وادي اليرموك، لكنها لم تحقق نتائجها.